نحو 100 مليار دولار.. استعادة الأموال المنهوبة.. وعد الرئيس الذي لم يتحقق بعد

65
نحو 100 مليار دولار.. استعادة الأموال المنهوبة.. وعد الرئيس الذي لم يتحقق بعد

فريدة شراد

أفريقيا برس – الجزائر. تسعى الحكومة الجزائرية إلى إجراء تسوية وديّة لاسترجاع الأموال المنهوبة في حقبة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، وكانت وزارة العدل الجزائرية قد أعلنت أنّ القضاء حجز على أموال قُدّرت بـ850 مليون دولار، إضافة إلى مركبات وعقارات، في إطار تحقيقات فساد حقبة بوتفليقة، موجودة على التراب الجزائري. وسبق للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، التصريح بأن أغلب دول الاتحاد الأوروبي أبدت استعدادها لمساعدة بلاده في استرجاع الأموال المهربة خلال عهد بوتفليقة (1999-2019). ولا يوجد رقم رسمي حول حجم الأموال المهربة خلال عهد بوتفليقة الذي استقال من الرئاسة في 2 أفريل 2019، تحت ضغط الحراك الشعبي مناهض لحكمه المندلع في 22 فيفري من العام نفسه. لكنّ عبد القادر بن قرينة رئيس حركة البناء وهو حرز إسلامي سبق أن قال في تصريح سابق، إنّ حجم تلك الأموال يفوق 100 مليار دولار، حسب وكالة الأناضول.

اتفاقيتان مع لبنان

ووقع وزير العدل حافظ الأختام، عبد الرشيد طبي، السبت، اتفاقيتان قضائيتان مع نظيره اللبناني هنري الخوري، خلال زيارة عمل إلى البلد الذي يقيم فيه بوشوارب المتابع قضائيا في الجزائر، وأفاد بيان لوزارة العدل، أن الاتفاقية الأولى تتعلق بالتعاون القضائي في المجال الجزائي، بينما تتعلّق الثانية بتسليم المجرمين. وأضاف المصدر ذاته أن التوقيع سيسبقه محادثات بين الطرفين حول سُبل تفعيل هذا التعاون بين البلدين. وتبدو الزيارة، بالغة الأهمية بالنسبة للجزائر، سيما أنها تعلقت بإبرام اتفاقية لتسليم المجرمين، حيث تتوجه البوصلة مباشرة لوزير الصناعة الأسبق عبد السلام بوشوارب. ومعروف أن الوزير السابق المدان بـ 4 أحكام قضائية كان يقيم في هذا البلد العربي، هربا من القضاء الجزائري.

وذكرت تقارير إعلامية سابقة أن عائلة بوشوارب تعرضت لإصابات في انفجار مرفأ بيروت، بعد انهيار جزء من فيلا فاخرة يملكها بوشوارب تقع قرب موقع الحادثة. وتحدثت المصادر ذاتها أن زوجة بوشوارب وابنته تعرضتا لإصابات بسبب الانفجار، مشيرة إلى أن صاحب فضيحة مصانع “نفخ العجلات” كان يقيم بين لبنان وباريس. ومن خلال ذلك، يرى متابعون أن وزير العدل عبد الرشيد طبي مكلف خلال الزيارة بمهمة استرجاع ممتلكات بوشوارب في لبنان. وكانت السلطات الجزائرية قد اتخذت الإجراءات اللازمة من أجل تنفيذ الحجز الفوري على ممتلكات وزير الصناعة الأسبق المتواجدة بفرنسا، وفقا للاتفاقيات بين البلدين. وأدان القضاء الجزائري، الوزير الهارب بـ4 أحكام قضائية وصلت عقوبتها إلى 20 سنة سجنا عن كل قضية.

الشروع في حجز أموال “الفاسدين”

شرعت العدالة الجزائرية الأسبوع المنصرم في تطبيق أحكام العدالة ومصادرة ممتلكات وأموال بعض رؤوس الفساد المالي والسياسي، بعد أكثر من ثلاثة سنوات من المحاكمات المارطونية التي بدأن في ديسمبر 2019، بمحاكمة رجال أعمال في قطاع السيارات ورؤساء حكومات ووزراء.

تناقلت الصحافة الجزائرية خبرين هامين، في هذا الجانب وهما مصادرة أملاك  الوزير الأسبق للصناعة، عبد السلام بوشوارب الذي هرب إلى لبنان، وكل محاكماته تمت غيابيا و نال أقصى الأحكام الجنائية، حسب القانون الجزائري. حيث ذكرت صحيفة “الشروق” الجزائرية، أنه تم حجز جميع ممتلكات بوشوارب في الجزائر الظاهرة والخفية، مع اتخاذ جميع الإجراءات التي تدخل في إطار الاتفاقيات القضائية مع فرنسا لتنفيذ الحجز الفوري لجميع ممتلكات الوزير الفار والمتمثلة في 3 شقق في قلب عاصمة فرنسا باريس. وداهمت الضبطية القضائية بالزي المدني، وتحت إشراف محكمة القطب الجزائي الاقتصادي والمالي بمحكمة سيدي أمحمد بالجزائر العاصمة، الفيلا مالكها الحقيقي وزير الصناعة الأسبق  الفار عبد السلام بوشوارب،  كان يؤخرها لسفارة العراق لعدة سنوات قبل أن تغادرها، وسجلها باسم والدته. وتم العثور داخل القصر “الفيلا”، على كنز من المجوهرات والحلي باهظة الثمن. كما تم حجز مبالغ مالية جد معتبرة بالعملة الصعبة “اليورو والدولار”، إلى جانب سيارتين فخمتين ألمانيتي الصنع، ومنقولات ثمينة تم العثور عليها داخل “الفيلا” الفخمة التي تفوق قيمتها المالية 200 مليار سنتيم جزائري (حوالي 20 مليون دولار) ، إذ تم حجزها على الفور.

وقامت الجهات القضائية أيضا، بحجز 10 ممتلكات للوزير السابق والمتمثلة في العقارات والشقق من مختلف الصيغ، إلى جانب مصنع معروف بالناحية الشرقية للعاصمة. والخبر الثاني الذي نقله موقع الإلكتروني الجزائري”H24″ حول مصادرة ممتلكات رجل الأعمال علي حداد، كاشفا أن العدالة شرعت في حجز، ممتلكات  رجل الأعمال المسجون  بولاية باتنة شرق الجزائر والمتهم والمحكوم عليه في قضايا فساد مالي. ونفدت مصالح العدالة الحكم وحجزت “فيلا” ملك لعلي حداد تتجاوز قيمتها 150 مليار سنتيم جزائري “12 مليون دولار” ومنعت مصالح الأمن عائلة علي حداد التي كانت تقيم في ذات الفيلا، من حمل أو إخراج أي شيء من الفيلا المحجوز عليها.

وأوضحت المصادر ذاتها، أنه من بين أثاث الفيلا لوحات فنية وتماثيل بقيمة مالية خيالية، تتجاوز 4 مليار سنتيم، للوحة الواحدة، رجحت المصادر ذاتها، أن تكون لفنانين كبار، وذات قيمة فنية كبيرة، كان علي حداد يشتريها كأصول مضمونة. يذكر أن العديد من الأحكام النهائية في ملف علي حداد، صدرت مؤخرا وهو ما يسمح للعدالة بوضع يدها نهائيا على عشرات العقارات والشركات والأموال التابعة لرجل الأعمال المسجون علي حداد داخل الجزائر وخارجها أيضا.

استرجاع أموال مطلب الحراك

حسان براهيمي - محامي وناشط سياسي
حسان براهيمي – محامي وناشط سياسي

يرى المحامي والناشط السياسي الأستاذ حسان براهيمي، في تصريح خص به موقع “أفريقيا برس” أن حملة مكافحة فساد عهد الرئيس السابق بوتفليقة، بدأت تؤتي ثمارها، بعد مرور حوالي 03 سنوات، مؤكدا أنها وصلت إلى مرحلتها الحاسمة ألا وهي “مرحلة استعادة الأموال المنهوبة”، وهذا بعد أن أصدرت كل الأحكام القضائية بصيغة التنفيذ ووجب على كل مؤسسات الجمهورية باسم الشعب الجزائري أن تسعى في تنفيذها. وأكد الأستاذ براهيمي أن استرجاع الأموال المنهوبة مطلب شعبي وأساسي للحراك الشعبي.

وقال المحامي السابق والخبير القانوني والقضائي، الأستاذ عادل رخيلة، في اتصال مع “إفريقيا برس” إن شروع العدالة في مصادرة الأملاك المنقولة والعقارات والممتلكات العقارية وغير العقارية لرجال الأعمال المتورطين في الفساد السياسي والمالي هي تكملة لإجراءات التحقيق والمتابعة التي شرعت فيها العدالة الجزائرية استجابة للمطلب الشعبي الذي نادى به الحراك .

وأضاف المتحدث ذاته أن العدالة الجزائرية قد أصدرت في الآونة الأخيرة عدة أحكام تتعلق بما بعرف بـ “قضايا الفساد أو العصابة” تضمنت عقوبات سالبة للحرية (الحبس) وعقوبات مالية (الغرامة) وعقوبات تكميلية تمثلت في مصادرة الأملاك العقارية والمنقولة وحتى الحسابات البنكية للمتهمين المدانين.

عبد الرحمان صالح - محامي وناشط سياسي
عبد الرحمان صالح – محامي وناشط سياسي

وثمن المحامي والناشط السياسي الأستاذ عبد الرحمان صالح الخطوات التي قال إنها مطلب شعبي، عندما ربط الشعب الجزائري في أول يوم من خروجه في مسيرات الحراك يوم  22 فيفري 2019، بين محاربة الفساد  ورحيل رموزه مع محاكمتهم و أيضا استرجاع الأموال المنهوبة.

وقال المُتحدث في مسألة محاربة الفساد إنه يجب ألا نغفل أن الفساد تراكم عبر مستويات كبيرة لمدة عقود وبالتالي فمحاربته والقضاء عليه سيستغرق وقتا أطول بكثير” مضيفا “عملية المصادرة تمت تنفيذا لقرارات قضائية نهائية استنفذت طرق الطعن وبالتالي أصبحت باتة ووجب تنفيذ مقتضياتها، خاصة مع الأموال الموجودة داخل الوطن فالمسألة سهلة جدا باعتبار أنها ستتم تطبيقا وتنفيذا لأحكام وقرارات قضائية صادرة عن القضاء الوطني.

 

قانون لمصادرة أموال الفساد

أصدر الرئيس الجزائري عبد المجد تبون خلال مجلس الوزراء قرار بإنشاء صندوق خاص بالأموال والأملاك المصادرة أو المسترجعة في إطار قضايا مكافحة الفساد. وتم تحديد مدونة إيرادات ونفقات الصندوق الخاص بالأموال والأملاك المصادرة أو المسترجعة في إطار قضايا مكافحة الفساد وكيفية متابعته وتقييمه، بموجب قرارين لوزارة المالية صدرا في الجريدة الرسمية رقم 96، ووفقاً للقرار الأول، فإن إيرادات هذا الصندوق تتضمن على وجه الخصوص الأموال المصادرة بناء على أحكام قضائية نهائية، وهو ما يشمل الأرصدة الدائنة للحسابات البنكية بالدينار الجزائري والعملة الصعبة مقيّدة بالدينار الجزائري. كما يتضمن الأموال المسترجعة من الخارج، مقيّدة بالدينار الجزائري. وتشمل الإيرادات أيضاً ناتج بيع الممتلكات المصادرة بناء على أحكام قضائية نهائية أو المسترجعة، ويضم ذلك الأموال المقابلة لناتج بيع الممتلكات المملوكة للأشخاص الطبيعيين أو المعنويين، والأموال المقابلة لناتج بيع الممتلكات المنقولة المملوكة للأشخاص الطبيعيين والمعنويين، وناتج بيع الحصص الاجتماعية والأسهم المملوكة للأشخاص الطبيعيين والمعنويين، والأموال المقابلة لفائض القيمة الناتجة من استغلال الممتلكات والقيم المصادرة.

صعوبات استرجاع الأموال المنهوبة

أجمع رجال القانون على أن استرجاع الأموال المنهوبة سواء في الجزائر أو في الخارج ليس بالأمر الهين والسهل، فالعقبات مختلفة بين الميدانية والقانونية وحتى الإجرائية. وفي هذا الخصوص قال المحامي حسان براهيمي، “كان يتوجب قبل بداية حملة مكافحة الفساد ماي 2019 تكييف المنظومة القانونية الوطنية مع القانون الدولي المستقر عليه في العالم، لكن للأسف الشديد تم تغليب إصدار أحكام قضائية من أجل أغراض سياسية خلال عام 2019 على حساب أحكام قضائية من أجل استرجاع الأموال المنهوبة”، وأضاف أن “أغلب هذه الإحكام تتضمن أحكاما بمصادرة جميع أملاك المحكوم عليهم لسداد قيمة الغرامات الجزائية وتعويضات الدولة والإطراف المدنية. وحسب المحامي حسان براهيمي تبقى مسألة مهمة للغاية تقف عائقا أمام عملية التنفيذ وهي “تحديد هذه الأموال” ثم “وضعها تحت حجز القضاء الجزائري” ثم “تحويل ملكيتها نهائيا لصالح الدولة الجزائرية”.

ووصف الخبير القضائي والقانوني عادل رخيلة عملية استرجاع الدولة والسلطات العمومية للأموال المنهوبة والمهربة بالمعقدة جدا ما يبرر حسبه طول فترة التحقيق للتي مرت بها قضايا الفساد التي تورط فيها رجال أعمال ووزراء وولاة وموظفين سامين في الدولة. ويضيف الأستاذ رخيلة قائلا: “أدت فترة الفساد الطويلة إلى استئناف الخزينة العمومية وتهريب أموال رهيبة إلى الخارج في عدة دول ونحو عدة وجهات، أما الأموال التي بقيت في الجزائر فالقانون الجزائري يسمح للقاضي بمصادرة الأموال المحصلة من عائدات جرائم الفساد وتتبعها في أيدي المتهمين وأقاربهم لاسترجاعها”.

ويرى المحامون أن الصعوبة الأكبر تكمن في الأموال التي هربت للخارج، والتي يصعب جدا استرجاعها، حتى ولو كانت فيه اتفاقيات قضائية بين الجزائر وتلك الدول التي هربت إليها الأموال. وأوضح المحامي عبد الرحمن صالح أن استرجاع الأموال خارج الوطن مسألة صعبة لأنها تخضع للعلاقات السياسية أكثر مما تخضع للأحكام القانونية خصوصا أن التشريعات الدولية تقيد عملية استرجاع الأموال بالإثبات أن هذه الأموال هي حصيلة تجارة المخدرات أو الأسلحة أو تهريب البشر وهي الشروط التي لا تتوفر في قضايا الفساد الحالية. وأضاف المصدر ذاته أن الأمر يعود للاتفاقيات القضائية الثنائية وتنفيذ هذه الاتفاقيات أمر يعود إلى توفر الإرادة السياسية لدى الدولة محل الأموال المهربة في تنفيذ الاتفاقيات وتابع الأستاذ قائلا: “كلنا نعرف مصير الأموال الليبية والعراقية مثلا الموجودة في الخارج والتي لم يتم استرجاعها لحد الآن”، موضحا أن “حجز الممتلكات في فرنسا مثلا، عملية إجرائية وقضائية معقدة إذ تستلزم مصادقة القضاء الفرنسي على تنفيذ الأحكام الجزائرية على التراب الفرنسي وهي عملية صعبة وتأخذ وقت طويل جدا يسمح من خلاله للمعني بالتخلص وتهريب هذه الأموال إلى بلد أخر”.

ومن جهته يرى رخيلة بخصوص الأموال التي هربت إلى الخارج فالأمر أكثر تعقيدا لأنه يستدعي وجود اتفاقيات تعاون قضائية بين الدول، مع إثبات أن تلك الأموال هي نتاج لفساد مالي أو تبييض لأموال تجارة المخدرات، والاتجار في البشر، والتهريب. وشدد المحامي على ضرورة توفر إرادة سياسية عند الدولة محل وجود الأموال المهربة لأن المسألة تصطدم بسيادة هذه الدول ومدى سريان أحكام أجنبية بأراضيها . أما بخصوص قيام احد المتابعين قضائيا ببيع عقارات ملك له في الخارج رغم الحجز عليها من قبل السلطات القضائية الجزائرية يترجم غياب الإرادة السياسية لدى الدولة الأجنبية للتعاون في المجال القضائي،

ولم يخلف الأستاذ حسان براهيمي عن زميله مؤكدا أن هذه المراحل تبدو عمليات روتينية لو تعلق الأمر بأموال موجودة داخل التراب الوطني والتي عادة تستغرق بين 3 و5 سنوات لإتمامها، أما إذا كانت الأموال لا ينطبق عليها القانون الجزائري فهذه مشكلة قانونية عويصة جدا، تجعلنا كقانونيين نصنفها في خانة شبه المستحيلات”. وتابع يقول: “فمثلا المرحلة التمهيدية فقط المتمثلة في تحديد الأموال المتأتية من عمليات مشوبة بشبهة الفساد، تحتاج إلى رخصة استثنائية من القضاء الوطني للدولة من أجل “كشف السر البنكي” للأموال المودعة في حسابات بنكية وهذا من يخرق بالضرورة أقدس حق اقتصادي في الدول الغربية وهو “حق السر البنكي” وهو نفس الشيء مع كشف قائمة الأملاك المنقولة والعقارية”. إضافة إلى عقبة أخرى هي “حق القضاء الأجنبي في مراجعة وقائع الحكم القضائي الجزائري.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here