أفريقيا برس – الجزائر. تلوح بوادر حرب جواسيس بين الجزائر وفرنسا، كفصل جديد من مسلسل الأزمة بين البلدين، فبالموازاة مع سماع القضاء الجزائري للكاتب الموقوف بوعلام صنصال، الذي وجهت له تهمة التخابر مع جهة خارجية، أعلنت فرنسا عن توقيف موظفين في وزارة المالية وادارة الهجرة، بدعوى تجنيدهما من طرف السلطات الجزائرية لملاحقة المعارضين الجزائريين في فرنسا، ليضاف ذلك الى افادة شاب جزائري من جهاديي داعش، حول سعي الأمن الخارجي الفرنسي لتجنيده من أجل تفعيل النشاط الإرهابي في الجزائر.
تفرز الأزمة الجزائرية- الفرنسية المشتعلة منذ عدة أشهر، أبعادا وامتدادات متعددة، مما يعكس حجم التعقيد والتشابك في علاقات البلدين، فالمسألة التي تفجرت بعد اعلان قصر الاليزي، عن دعم المقاربة المغربية في حل نزاع الصحراء الغربية، تأخذ تدريجيا أبعادا متعددة، فأخرجت لحد الآن أغلب الخلافات المتراكمة، بداية من سياسة الهجرة، والاقتصاد والتبادل التجاري، وحركة تنقل الأفراد، والذاكرة، ثم تجنيد الجواسيس.
وبالموازاة مع السردية الجزائرية التي تتحدث عن ضلوع جهات فرنسية متعددة في أعمال جوسسة ودعم معارضين سياسيين وكيانات إرهابية، رفعت باريس نفس السلاح، بالكشف عن ملاحقة موظفين رسميين، اتهما بتقديم معلومات وبيانات سرية لصالح الجزائر، الأمر الذي ينقل الأزمة الى معركة جديدة قوامها الجوسسة والجوسسة المضادة.
ويرى متابعون للملف، بأن الأزمة المشتعلة بين الطرفين، مرشحة لكل الاحتمالات، وأن القبضة الحديدية ستستمر عكس ما كانت تعتقد باريس، لاسيما في ظل صعود نخبة داخل السلطة الجزائرية الحالية، غير متحمسة ولا هي مرتبطة بمحور الجزائر- باريس، عكس النخبة الرسمية التي كانت تستحوذ على السلطة ابان حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة.
وبالموازاة مع استماع القضاء الجزائري، للكاتب الموقوف منذ منتصف شهر نوفمبر الماضي بوعلام صنصال، أين وجهت له تهمة التخابر مع جهة أجنبية، كشف القضاء الفرنسي، عن وضع موظفين من وزارة المالية ودائرة الهجرة والاندماج قيد تحقيق رسمي لاشتباه تجسسهما لحساب الجزائر، وكشف معلومات سرية عن طالبي اللجوء وانتهاك قواعد السرية المهنية.
وعلق الناشط السياسي الجزائري المقيم في فرنسا محمد هنيش، على الخطوة الجديدة، بالقول: “هي جولة جديدة من القبضة الحديدية المشتدة بين البلدين، ولا يستبعد أن تأخذ أي بعد ممكن، فالسلطات الفرنسية التي تعودت على ولاء نخب رسمية في الجزائر، متفاجئة لردة فعل جيل جديد داخل السلطة الجزائرية، ولا تريد أن تظهر أمام الرأي العام الفرنسي في موقع ضعف أمام ما تعتبره مستعمرة قديمة”.
وأكد، لـ”أفريقيا برس”، بأن “حماسة جهات رسمية فرنسية على الذهاب بعيدا في معركة كسر العظم، حتى ولو تطلب الأمر اخراج كل الأوراق، بما فيها الذاكرة والهجرة والجوسسة والاقتصاد.. وغيرها، وخطاب وزير الداخلية برونو روتايو، يعكس انشغال وتركيز دوائر القرار الفرنسية على الأزمة، لما تمثله من مادة سياسية دسمة للاستحقاقات السياسية الداخلية، وتلافي الظهور أمام الرأي العام بالقوة غير المرغوب فيها في المستعمرات القديمة، خاصة في افريقيا”.
وذكر بيان النيابة العامة الفرنسية، بأن “الموظف متهم بتسليم تفاصيل عن طالبي اللجوء الجزائريين، بمن فيهم معارضون معروفون للإدارة الجزائرية الحالية، إلى مسؤول اتصال جزائري يعمل في القنصلية الجزائرية بضاحية كريتاي بباريس، وقد تم وضع الموظفين قيد التحقيق الرسمي منذ شهر ديسمبر الماضي”.
ويعني ذلك في فرنسا أن هناك أدلة قوية أو ثابتة تشير إلى احتمال تورط المشتبه به في جريمة، لكن لا يعني إدانته أو إحالته بالضرورة إلى المحاكمة.
وشكل الاستماع مجددا من طرف القضاء للكاتب صنصال بوعلام، في تهم تتمحور حول اتهامات حول التخابر مع جهات أجنبية، رسالة جزائرية للفرنسيين، مفادها أن التمسك بالقضية المذكورة، والسعي للضغط بواسطتها عليها، لن يجدي نفعا ولا يمكن أن يثني صناع القرار عن موقفهم تجاه الأزمة القائمة.
وقالت تقارير جزائرية، بأن “بوعلام صنصال، لعب دورا نشطا في نقل معلومات حساسة إلى دبلوماسيين فرنسيين، مما يضعه في قلب قضية تمس بالأمن القومي الجزائري، وأن التحقيق الجاري لا يقتصر فقط على اتهامات إفشاء أسرار استراتيجية، بل يمتد إلى تصريحات سابقة أدلى بها المتهم، تندرج ضمن المساس بالوحدة الوطنية من خلال التشكيك في جوانب من التاريخ الجزائري”، وتقصد بذلك تشكيكه في ثورة التحرير الجزائرية وفي جغرافية الدولة.
ولفتت الى أن السفير الفرنسي السابق في الجزائر، وتعني به كزافييه دريانكور، كان يحصل على معلومات سرية من صنصال، لم تكشف عن طبيعتها، لكنها شددت على أن ثبوتها يضع صاحبها تحت طائلة البند 87 مكرر، الذي يصنف أي اعتداء على أمن الدولة ضمن الأعمال الإرهابي والتخريبية.
لكن اللافت في جولة الجوسسة والجوسسة المضادة بين الجزائر وباريس، لم تتعد حدود الشأن السياسي، ولم يكشف الطرفان عن أضرار اقتصادية أو أمنية أو تكنولوجية أو استراتجية تدخل في صلب العمليات المذكورة.
ومنذ حادثة تسفير المعارضة الفرانكوجزائرية أميرة بوراوي، من تونس الى فرنسا العام 2023، أين اتهمت الجزائر الأمن الخارجي الفرنسي بالوقوف وراء العملية، بقي عتاب الجزائريين على الفرنسيين يتمحور حول دورها وعلاقتها بناشطين معارضين وكيانات تصنفها ضمن الحركات الإرهابية، ولم تتوان بالجهر فيما تراه تواطأ فرنسيا مع الناشطين المعارضين ومع حركتي “ماك” الانفصالية، و”رشاد” الإسلامية.
ووصف الناشط محمد هنيش، في تصريحه لـ “أفريقيا برس”، خطوة القضاء الفرنسي، تجاه موظفين من مزدوجي الجنسية (فرنسية وجزائرية)، بـ “الرد المماثل”، ومحاولة احراج السلطة الجزائرية أمام الرأي العام، بأنها تتفرغ لملاحقة المعارضين السياسيين بدل السعي لحل الأزمة السياسية الداخلية.
وهو ما علقت عليه صحيفة “الخبر” الخاصة والمقربة من السلطة، في مقال تصدر صفحتها الأولى بصورة للمدون المعارض أمير بوخرص، (أمير دي زاد)، بالقول: “صور الإعلام الفرنسي، الغارق في التضليل والبهتان، توقيف هذا “الفرنسي – الجزائري”، عن تهمة التجسس لصالح الجزائر، على أنه صيد ثمين وصفقة جيدة.. من يستهزئ بنا؟”
وأضافت: “دولة مثل الجزائر لا تحتاج للتجسس، لأن جميع المعلومات تصل إليها وهذا ليس جديدا، وفرضا أن هذا الكلام صحيح، فما الفائدة من التجسس على بيرسي (وزارة الاقتصاد)؟ في وقتنا الحاضر، تخاطر الدول بالتجسس على أشياء أخرى، مثل سباق التسلح، والاختراعات والابتكارات التكنولوجية، والذكاء الاصطناعي، وعلم الوراثة، وحتما ليس على المعلومات المالية.. إن الأمر سخيف حقا، خاصة عندما يكون الناشر والمنبهر به هي أجهزة الأمن الفرنسية!!”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس