أفريقيا برس – الجزائر. في عالمٍ تُعد فيه الثقة والوصول السريع إلى المعلومات والمعاملات الآمنة من الأصول الأساسية، خاصة في المجال التجاري والاقتصادي، تبرز مبادرة “مانسا” MANSA التي تهدف إلى إنشاء قاعدة بيانات مركزية للعناية بالشركات الإفريقية ورقمنة النشاط والتبادل التجاري كرافعة لإضفاء الشفافية والثقة، وربح الجهد والوقت في الوصول إلى البيانات الضرورية. ولذلك، يتم الرهان من خلال النشاط الدؤوب لاستقطاب المزيد من الفاعلين والناشطين التجاريين في إفريقيا.
وتظهر مورين مباه الخبيرة المصرفية النيجيرية التي تشغل منصب رئيسة مبادرة مانسا الرقمية في البنك الإفريقي للاستيراد والتصدير (Afreximbank)، كقاطرة أمامية تجر وتدير المبادرة الإفريقية، بحضورها المكثف في مختلف التظاهرات الاقتصادية والتجارية التي تحتضنها القارة، إلى جانب مرافعتها لصالح سيدات المال والأعمال الإفريقيات، اللائي تعتبرهن رافعة لدفع عجلة التبادل وترجمة الأفكار والتصورات في مشاريع ناجحة بإمكانها المساهمة في التنمية وخلق القيمة المضافة.
شغلت مورين مباه منصب المديرة التنفيذية لقسم المطابقة في البنك الإفريقي للاستيراد والتصدير “أفريكسيم بنك”، مستفيدة في ذلك من رصيدها العلمي الذي تلقته في الولايات المتحدة الأمريكية في المجال المالي، ومن إرادتها الصلبة في إعطاء دفع جديد للتجارة القارية. ثم ترأست مبادرة “مانسا” منذ إطلاقها في العام 2020.
ولا تتوانى رئيسة “مانسا” التي حصلت على عدة جوائز تقديرية، أبرزها جائزة الريادة الرقمية النسائية خلال قمة ALM Africa Summit في لندن، تكريمًا لإسهاماتها في التحول الرقمي الإفريقي، في حث النساء الإفريقيات على مقاومة العوائق الإدارية والاجتماعية، والتمسك بطموحهن في تحقيق أفكارهن ومشاريعهن، والمساهمة في نهضة بلدانهن وقارتهن.
وبفضل جهود وتضحيات مورين مباه على مدى 25 عاما، صار بإمكان النساء الإفريقيات تخطي الحواجز الجغرافية، ودخول الأسواق العالمية، وتعزيز قدرتهن التنافسية في الاقتصاد الرقمي باستخدام الحلول التي توفرها المبادرة، من أجل مكافحة غسل الأموال، والأشخاص الملاحقين سياسيًا، والتقارير الإعلامية السلبية.
“أفريقيا برس” التقت مورين مباه على هامش الورشة التي احتضنها قصر المعارض بالجزائر العاصمة، لشرح وتسويق مبادرة “مانسا”، على هامش الطبعة الرابعة لمعرض التجارة البينية الإفريقية، وسألتها عن عدة مسائل تتعلق براهن ومستقبل التجارة الإفريقية، وفرص النهوض ودخول المنافسة العالمية.
ما هي رسائل الحضور إلى الطبعة الرابعة لمعرض التجارة البينية في إفريقيا؟
أهدافنا واضحة ومسطرة منذ نشأة مبادرة التجارة الرقمية، خاصة في ظل الوتيرة التي تعرفها التجارة العالمية وتعقيدات إضفاء الشفافية على المعاملات، وضرورة حضور ومساهمة المرأة الإفريقية في تنمية الاقتصاد وتجسيد قدراتها المهنية في هذا المجال.
ولذلك، فإن حضورنا في معرض التجارة البينية المنعقد بالجزائر شكّل محورًا رئيسيًا لتفاعل الناشطين والفاعلين في المجال التجاري وتعزيز حضورهم. وتم التركيز بشكل خاص على عرض منظومة بوابة التجارة الإفريقية، بما في ذلك ركيزتها الرئيسية للتحقق من هوية العميل. وقد مكّن هذا التركيز المزدوج من الترويج لمجموعة شاملة من أدوات تيسير التجارة، وتسليط الضوء على الدور الحاسم لمبادرة “مانسا” في دعم الامتثال الرقمي وتبسيط عملية انضمام الكيانات الإفريقية.
وقد تركزت المناقشات مع الفاعلين والعارضين المشاركين في المعرض على مزايا الانضمام إلى منصة مانسا، لاسيما وأن عملية الانضمام مجانية تمامًا. كما تمت مشاركة المواد الإعلامية ووثائق الانضمام مع الأطراف المهتمة والراغبة لتسهيل التسجيل وتعميق فهم الخدمات المقدمة.
ما هي الأهداف التي سطرتها مبادرة التجارة الرقمية؟
عمل مانسا مستمر وفق الأجندة المُسطرة، حيث عُقدت اجتماعات رئيسية مع ممثلين عن المؤسسات المالية الكبرى لعرض القيمة المُقترحة لبوابة التجارة الإفريقية. كما بحثت ورشة معرض الجزائر إمكانية رعاية مجموعة من كبار العملاء من الشركات للوصول إلى مجموعة حلول التجارة الرقمية.
هذه المبادرة وُضعت كجهد استراتيجي لتعزيز التجارة داخل إفريقيا وخارجها، مع تعزيز دور المؤسسة كعامل تمكين استباقي للتكامل التجاري الإقليمي. واقترح عقد جلسة متابعة لتقديم عرض توضيحي حي لمزايا المنصة.
وفي الوقت نفسه، تم تحديد شركاء محتملين لترشيح الشركات الصغيرة والمتوسطة الجاهزة للتصدير لبرنامج الجاهزية الإقليمية للتصدير، وتمت مشاركة تفاصيل البرنامج مع الجمعيات المعنية، إلى جانب الشرط الأساسي المتمثل في أن تُكمل الشركات الصغيرة والمتوسطة المرشحة عملية التحقق من خلال منصة “اعرف عميلك” للتأهل للمشاركة.
ومن خلال هذه المشاركات، نجح بنك “أفريكسيم بنك” في تعزيز مكانة أدواته لتسهيل التجارة، واستكشاف فرص التعاون لتعزيز الامتثال الإقليمي، وتوسيع نطاق التجارة، وتعزيز جاهزية الشركات الصغيرة والمتوسطة في جميع أنحاء القارة.
يتم التركيز في مانسا على إضفاء الشفافية على النشاط التجاري، هل من تفاصيل أكثر؟
برنامج البنك لتنمية الشركات الصغيرة والمتوسطة يُقدم دعمًا ماليًا وغير مالي شاملًا للشركات الصغيرة والمتوسطة الموجهة نحو التصدير، بما يتماشى مع ركائز البنك الاستراتيجية للتجارة البينية الإفريقية، والتصنيع، وتنمية الصادرات. ولذلك، ندعو جميع المشاركين إلى التسجيل في سوق بوابة التجارة الإفريقية، الذي أُطلق رسميًا بالتعاون مع أمانة منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية خلال الذكرى السنوية الثلاثين لتأسيس البنك والاجتماعات السنوية في أكرا، غانا، في يونيو 2023.
مبادرة مانسا تتألف من خمس منصات رقمية، صُممت كنافذة واحدة لتمكين البنك من الوفاء بالتزاماته بشكل أفضل من خلال تقديم خدمات حيوية لدعم وتعزيز التجارة الإفريقية، وتنفيذ اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية.
ويتألف النظام البنكي الرقمي من منصات “اعرف عميلك”، وتخصيص رمز للعميل، ونظام الدفع والتسوية الإفريقي للمدفوعات العابرة للحدود بالعملات المحلية، ونادي “ترادار” للأنظمة والمتطلبات التشريعية لجميع أنشطة التجارة والاستثمار في جميع أنحاء إفريقيا، والتبادل التجاري الإفريقي لمشتريات السلع الأساسية بين الشركات (B2B) وبين الشركات والحكومات (B2G)، و”كونتكت” لربط ومطابقة فرص العرض والطلب لجميع المشاركين.
في ظل تحديات وتعقيدات التكامل التجاري الإفريقي، ماذا يمكن لـ “مانسا” أن تضيفه للنشاط؟
يقود البنك الإفريقي للتصدير والاستيراد (أفريكسيم بنك) العديد من المبادرات، على غرار معرض التجارة البينية والتجارة الرقمية، لتكون رافعة أساسية لتعزيز التكامل الإفريقي وتعزيز ثقة المستثمرين.
ولذلك، فإن “مانسا” ليست مجرد قاعدة بيانات، بل هي بنك رقمي فريد يجمع أكثر من 236 ألف كيان إفريقي، من شركات صغيرة ومتوسطة، وشركات كبيرة، ومؤسسات مالية، ويُخصص لكل كيان هوية فريدة. وهي بمثابة جواز سفر رقمي حقيقي يُسهل التحقق من الهوية، ويبني الثقة، ويُبسط المعاملات التجارية.
وإن الشركات الصغيرة والمتوسطة هما القاطرتان التجاريتان الحقيقيتان للقارة، قياسًا بأهميتهما في النمو الاقتصادي، إلا أن التجارة البينية الإفريقية لا تزال محدودة، حيث لا تمثل سوى 18 بالمائة من تجارة القارة، مقارنةً بما يتراوح بين 60 و70 بالمائة في الاقتصادات المتقدمة.
وهنا تُخطط “مانسا” للعب دور حاسم، بمساعدة المنتجين المحليين على إضافة قيمة إلى منتجاتهم وتعزيز حضورهم في السوق حتى يتم الاعتراف بهم دوليًا.
لا تزال إفريقيا سوقًا للتزويد بالمواد الخام، ما هي رؤية مانسا لتثمين الموارد القارية؟
الهدف المُعلن لبنك “أفريكسيم بنك” من خلال “مانسا” واضح، وهو جعل إفريقيا قارة صناعية، قادرة على تحويل موادها الخام لزيادة قيمتها المُضافة. والتجربة في تطور ملحوظ، حيث يعمل كبار المنتجين مثل الكاميرون، وكوت ديفوار، وغانا، ونيجيريا، الذين غالبًا ما يُصدرون المواد الخام، وخاصة الكاكاو، بدلًا من المنتجات المُصنّعة عالية القيمة، على تثمين الموارد المحلية وتحقيق عائدات أكثر.
لم يعد بإمكان إفريقيا تحمل تصدير 100 مليون طن من المنتجات الأولية غير المُصنعة. من الضروري أن يوظف كل بلد مزاياه النسبية لإنتاج وتصدير سلع عالية القيمة، مما سيعزز إيراداته وصورته على الساحة العالمية. وهنا تطرح “مانسا” نفسها كوسيط رئيسي، حيث تجمع جميع المعلومات المالية والقانونية والتجارية اللازمة لتوطيد العلاقات بين الجهات الفاعلة الاقتصادية الإفريقية.
وتُعد الثقة جانبًا محوريًا آخر من جوانب المبادرة، والتي غالبًا ما تُعيقها قلة الوضوح أو ارتفاع تكاليف الامتثال للوائح التنظيمية. وقد صُممت “مانسا” لإزالة هذه العوائق، وإن نجاح المبادرة يعتمد على التزام الشركات بالشفافية وإمكانية التتبع، مما يتيح للمنصات عرض بيانات موثوقة ومُتحقق منها تُطمئن الشركاء والمستثمرين.
ومن خلال شراكاتها مع أكثر من 340 مؤسسة مالية وبنكًا مركزيًا إفريقيًا، تضمن “مانسا” صحة البيانات، مما يقلل المخاطر ويعزز الثقة.
التجارة البينية الإفريقية في حاجة لتعزيز أكثر، هل هناك آليات أخرى في الأفق؟
إلى جانب مبادرة “مانسا”، سلطت الورشة المنعقدة على هامش الطبعة الرابعة للتجارة البينية الإفريقية الضوء على الحاجة إلى زيادة عدد هذه الأنواع من المبادرات. فإلى جانب آليات مثل مناطق التجارة الحرة القارية، ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة ورائدات الأعمال باعتبارهن جهاتٍ فاعلة ورئيسية في التنمية المستدامة، هناك أيضًا ضرورة لتوفير فرص التدريب والتواصل، وبرامج حاضنة للأفكار والمبادرات.
ونحن في “مانسا”، لا نهدف إلى تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة فحسب، بل نهدف أيضًا إلى تزويدها بالأدوات والمعرفة اللازمة لهيكلة أنشطتها وضمان استدامتها.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس