فريدة شراد
أفريقيا برس – الجزائر. قبل أيام مرت ذكرى الحراك الشعبي الجزائري الذي عكس مظاهرات مليونية سلمية لإسقاط مسار العهدة الخامسة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة والمطالبة بالتغيير في شتى المجالات. ولا يزال الحراك الذي تصفه السلطة الجزائرية بالمبارك يطرح العديد من التساؤلات حول ما الذي تحقق خلال هذه المدة من المطالب المُعبر عنها في الشعارات واللافتات التي رُفعت طيلة سنوات، وما ينتظر التحقيق أيضا؟
وفي الذكرى الثالثة للحراك المصادف لـ22 فيفري من كل سنة المُرسم كيوم وطني، يؤكد ملاحظون أن الحراك حقق مطلبه الأساسي في إنقاذ البلاد من الانهيار، علاوة على مكاسب أخرى، في حين لا تزال مطالب أخرى تنتظر التنفيذ على غرار تعميق المسار الديمقراطي واستكمال مسار التغيير وتوسيع مجال الحريات، حسب المحللين الذين تواصل معهم موقع “أفريقيا برس”.
إنقاذ الدولة من الانهيار

قال المحلل السياسي لزهر ماروك، إن الحراك الشعبي الذي جاء بطريقة سلمية وبمشاركة كل شرائح المجتمع، كان هدفه الأساسي”إنقاذ الدولة الجزائرية من الانهيار”.
وأكد ماروك، أن الشعب بصوت واحد رفع شعارات موحدة بهذا المطالب، بالنظر إلى أنه وقبل سنوات من الحراك كان هناك فراغ في المؤسسات وغياب الرئيس بسبب المرض الذي بدأت معالمه تظهر منذ سنة 2013 وفي نفس الوقت غياب الجزائر عن الساحة الدولية.
وأضاف أن الجزائر كانت مهددة في وحدتها وطاقاتها قائلا: “جاء الحراك في الوقت المناسب ليضع حدا لاستمرار الأوضاع الخطيرة التي من شأنها تفكيك الدولة ووحدة الشعب وتحطيم الجزائر كبلد، وأعتقد أن الهدف الأساسي من الحراك تم تحقيقه وتم إنقاذ الدولة من سيناريوهات ومحطات كانت تستهدف تفكيك الجزائر وزعزعة استقرارها وأمنها والاستحواذ على ثرواتها”.
دور الجيش
يستذكر لزهر ماروك كيف أن الحراك صنع صورة زاهية من الرقي والسلمية لم تنتهي إلى موجة من العنف والدمار والخراب على غرار بعض الدول، بل أعطى صورة إيجابية عن الشعب الجزائري وتلاحمه مع جيشه، كجبهة واحدة من أجل إحداث تغيير سلمي إيجابي لحماية المصلحة العليا للشعب.
وأكد لزهر ماروك أن الحراك عزّز العلاقة بين الشعب وجيشه الذي كان حاميا له، مشيرا إلى أن تلك اللحمة بين الطرفين كانت مكسبا مكن الجزائر من العبور الآمن دون أن تكون تداعيات على مستقبل البلاد.

ويشير الخبير القانوني والناشط السياسي، والمؤرخ عامر رخيلة، إلى شعار “يتنحاو قاع”، الذي كان أبرز شعار رفع في الحراك الشعبي الذي فاق عدد المتظاهرين فيه نصف الشعب الجزائري أي ما يفوق 20 مليون متظاهر حسب الإحصائيات غير الرسمية.
وأكد رخيلة لموقع “أفريقيا برس”؛ أن الحراك رفع شعار المطالبة بتغيير النظام، “إلا أن الحراك كقوة جماهرية شعبية لم يكن على قدر واحد، إذ كان القاسم المشترك بين مقوماته هو التغيير وذهاب السلطة القائمة، لكن هذا الأمر كان له مدخل دون المخرج بحيث كان هناك اتفاق في الأول حول ذهاب النظام وتباين في الخروج”. وأوضح في هذا الخصوص قائلا: ” لما تهيأت الظروف العامة للحراك لإحداث التغيير، أتى دور الجيش أمام تباين وجهات النظر حول الدستور وكثرة القراءات وخرائط الطريق وبدأت المرحلة الانتقالية بتصورات متعددة، فتدخل الجيش للانتصار لخيار الدستور طبقا للمادة 28 من الدستور”.
وفيما يخص موقف الحراك من هذا الخيار، قال مٌحدثنا إن قطاع واسع من الحراك دعم هذا الخيار وبقيت عناصر وجماعات وقوى رافضة لأي حل وتبني مسألة المرحلة الانتقالية دون تقديم أي مشروع محدد، ومازالوا موجودين لحد اليوم.
الشعب ظهر كفاعل رئيسي
قال الخبير القانوني والناشط السياسي، والمؤرخ عامر رخيلة، إن الحراك هبة شعبية أنهت فترة الصبر الطويل بفعل تفاقم الأوضاع والدخول في أزمة سياسية و أخلاقية. وفي هذا الخصوص قال رخيلة: “الشعب الجزائري في مراحله التاريخية المختلفة كلما اشتدت الأزمة أو ضاقت أو ازدادت صعوبة، وصار هناك يأس من التغيير، إلا وظهر الشعب كفاعل رئيسي في الخروج من عنق الزجاجة وهذا ما حدث في 22 فيفري 2019، أين أخذ الشعب المبادرة في تنظيم مسيرات سلمية ووحّد الشعارات بالمطالبة برحيل النظام ورفض الوضع القائم الذي آلت إليه الظروف في الجزائر، والظاهرة التي ميزت الحراك هو أنه “هبة” على مستوى جميع أرجاء الوطن”.
عدالة في الميزان
بين من رأى أن العدالة الجزائرية ساهمت في الحد والقضاء على الحراك بزجها العديد من الشخصيات السياسية والنشطاء في السجن وأبرزهم المناضل لخضر بورقعة. وقال الخبير الدستوري عامر رخيلة، إنه هذه المسألة عرفت جدلا، فيما إن كانت العدالة المستقلة تعني غلق ملفات المتابعات القضائية وإطلاق سراح كل المساجين سواء مساجين الجريمة العامة أو المساجين السياسيين وكذلك الذين خانوا الأمانة ووظفوا دورهم لخدمة مصالح معينة، وتآمروا على الاقتصاد الوطني.
وأوضح الخبير أنه من الناحية القانونية والعملية وطبقا لقانون الإجراءات الجزائية وقانون العقوبات حين يتم فتح ملف يتم غلقه بإجراء من الإجراءات كنفاذ الدعوة العمومية وانتقاء وجه الدعوى والمحاكمة بالبراءة وإعلان الإفراج الدائم وطي الملف، معلقا على هذا المطلب بقوله: “بأي حق يتم المطالبة بغلق الملفات والكف عن المتابعات القضائية، هل يعتبر هذا احترام للعدالة أو تشكيك في عدالتها؟”.
وفي هذا السياق، أضاف مُحدثنا مؤكدا: “العدالة الجزائرية، صارت مفخرة للجزائريين بكل موضوعية، فالعدالة التي تمكنت من كسر شوكة اللذين نصبوا أنفسهم أوصياء على ثروات الجزائر وأباحوا لأنفسهم العبث بالمال العام والانحراف بالمهام السياسية، أقول أنها عدالة عادلة وطبعا لكل عدالة نقائصها سواء في الجزائر أو غيرها من الدول الديمقراطية”.
وشدّد الخبير القانوني على أهمية أن يوجه الاهتمام لتدارك النقائص، مشيرا إلى وجود إرادة صادقة عبر عنها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون المنتخب في 12 ديسمبر 2019 أي أشهر بعد بداية الحراك الشعبي ومختلف المؤسسات السيادية مؤكدين أنه لا يوجد أي شخص في منأى عن المتابعة القضائية.
محاربة الفساد
أوضح الخبير عامر رخيلة، أن الحراك لم يتبنى مكافحة الفساد صراحة، بل أن بعض أتباعه تبنوا المتابعات القضائية ومحاربة الفساد ولكن ليسوا ناطقين باسم الحراك، على حد قوله.
وفيما يتعلق باسترجاع الأموال المنهوبة، قال رخيلة، إن القضاء اشتغل في ظرف سنتين أو ثلاث حول القضية، وقانون الإجراءات الجزائية يتضمن المصادرة ووضع اليد والتحفظ على أموال شخص متابع قضائيا، والآن هناك وضع اليد على الحسابات والعقارات المنقولة والعينية على الكثير من المعدات والشركات، ولما يكون هناك حكم نهائي استنفذ كل الإجراءات على مستوى المحاكم عندها يمكن تنفيذ حكم المصادرة لهذه الممتلكات”.
وفي الصدد ذاته يرى رخيلة أنه وبعد مرور هذا الوقت، لابد أن تعلن السلطة للرأي العام عن نتائج المحاكمات وكمية الأموال التي تم استردادها داخليا خارجيا، وأن تستمر المطالبة والتواصل مع تلك الدول التي هربت إليها الأموال لاستردادها بتوظيف الثقل الدبلوماسي وتحريك العلاقات الثنائية.
السلمية تنتصر
قال عامر رخيلة، إن الحراك اتسم برفع شعارات موحدة متجانسة والمنظمين له والمشاركين فيه حرصوا على السلمية وتفادي أي إنزلاقات، وهو الأمر الذي لا يعد سهلا بالنظر للعدد الكبير من الجماهير المشاركة فيه. ونجح المتظاهرون الذين تجردوا من أي أسلحة بيضاء أو أمور ممنوعة من جهة، ومن جهة أخرى نجحت فيه السلطات الأمنية التي تعاملت بذكاء مع الشارع بالرغم من أنه من الناحية القانونية وحماية النظام العام كان يفترض عليها التدخل لوقف ما يجري، ومع ذلك كان هناك تنظيم منقطع النظير- يقول محدثنا-.
محطة للمراجعة

يرى عبد الحكيم بوغرارة أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، أن الذكرى الثالثة للحراك، هي محطة للمراجعة والتقييم الذاتي ومناسبة للوقوف مع الذات، لمعرفة ما تحقق من أهداف الحراك الذي يصفه الجزائريون بالحراك الشعبي، وتطلق عليه السلطة الحراك الشعبي المبارك.
وأضاف الدكتور بوغرارة أن الذكرى السنوية للحراك هي فرصة لتفادي السلوكات التي أدت لنهضة الشعب الجزائري الذي كسر حاجز الخوف وخرج يوم 22 فيفري 2019، للحفاظ على الوطن وتجاوز المكاسب الضيقة على حساب الوطن.
وقال بوغرارة؛ إن أهم أمر حققه هو الثورة على الفساد، كان منطلقا لوقف استنزاف ثروات الشعب والتصرف فيها كأنها ملكية خاصة مع احتقار الشعب وممارسة دور الوصي عليه. ويرى بوغرارة أنه على المؤسسات أن تلعب دورها الدستوري من رقابة، وتشريع منها الرئاسة والقضاء والبرلمان والإعلام، لأنها تملك أدوات التغيير وإمكانيات العمل والتجسيد والتمويل.
ويعتقد بوغرارة أن أول مؤسسة يمكنها مراعاة مطالب الحراك وتطبيقها هي البرلمان، من خلال سن قوانين وتشريعات تراعي مطالب الحراك ومناقشتها بشكل يجعلها لا تخلف مشاكل مثلما حدث مع قانون المالية 2022 الذي قرر رئيس الجمهورية تجميد بعض مواده لحماية القدرة الشرائية، وهناك أيضا مؤسسات الإعلام، من خلال التفتح والتحري لنقل مشاكل المواطن بشفافية بدون تغطية على الفساد، وهناك أيضا الكثير من المؤسسات بما فيها رئاسة الجمهورية وتفعيل الكثير من المؤسسات التي يمكنها، إن ترفع من وتيرة الرقابة والاستماع لمشاكل المواطنين، مثل وساطة الجمهورية” على حد تعبيره. وأضاف بوغرارة أنه يمكن للقضاء كمؤسسة أن يكون سدا منيعا للفساد والمفسدين وتفادي ما حدث سابقا مع حكام الجزائر منذ الاستقلال.
الحراك جزء من تاريخ الجزائر
وأكد عبد الحكيم بوغرارة أن الحراك ذكرى مميزّة في تاريخ الجزائر الحديث، تستوجب الوقوف عندها ودراستها، عبر أبحاث اجتماعية وسياسية بإبعادها الحضارية. وشدد على ضرورة دراسة الأسباب التي استعملها الشعب للمطالبة بحقوقه، وتعبيره عن حب الوطن، وأيضا التمسك بالمؤسسات التي حمت الجزائر.
وقال عبد الحكيم بوغرارة إن الحراك يعتبر جزء مهم من تاريخ الجزائر المعاصر رغم اختلاف وجهات النظر حول ايجابياته وسلبياته، ويستحق دمجه في مختلف المناهج المدرسية للافتخار بأن أجيال ما بعد الاستقلال حمت الوطن وحمت الجزائر وعملت على الوقوف معه في مختلف المحن.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس