“إيض يناير” في شمال أفريقيا… ما قصته وطقوسه

9
"إيض يناير" في شمال أفريقيا... ما قصته وطقوسه

أفريقيا برس – الجزائر. يقيم الأمازيغ في بلدان شمال أفريقيا، احتفالات خاصة مساء اليوم 12 يناير/ كانون الثاني الذي تحل فيه رأس السنة الأمازيغية.

ويحتفل الأمازيغ بحلول السنة الجديدة 2973، والذي يطلق عليها تسمية “إيض يناير”، ويسبق التقويم الميلادي بـ 950 عاما، بحسب العديد من المراجع التاريخية، وتتضمن الاحتفالات العديد من الطقوس الشعبية والتي تعكس مدى ارتباط الأمازيغ واعتزازهم بثقافتهم وهويتهم، وتتجمع فيها العائلات في مختلف المدن.

وفيما لا توجد إحصاءات رسمية بعدد الأمازيغ في الدول العربية حتى الآن، إلا أن النسبة الأكثر منهم في المملكة المغربية، حيث تشير التقديرات إلى أنهم أكثر من 10 ملايين.

ويختلف تاريخ الاحتفال بهذا العيد بين الأمازيغ بين يومي الثاني عشر والثالث عشر من يناير، إذ أن السنة الأمازيغية مرتبطة بالتقويم الفلاحي، ويحرص كل من أمازيغ تونس وليبيا والجزائر والمغرب على إحياء الذكرى، غير أن الأخير يشهد احتفالات بشكل أكبر.

في الجزائر اعتبر مؤخرا في عهد الرئيس بوتفليقة 12 يناير عطلة رسمية مدفوعة الأجر، إقرارا برأس السنة الأمازيغية، أما في المغرب فإن الحكومة تعمل على ترسيم اللغة الأمازيغية بشكل رسمي، حيث دخل الأمر حيز التنفيذ منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ونشر بالجريدة الرسمية المغربية.

وجبات رأس السنة

تقول ‏ الفاعلة الجمعوية سعاد البيض والعضو في المجلس الجلدي بمدينة تيزنيت: إن الاحتفالات برأس السنة الأمازيغية متعددة وتشمل العديد من الأنشطة، ومن بين العادات المتوارثة أن تعد العائلات الأمازيغية ثلاث وجبات من الطعام مختلفة باختلاف الاحتفال، وحسب الضيوف التي تشارك المشهد الليلي لـ “إيض يناير” ومنها في مدينة تيزنيت المغربية.

العصيدة (تاگلا).. طعام الفقراء

تصنع “العصيدة من دقيق الذرة، أو من دقيق الشعير، كما توضع بداخلها نواة الثمر للتنافس على الأكل، ولمعرفة من يجد النواة في الطعام، وحسب العادات المتوارثة، فإن الشخص الذي يجد النواة يسمى بأمغار (كبير) الدار لسنة كاملة، وهي طعام غالبية الأمازيغ، وعادة تؤكل بالزبدة واللبن.

أركيمن

وهي ضمن المأكولات الأكثر شعبية في رأس السنة الأمازيغية، وتصنع خصيصا ضمن طقوس الاحتفال بالمناسبة، من الحبوب والقطاني، وذات مذاق مميز، وتعود أصل التسمية إلى “الترقيد”، أي ترقيد وترطيب الحبوب المستعملة في الطعام في الماء حتى ترطب ويسهل إعدادها، وهي من المأكولات الغنية بسعراتها الحرارية، وهي من المأكولات التي تعد جماعيا وتكفي عشرات الأشخاص.

الكسكس بالدجاج البلدي والبيض

وهي وجبة خاصة بالضيوف وبالعائلة الكبيرة المجتمعة في منزل الأهل والوالدين، حيث تقدم في حضور الأبناء والعائلة.

فيما تقول رحاب الفيني طالبة جامعية “أمازيغية”، إن الاحتفال برأس السنة الأمازيغية بالمغرب أو “إيض يناير” يتم عبر تجهيز الأكلات الشعبية التي يحرص على أن تنتمي لمحصول الأرض حسب التقليد سواء كان شعيرا أو ذرة أو زيت أركان، بالإضافة إلى التمر على أمل سنة جديدة يكون فيها المردود الفلاحي أفضل.

طقوس رأس السنة

ضمن الطقوس الخاصة بعيد رأس السنة أن النساء يقمن بوضع ثلاث لقمات قبل النوم في سطوح المنازل، وترمز إلى الشهور الثلاثة الأولى من السنة “يناير، فبراير ومارس” واستدرارا للمطر يرشن المكان الذي وضعت فيه اللقمات بالملح، وحسب الاعتقاد أن اللقمة التي يظل عليها الملح حتى الصباح حسب ترتيبها تحدد الشهر الذي سيكون ممطرا.

ثلاثة طقوس

تتمثل الطقوس في ثلاثة أنواع: أولها “طقوس تطهيرية”، وهي التي تهدف إلى التخلص من كل قديم وغير نافع بوسائل وأدوات وأشياء جديدة، وثانيها “طقوس تغذوية” من خلال إعداد الأطباق المتنوعة من محاصيل محلية ادخرت في فصل الشتاء، وثالثها “طقوس صيدلية” من خلال جمع أنواع بعينها من النباتات المتوفرة في ذلك الفصل لتحضير أدوية منها بواسطة مزجها بمنتجات طبيعية.

وبحسب الفيني، تحرص النساء على نظافة البيوت وزينتها بوجود الأرض والقصب وتغطية حظائر الماشية بالعشب قبل بدء الاحتفالات، بالإضافة للأهازيج الشعبية مع الأقارب والجيران.

أسطورة الحب

ضمن القصص الأسطورية المتوارثة منذ آلاف السنوات ما يعرف بـ”إيسلي” و”تيسليت” وهما بحيرتان تقعان بمنطقة أميلشيل جنوب شرق المغرب، ففي ما يعرف بموسم الخطوبة تحتضن المنطقة الشعرات من شباب خاصة في فترة الحصاد، سبتمبر/أيلول من كل عام، ويجتمعون لمدة 3 أيام.

ينظم الاحتفال طوال هذه الأيام بمشاركة المئات تخليدا للقصة الأسطورية “إيسلي وتيسليت”، وتعرف بالأمازيغية “العريس والعروس”.

عرفت المنطقة بحسب الروايات والمصادر المتعددة قصة حب أسطورية بين شاب اسمه موحا من قبيلة “أيت إبراهيم” وفتاة تدعى حادة من “أيت إعز”، وكان بينهما عداوة حالت دون ارتباط العشيقين ما دفع بالحبيبين إلى الانتحار، حيث انتحر موحا في بحيرة إسلي، بينما انتحرت حادة في بحيرة تيسليت، ويعقد الاحتفال السنوي بهدف تزويج الشباب في إطار تخليد قصة الحب الأسطورية.

يتضمن الفصل الخامس من الدستور المغربي أن اللغة العربية الرسمية للدولة، وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها، كما تعد الأمازيغية أيضا، لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مـشتركا لجميع المغاربة، بدون استثناء.

في تونس

إلى جانب إعداد الوجبات وارتداء الزي التقليدي في تونس، تحرص العديد من النساء خاصة في المناطق الريفية على “دق الوشم” في رأس السنة الأمازيغية، كما هو الحال بالنسبة للأطفال.

قبل آلاف السنين كان الأمازيغ في تونس يستعملون الوشم كبديل عن غياب مواد التجميل، ويسمى باللغة الأمايزيغية “تكاز”، لكنه أيضا كان أداة للاتصال وإرسال الرسائل التي لا يمكن قولها علانية.

ولكن عددا كبيرا من نساء الأرياف والدواخل لازلن يضعن الوشم وبأشكال وحروف مختلفة، فعلامة (+) مثلا تعني (ت) أو أول حروف كلمة (تامطوث) أي امرأة جميلة باللغة الأمازيغية، كما أن الأمازيغ كانوا يستعملون الوشم كدليل على وصول الفتاة إلى سن الخصوبة أو كدلالة على خصوبة النسل.

روايات تاريخية

تتعدد الروايات التاريخية بشأن أصل الاحتفال برأس السنة، منها ما يشير إلى أن التاريخ يعود إلى وصول الملك شيشونق الأول، إلى هرم السلطة بمصر القديمة، وتأسيسه الأسرة الثانية والعشرين من السلالة الفرعونية، ويشار إلى أنه من أصول أمازيغية.

رواية تاريخية أخرى تشير إلى أن الأمر يرتبط ببداية العام الفلاحي، وبعضها يشير إلى حكاية راعية أغنام عجوز تأففت من “درجة البرودة في يناير” الذي امتدت برودته إلى فبراير حتى قضى على كل قطيعها (وهو ما يطلق عليه في مصر شهر طوبة)، لذا يعتبر بعض الأمازيغ القدامى أن هذا يوم احتفال بالطبيعة والأرض وجلب الخير والازدهار.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here