الحرب الباردة على الكينونة العربية.. لغةً وهويةً

30
الحرب الباردة على الكينونة العربية.. لغةً وهويةً
الحرب الباردة على الكينونة العربية.. لغةً وهويةً

افريقيا برسالجزائر. صدرت حديثا سلسلة “الحرب الباردة على الكينونة العربية”، من إنتاج عالم اللغة المفكر الشنقيطي، الدكتور مختار الغوث، عن داريْ ابن النديم الجزائرية و الروافد الثقافية بـبيروت.

وقال الغوث في الجزء الأول الموسوم بـ”اللغة هوية” إنّ اللغات هي الشعوب؛ لأنها سجلُّ تراثها، وما تنطوي عليه أفئدتها من مشاعر، وأخيلتها من صور، وعقولها من فِكَر. وقد عني هذا الكتاب ببيان علاقة اللغة بالثقافة؛ ليُظهر خطرها، ومكانها من العقل والهوية، وأن ما تلاقي العربية اليوم من كيد، وتجنٍّ، وما يُشنُّ عليها من غارات، من أغراضه محو ذواكر العرب، وطمس هويتهم؛ إذ كان الاعتداد بالهوية هو الذي يُبنَى عليه الشعور بالتميز، والتأبي على التذويب، والاستتباع، ومتى طمست الهوية، حلَّ محلَّ ذلك الشعور والتأبي نزوع إلى مماثلة الغالب، التماسا للكمال، وتعويضا عن النقص. وبيَّن الكتاب ما ترتب على إدراك مكانة اللغة من الهوية من عناية الشعوب الواعية بلغاتها، وصونها، وتعظيمها، وإنزالها من حياتها أرفع المنازل، ووازن بين ذلك وما يفعل العرب اليوم بالعربية.

بينما حمل الجزء الثاني عنوان “اللغة والإبداع والتعليم”، حيث يؤكد المؤلف على أنّ شرط الإبداع واستيعاب العلوم والآداب استيعابا يترتب عليه تملُّكها، وأن تصير جزءا من الفكر والخيال والشعور، لن يحصل لأصحابه باللغة الأم. وقد بيَّن في هذا الكتاب ما ترتب على قلة علم العرب بالعربية من تقليد، وضعف إنتاج، وما ترتب على اصطناعهم اللغات الأجنبية في التعليم من تخلف، وضلال سعي، وهدْر مال وأعمار وجهود؛ لأن اللغات الأجنبية حجاز بين غير أهلها والعلم؛ من أجل ذلك كان لزاما أن يأخذ عليهم التعلم بها مسالك التقدم، ويبقيهم تبعا. وعرض نتائج البحوث والتجارب والدراسات الميدانية التي درست آثار التعليم بالعربية واللغات الأجنبية في الوطن العربي، وتجاربَ الشعوب في التعليم بلغاتها، وما ترتب عليه من تقدم وتنمية، وتوطين للعلم. وكان غرض ذلك العرض بيان أن مستقبل العرب العلمي والحضاري رهن بالتعريب، وأن لما يبدي بعض السياسات من الإصرار على اصطناع اللغات الأجنبية في التعليم مآرب غير تربوية.

أما في الجزء “التجني على الهوية”، فقد درس الكاتب ما أُلصق بالعربية من تهم، كالصعوبة، والشيخوخة، وعدم الصلاحية للعلم، وأبان أن ما نُسب إليها من ذلك كان بعضه في معرض التبغيض، وتسويغ الدعوة إلى التبدل بها.

وبيَّن أن ليس في اللغة الإنسانية لغة صعبة بإطلاق، وأخرى سهلة بإطلاق، وأن في كل لغة ما يصعب وما يسهل، وأن صعوبة اللغة -إن فرضت صحتها- لا تسوغ التبدل بها، وإنما يجب عدُّها قدَرا، ليس للشعوب إلا التكيف معه. وليس في اللغات ما يصلح للعلم وما لا يصلح له بالطبع، وكل لغة عظيمة كانت يوما لهجة فقيرة، محدودة الانتشار، ثم صارت إلى ما صارت إليه بسلطان أهلها، وجدهم في ترقيتها. ولا معنى لشيخوخة اللغة مادامت تؤدي ما يريد أهلها، واتصال حياة العربية وقدمُها فضيلة من فضائلها؛ لأنها ربطت حاضر العرب بماضيهم ومستقبلهم، وأتاحت لهم أن ينتفعوا بأقدم تراثهم كما ينتفعون بأحدثه، وعدم اتصال غيرها جعل تراث أهلها المكتوب قبل قرون يسيرة تراثا أجنبيا، لا تفيد منه إلا كما تفيد من تراث اللغات الأجنبية بالترجمة.

وفي “كيد الهوية” ، الذي يمثل الجزء الرابع من الموسوعة، يبين المؤلف جانبا من الأساليب التي تكاد بها العربية ووسائل كيدها، كالحكومات الخفية في الوطن العربي، وكيف اصطنعها الاستعمار لإخراج العربية من الحياة وإحلال لغته محلها، وأعضاء المجامع اللغوية العربية، وكيف استُعملوا في النيل من هوية العربية، وإلحاقها باللغات الأوربية في نظامها، والأدباء واصطناعهم في انتهاك اللغة وأدبها شكلا ومضمونا، وتجريء الناشئة عليها، وتحقيرها إليهم، وتعليقهم بتراث الغير، والتوسل بالأدب إلى إشاعة القيم الغربية، وكيف تكاد العربية في التعليم، ويستعمل في التنفير منها وتبغيضها إلى أهلها، واستعداء غير العرب على العربية، وحملهم على المطالبة بترسيم لغاتهم، لجعلها ضرات لها، يحال بها دون أن تنزل في أهلها المنزلة اللائقة تمهيدا لإحلال لغة المستعمر محلها بزعم أنها هي اللغة التي يلتقي عليها المختصمون، ويرضى باصطناعها المختلفون، وإخراج العربية من سوق العمل، والتعليم باللغات الأجنبية، وفرض اللغات وتغيير الثقافات.

وجاء ختام السلسلة حول “الهوية بعد الحادي عشر من سبتمبر”، أين أكد مختار الغوث أنّ الغرب جعل العالم الإسلامي عدوا بديلا من الاتحاد السوفييتي بعد سقوطه؛ فسعى في تفكيك ثقافته، ومحو ذاكرته، وتحقير نفسه إليه؛ لينزع عن الاعتداد بهويته إلى الإعجاب بالغرب، والتعلق بمماثلته، والرضا بسيطرته كما رضي الهنود الحمر واليابان بسيطرة أمريكة. فدخل معه في حرب، تتقنع بأقنعة شتى، من وجوهها الحرب التي شنَّت أمريكة على العربية والثقافة العربية، بعد الحادي عشر من سبتمبر. وقد عُني هذا الكتاب ببيان وجوه تلك الحرب، وجانب مما توسلت به إليه، كوسْم العربية بالإرهاب، وتخويف الحكومات إياها، والتكثر من المدارس والجامعات التي تعلِّم بالإنجليزية، وإحلال الإنجليزية محل العربية لغةً للمال والأعمال، والحياة العامة، وتغيير مناهج التعليم العربي، وتحريض بعض الأقليات غير العربية على المطالبة بتغيير الدساتير لإخراج ما يُثبت منها هوية بعض البلدان العربية، والترويج للعامية، وحَمْل الحكومات العربية على الترخيص لإذاعات وقنوات فضائية، تصطنعها بدلا من العربية الفصحى.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here