نخب ثقافية تؤجج الأزمة السياسية بين الجزائر وفرنسا

58
نخب ثقافية تؤجج الأزمة السياسية بين الجزائر وفرنسا
نخب ثقافية تؤجج الأزمة السياسية بين الجزائر وفرنسا

أفريقيا برس – الجزائر. لا زال البعض يعتقد أن توقيف الجزائر للكاتب بوعلام صنصال، هو الذي أثار ثائرة فرنسا، وقبلها تبادلت النخب الثقافية بين البلدين، سجالا حادا حول خلفيات تتويج الكاتب كمال داود بجائزة الغونكور، والآن تتم دعوة زعيم حركة “ماك” فرحات مهني، الى مهرجان الكتاب في مدينة كاري بشمال فرنسا، كفنان وشاعر، ليكون المشروع الانفصالي حاضر بقوة في التظاهرة، وبذلك تجد نفسها في صلب دور خارج رسالتها التقليدية، بعدما صارت تضطلع بتغذية الأزمات السياسية بدل إشاعة السلام.

دعت محافظة مهرجان الكتاب الفرنسي في طبعته السادسة والثلاثين المقررة في الخريف القادم، زعيم حركة “ماك” فرحات مهني، للاحتفاء بمسيرته الشعرية والفنية، وبحث تقرير مصير شعب القبائل، وهو الفتيل الذي سيشعل أكثر الأزمة القائمة بين الجزائر وفرنسا، ويؤكد نوايا النخب الفرنسية في تغذية عدائهم للجزائر تحت غطاء الآداب والفنون.

وتصنف الجزائر منذ العام 2021، تنظيم “حركة استقلال القبائل” (ماك)، التي يتزعمها فرحات مهني، ضمن الكيانات الإرهابية، الى جانب حركة “رشاد”، وعددا من الأشخاص المستقلين، وكانت من الأسباب التي أدت الى توتر العلاقات بين البلدين، بسبب احتضان باريس للحركة ولرموزها وحتى رعاية نشاطها المعادي للجزائر.

ووجدت النخب السياسية والإعلامية الفرنسية خاصة اليمينية منها، في توقيف السلطات الجزائرية للكاتب الفرانكوجزائري بوعلام صنصال منذ منتصف شهر نوفمبر الماضي، والجدل الذي أثير في الجزائر حول الاستغلال غير الأخلاقي لملف طبي يتضمن قصة حياة شخصية لسيدة جزائرية، من طرف الكاتب كمال داود، لانتاج رواية “حوريات” المتوجة بجائزة الغونكور، مشجبا لتعليق حملة تشويه ضد الجزائر بدعوى محاربة السلطات الجزائرية للحريات السياسية والفكرية والابداعية، توظف في تصفية حسابات سياسية منذ عدة أشهر.

وعلق الكاتب والناشط الثقافي عبدالعالي مزغيش، على الدور الذي تؤديه نخب ثقافية وأدبية في تسعير الأزمة السياسية القائمة بين البلدين، بالقول: “الكتابة الأدبية مرادفة للحرية، بينما لا كتابة ملتزمة بالحرية دون وجود شرف، وشرف الكاتب مرتبط بدفاعه عن وطنه وارتباطه بهموم شعبه، إن بالكتابة أو بالنضال السياسي والاجتماعي والثقافي في الميدان، حيث غالبا ما يتحول الأدباء إلى أيقونات للثورات وحركات التغيير ورموزا للحق والحقيقة “.

وأضاف في تصريحه، لـ”أفريقيا برس”، بأنه، “كان بإمكان الروائيين داوود وصنصال أن يمارسا المعارضة للأنظمة السائدة في الجزائر دون التجرد من شرف الكاتب الذي إذا غاب انحدرت قيمة الكاتب في الحضيض.. صنصال أو داود وجهان لعملة واحدة تم تصنيعها في فرنسا، مطلية بذهب العمالة والخيانة لمبادئ بلدهما المتحرر من ربقة الاستعمار الفرنسي، ومازال مستندا على مبادئ ثورة هي أعظم ثورات القرن العشرين بلا مبالغة”.

ووفق ما جرى الإعلان عنه من خلال الأجندة الثقافية السنوية للمنطقة الواقعة شمال فرنسا، فإن المهرجان المنظم في مدينة كاري يومي 25 و26 أكتوبر القادم، سيكون مخصصا لمنطقة القبائل، وسيستضيف فرحات مهني باعتباره “كاتبا وشاعرا ومناضلاً سلميا، وأيضاً بوصفه رئيسا لحركة تقرير المصير لمنطقة القبائل “ماك” والحكومة المؤقتة للقبائل في باريس.

وجاء إعلان لإدارة المهرجان، بالتوازي مع احتفالات رأس السنة الأمازيغية، أين نشط فرحات مهني، ندوة صحفية للتطرق إلى مشاركته، والحديث عن سجن الكاتب الفرنسي بوعلام صنصال من قِبل السلطات الجزائرية، وعن قمع حرية الرأي في الجزائر.

ورغم الفارق الزمني بين موعد الإعلان وموعد تنظيم المعرض، الذي قد يكون فسحة لدخول متغيرات جديدة تسمح بتطبيع العلاقات بين البلدين أو التخفيف من حدة التوتر، إلا أن النخب الفرنسية ماضية في إرساء عقيدة جديدة توظف فيها فاعلون في المشهد الثقافي والأدبي، ليكونوا وقودا لقطيعة أبدية، لاسيما وأن الجزائر بمؤسساتها الرسمية وفواعلها الشعبية تعتبر الوحدة الوطنية خطا أحمر لا يمكن الاقتراب منه، ومستعدة لبذل أي شيء من أجل ذلك.

وكان رأس السنة الأمازيغية بالجزائر فرصة لإبراز الالتفاف الشعبي والرسمي حول البعد الأمازيغي في الشخصية الجزائرية وتركيبة الهوية الوطنية، الأمر الذي حوّل الموعد الى عيد شامل، لم يعد الاحتفاء يتم في منطقة القبائل فقط، بل يعم مختلف ربوع البلاد، بما فيها المناطق والساكنة غير المنتسبة.

وذهبت إدارة المهرجان المذكور، إلى الإعلان عن إطلاق مبادرة منطقة بروتاني للمطالبة بالإفراج الفوري عن الكاتب بوعلام صنصال وعن جميع سجناء الرأي في الجزائر، مبرزة أن استضافتها لفرحات مهني تمثل “اعترافا بالدور الذي يلعبه في النضال الثقافي والإنساني”.

ولفتت الى أن المهرجان سيتيح فرصة للقاء مفكرين وكتاب من مختلف أنحاء العالم لمناقشة موضوع “القبائل”، ما يعكس التركيز على قضايا الهوية الثقافية واللغوية، وخلاله سيُكرم مهني ليس فقط كقائد سياسي ولكن كفنان وشاعر ومفكر ساهم بشكل كبير في نشر الثقافة القبائلية والدفاع عنها.

ودون التفكير في عواقب الخطوة، ولا في ردود الفعل الممكنة الناجم عن أسلوب الاستفزاز، يعتبر المنظمون أن “الفرصة ستكون مواتية لمناقشة قضايا حرية التعبير وحقوق الإنسان، خاصة في ظل الأوضاع الحالية في الجزائر والممارسات القمعية التي يعاني منها المثقفون وسجناء الرأي، وأن الحدث فرصة لتسليط الضوء على نضالات شعب القبائل”.

وفي مقابلة للكاتب كمال داود الفائز بجائزة غونكور الأدبية لسنة 2024 مع صحيفة “لوموند” الفرنسية، شن هجوما على السلطة الجزائرية، واتهمها بإسكات معارضيها من خلال الترهيب.

وقال: “لقد قرأت أخيرا عبارة للكاتب الفرنسي ألبير كامو مفادها أنّ (المنفى ضروري من أجل الحقيقة)، وبوسعنا أن نقلب الصيغة في حالة الجزائر لتصبح الكذب ضروري من أجل البقاء فيها”.

وضرب المتحدث على ذلك مثلا عن كاتب لم يذكر اسمه، قال إنه رفض الانضمام إلى الحركة الداعمة للروائي الفرنسي الجزائري الأصل بوعلام صنصال الموقوف في الجزائر بتهمة تهديد أمن الدولة.

وقال: “لا أستطيع الحكم على الآخرين وعلى خياراتهم. أتذكر كاتبا أراد التوقيع على العريضة، فاتّصل بي مجدّدا قائلا: (لا أستطيع، زوجتي ستغادر إلى الجزائر بعد ساعتين). أنا أتفهّم ذلك”.

ووصف النظام السياسي الجزائري بـ”القاسي”، إذا “وقّعت، تدفع الثمن فورا. ثمة خوف”، وهاجم داود “الإسلاميين الذين يخصخصون الفضاءات الثقافية في الجزائر، ودور النشر، والمكتبات، والمدارس. وهؤلاء الإسلاميون مسرورون برؤية كاتب في السجن”.

وفي انتقاده للصحافة اليسارية في فرنسا، ذكر بأنه، “إما أن نتحدث إلى هذه الصحافة وفقا لتوقعاتها الخاصة، مع تحييد اقتناعاتنا الخاصة، أو لا نملك الحق في الكلام”، وفي رده على هجمات اليساريين والإسلاميين، جاء “أتعرض لانتقادات لأنني لست العربي الصالح، العربي الذي يعيش في وضع الضحية الدائمة والمناهض للاستعمار”.

لكن في المقابل يرى الكاتب والإعلامي عبدالعالي مزغيش، في تصريحه، لـ”أفريقيا برس”، بأن “الذي يجمع هؤلاء الثلاثة باضافة فرحات مهني هو أنهما كانوا جميعا في الجزائر ينعمون بخيراتها بل إن داوود كان مناضلا إسلاميا، بينما صنصال كان موظفا ساميا في وزارة الصناعة، فيما كان فرحات مهني مغنيا التحق بالإذاعة، يبحث عن فرصة للغناء… فماذا حدث إذن”.

ويضيف: “إن هؤلاء تجردوا من القيمة الانسانية للفن التي تجعل من الفنان والأديب انسانا لا يبيع ولا يشتري في مسائل ترتبط بالوطن والأرض، وميراث الشهداء، لهذا أعتقد أن وصف الخيانة أقل وصف يمكن نعتهم به حين فضلوا المتاجرة بأزمات بلادهم بحثا عن ألقاب أدبية ومزايا شخصية كالجنسية والوضع المادي المريح”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here