أفريقيا برس – الجزائر. خاضت جبهة القوى الاشتراكية الجزائرية، التي توصف بأعرق أحزاب المعارضة السياسية في البلاد، غمار الانتخابات الرئاسية عبر ترشيح أمينها الأول يوسف أوشيش، الذي حل ثالث الثلاثة، لكن برصيد استثنائي من الأصوات فاقت حصيلته في عصره الذهبي، حيث اقترب من سقف الـ 600 ألف صوت وبنسبة قدرت بستة بالمائة من مجموع الناخبين.
الحصيلة فتحت شهية القيادة الحالية لآفاق رحبة ورؤية أوسع، من أجل النضال والتعبئة، رغم ما يتردد في بعض الدوائر المناوئة للجيل الجديد من قادة “الأفافاس” (FFS)، بحسب الأمين الوطني الأول وعضو الهيئة الرئاسية سابقا، والعضو في المجلس الوطني حاليا الدكتور حكيم بلحسل، الذي رد على أسئلة “أفريقيا برس” في هذا الحوار.
ظهر مرشحكم عن جبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش، في لقاء مع الرئيس تبون على هامش أدائه اليمين الدستورية، ما هي الرسائل والدلالات؟
لقد سبق وأن أكد أميننا الوطني الأول ومرشحنا للانتخابات الرئاسية السابقة، الرفيق يوسف أوشيش عن مغزى اللقاء العلني الذي جمعه مع الرئيس المعاد انتخابه رفقة مترشح حزب حركة مجتمع السلم. فكما صرح، فقد كان هذا اللقاء بروتوكوليا ولقاء مجاملة محض، وهذا على هامش حضوره مراسيم تأدية الرئيس تبون لليمين الدستورية.
هل أنتم راضون عن النتائج التي حققها حزبكم في الانتخابات الرئاسية، وهل تعكس مرحلة جديدة في مسار جبهة القوى الاشتراكية؟
بعيدا عن لغة الأرقام، صحيح أننا لم نفز بهذه الانتخابات لكننا كذلك لم نخسر قياسا بالدوافع التي جعلتنا نشارك في هذا الاستحقاق وبالأهداف التي سطرناها بدخولنا غماره.
لقد أكدنا بأننا دخلنا هذه الانتخابات عن وعي بالمناخ العام الذي تجرى فيه، وبعد تحليل عميق وموضوعي للسياقات التي تعيش ضمنها بلادنا، دولية، إقليمية ووطنية وكانت مشاركتنا بهدف المساهمة في الاستقرار الوطني ضمن هذا الوضع الدولي المتحرك، وللإسهام في حماية الدولة الوطنية.
وبالنسبة للأهداف السياسية والوطنية، وكذلك الحزبية فقد حققنا الكثير منها خاصة فيما يتعلق بأحداث ديناميكية سياسية بالبلاد، وإحياء النقاش العام الوطني تماشيا مع مسعانا الذي نصبو لإعادة الاعتبار للفعل السياسي، والمضي في مسار خلق قطب وطني ديمقراطي تقدمي يهدف إلى التغيير، وإبقاء شعلة النضال في سبيل تحقيق دولة القانون والمؤسسات الشرعية مشتعلة.
على الصعيد الحزبي؛ لا يختلف إثنان على أننا أعدنا وبقوة “الأفافاس” إلى صدارة المشهد السياسي، وعززنا انتشارنا وتواجدنا الوطني كما نجحنا في إبراز نخبة حزبية شابة ستضمن الخلف داخل الحزب، ومواصلة النضال الذي بدأه مؤسسو الحزب.
وعلى كل حال، سيقوم حزبنا لاحقا عبر هياكله ومؤسساته الشرعية الوطنية بإجراء تقييم معمق وموضوعي حول تداعيات هذه المشاركة على كل الأصعدة.
تعتبر منطقة القبائل قاعدة خلفية لجبهة القوى الاشتراكية، هل يمكن الحديث عن عودة تدريجية لمسار المجموعة الوطنية بعد سنوات من القطيعة مع السلطة بفضل مشاركة حزبكم في الانتخابات؟
لم تنقطع هذه المنطقة يوما عن المجموعة الوطنية حتى تعود إليها، لقد كان نضال هذه المنطقة متصلا مع باقي المواطنين في كل جهات الوطن والمتعلق ببناء وإرساء أسس الدولة الديمقراطية الاجتماعية، ودولة القانون بكل سلمية وفي إطار الحفاظ التام على أركان الدولة الوطنية ومؤسساتها، تماما كما ناضلت كل جهات الوطن من أجل افتكاك الاستقلال الوطني خلال المسار التحرري.
ونحن على عتبة الاحتفاء بالعيد الواحد والستين لنشأة حزبنا المصادف لـ29 سبتمبر، نستطيع أن نجزم ونفتخر بأننا لم نتوانى أي لحظة ولم ندخر أي مجهود، من أجل إيصال صوت نضالنا السلمي والديمقراطي إلى كل ربوع جزائرنا الحبيبة بما فيها معاقلنا التقليدية التي نفتخر باكتسابها.
لقد كان خطابنا ومسعانا وتضحيات مناضلاتنا ومناضلينا، منذ عشرات العقود؛ رسالة تضامن، انسجام ووحدة جميع مكونات شعبنا.
توصف جبهة القوى الاشتراكية، بأعرق أحزاب المعارضة الجزائرية، وبمواقفها الراديكالية، هل يمكن الحديث عن مراجعة لعقيدتها السياسية في ظل ذوبان الجليد المترسب بينها وبين السلطة تدريجيا.
إن حزبنا هو حزب وطني، مسؤول وديمقراطي ويؤمن بفلسفة الحوار والتشاور كوسيلة فضلى لحل الخلافات، وهو حريص كل الحرص على تحقيق أهدافه التاريخية التي تتمثل في بناء دولة ديمقراطية واجتماعية، تكفل حقوق الإنسان وتضمن رقي الشعب الجزائري دون تمييز ودون تقصير.
وتماشيا مع تحقيق هذه المساعي المشروعة والتي تتناغم مع تطلعات الشعب الجزائري، فإننا نواكب كل المحطات التاريخية التي تمر بها البلاد بكل مسؤولية وبأسمى معاني الوطنية، وهذا بعيدا عن الإملاءات أو الرضوخ للضغوط الخارجية في مسار إتخاذ قراراتنا السياسية السيادية.
فلا يستطيع أحد أن يتهمنا بالتخاذل أو نكران قيمنا التاريخية ومبادئنا التأسيسية، ونحن متمسكون دائما بخطابنا وبتناغم قرارتنا في كل منعطفات حياتنا السياسية.
لا نقبل أن نتلقى أي دروس في احترام الروح الوطنية كما لن نتساهل مع الذين يتهموننا زورا وبهتانا، بتخلينا عن عقيدتنا السياسة والأيديولوجية.. على كل حال؛ التاريخ وحده كفيل بعقاب وعتاب المتخاذلين والمنافقين السياسيين الذين لا يستطيعون زعزعة أركان وسمعة أعرق حزب معارض في الجزائر.
خيم غموض وتضارب في أرقام نتائج الانتخابات بين النتائج الأولية والنهائية، وبدا في الحالتين استمرار الأغلبية الرافضة للانتخابات، ما هي الأسباب، ولماذا فشل المرشحون الثلاثة بمن فيهم مشرح حزبكم في إحداث حراك شعبي انتخابي؟
لقد أكدت عملية وطريقة الإعلان عن النتائج الأولية للاستحقاق الرئاسي، تحذيراتنا ودعواتنا المتكررة بضرورة التوجه لإصلاح سياسي عميق ينبثق عنه إصلاح النظام الانتخابي.
لقد نددنا بنبرة قوية بهذا الانحراف الخطير، وكذا بالتجاوزات الصارخة التي شابت هذا الاقتراع عبر مختلف مراحله.
وقناعة منا بأهمية الولوج إلى مستوى راق غير قابل لأدنى تشكيك أو طعن، قمنا من خلال برنامجنا الانتخابي إلى اقتراح إعادة الاعتبار للعمل الانتخابي، وهذا بإجراء إصلاحات معمقة لقانون الانتخابات، وكذا عبر تحييد الهيئة الموكلة بتأطير العملية الانتخابية عن ضغوطات السلطات التنفيذية، أو أي دائرة مهما كانت قوتها أو نفوذها.
من جهة أخرى، نحن نعتبر في حزبنا بأن مسار إعادة الاعتبار للعمل السياسي في البلاد، وكذا إعادة الثقة لدى الاوساط الشعبية من أجل الانخراط في أي عملية انتخابية يحتاجان أولا، إلى إيجاد إرادة سياسية رسمية لفتح المجال السياسي والإعلامي، ورفع القيود عن كل الحريات سواء كانت جماعية أو فردية.
السياسات الفاشلة المنتهجة لحكم البلاد هي المسؤولة الوحيدة عن خلق وتشجيع مناخ العزوف وغرس الاحباط والتشاؤم لدى الشعب الجزائري، وهذا عبر تجاهل تطلعاته المشروعة في الحرية والديمقراطية والرقي والرفاهية.
ومناهضة لهذه الموجة العارمة من الاحباط العام والبعد عن الشأن السياسي، قررنا اغتنام مساحات هذه الحملة الانتخابية قصد تحريك المياه الراكدة في المشهد الاجتماعي والسياسي، اللذان يعدان مؤشرين خطيرين قد يؤديان بالبلاد لا قدر الله إلى ما لا يحمد عقباه.
بطبيعة الحال، نحن واعون كل الوعي بصعوبة المأمورية في ظل التراكمات التاريخية التي سببت شللا كبيرا في البلاد وارتباكا مزمنا في ميكانيزمات العلاقات الإجتماعية والسياسية. لكن هذا هو مغزى وفحوى نضالنا منذ البداية ولن تثنينا تلك العراقيل والمطبات من مواصلة مجهودنا ومساعينا من أجل دفع عربة التغيير إلى محطتها المنشودة.
يجري الحديث عن أجيال من النضال في جبهة القوى الاشتراكية، هل يعتبر جيل القيادة الحالية عرّاب عودة الحزب الى الواجهة، بعد سنوات من النزيف الداخلي والتراجع الشعبي في بعض الاستحقاقات الانتخابية؟
يُعد تواجد حزبنا في مثل هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد، في قلب الشأن السياسي العام، معجزة بحد ذاتها، وهذا قياسا بكل المصاعب المتعاقبة والأزمات المفبركة التي صادفته منذ نشأته إلى حد الآن.
في الحقيقة، نحن واعون كل الوعي داخل أوساط حزبنا بأن كل هذه المشاكل التي عرقلت مسيرتنا النضالية جاءت كعقاب جراء تمسكنا بسيادة قراراتنا، وكذا برفضنا التخلي عن مبادئنا الرامية لبناء بديل ديمقراطي كفيل بتلبية تطلعات الشعب الجزائري.
نحن نقبل أن ندفع ثمن هذا الوفاء لمبادئنا، طالما هي تخدم المصالح السامية للوطن وتسعى إلى تعزيز تضامن المواطنين وتمكين الشعب الجزائري من العيش في حرية وكرامة ورغد. وعلى كل لا يوجد صراع أجيال داخل جبهة القوى الاشتراكية و إنما فيه تكامل بين الأجيال المتلاحقة في سبيل القضية الوطنية طبعا مع التكيف مع المعطيات المحيطة بنا دونما التخلي عن قيمنا ومبادئنا وفلسفتنا.
طالب مرشحكم بالعفو عن معتقلي الرأي وبإلغاء المادة 87 مكرر من قانون العقوبات، وإصلاح وضع السلطة المستقلة للانتخابات، هل يمكن الحديث عن قيام نضال حزبكم على هذه المحاور في المرحلة الجديدة؟
كما صرحت آنفا، لقد جاءت مهزلة الإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية بما حملتها من تجاوزات وخروقات، لكي تعزز اقتراح حزبنا على لسان مرشحنا، الرفيق يوسف أوشيش.
منذ البداية وحتى قبل انخراطنا في هذه العملية الانتخابية، كان نضالنا من أجل إجراء إصلاحات جذرية في قانون الانتخابات بما فيها الهيئات المسؤولة عن تأطيرها.
فلا يعقل مواصلة إجراء انتخابات تحت راية هيئة قد برهنت منذ عدة سنوات عن عجزها في فرض المصداقية، الشفافية والحيادية في كل مراحل اللعبة الانتخابية.
من جهة أخرى، لقد كان مطلب إلغاء المادة 87 من قانون العقوبات مطلبا مفصليا رفعناه في عدة مناسبات قصد كسر مخالب التسلط والتعسف التي أجهزت على الحريات السياسية والإجتماعية في البلاد.
كما طالبنا بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي، كمرحلة أساسية من أجل إخماد ويلات التشنج العام وإعادة بناء الثقة في إطار أي مسار سياسي توافقي يكسر الركود الكارثي في البلاد.
فكل هذه الشروط ليست مطالب ظرفية متعلقة بحاجات الحملة الانتخابية، بل كات منذ سنوات، جوهر نضالنا ومحرك تحركنا السلمي و السياسي.
طرح الرئيس تبون مبادرة جديدة للحوار السياسي، إلى أي مدى يمكن اعتبارها خطوة استباقية لأزمة سياسية، وطرحتم في وقت سابق مبادرة سياسية، هل هناك قواسم مشتركة بينكما وماذا تنتظرون منه؟
لقد أفنى حزبنا كل جهده ووقته من أجل إقناع النظام الجزائري بالانخراط في حوار سياسي شامل ومسؤول دون إقصاء أو أدنى شروط.
فنحن على قناعة راسخة، بأن النظرة الأحادية للشأن العام وإقصاء وتجاهل الرأي الآخر، هو الذي أدى إلى تفاقم الانسداد السياسي في البلاد واندثار الثقة والتواصل بين الحاكم والمحكوم.
نحن نناضل من أجل تكريس حوار يتكفل بكل شؤون البلاد ويصبو إلى إيجاد مخارج توافقية لكل الأزمات العالقة، وندعم كل مبادرة جادة توافق هذا المنوال وتعمل من أجل تحقيق توافق تاريخي من أجل الحفاظ على سيادة البلاد وتحقيق مطالب الشعب الجزائري المشروعة.
طرحت مسألة انضمام حزبكم الى الحكومة، هل يمكن الحديث عن شراكة سياسية بين “الافافاس” والسلطة، أم أن للحزب اهتمامات أخرى يناضل من أجلها؟
في الوقت الراهن، يعمل حزبنا على اغتنام الزخم المشجع الذي أفرزته مشاركتنا في الانتخابات الرئاسية السابقة على مستوى الوطن من أجل بناء حزب كبير، يليق ببريقه التاريخي وجدير برفع التحديات المستقبلية التي تواجه الحزب والوطن.
أعلنا استعدادنا على مواصلة المجهود من أجل العمل مع كل الطاقات الحية من كل الفئات والشرائح قصد بناء بديل صريح، قادر على تولي مقاليد الحكم في الاستحقاقات الانتخابية القادمة.
ونحن من هذا المنبر، نجدد نداءنا لكل القوى الكامنة من أجل فرض رؤية ومسار سيكسب عاجلا أم آجلا، وهو رهان التغيير في البلاد.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس