الحساب الذهني يبحث عن مكانة وسط المناهج التربوية

9
الحساب الذهني يبحث عن مكانة وسط المناهج التربوية
الحساب الذهني يبحث عن مكانة وسط المناهج التربوية

أفريقيا برسالجزائر. أثار فوز الجزائر بالبطولة العالمية للحساب الذهني، تساؤلات عن موقع هذا النوع من الحساب وسط الجزائريين، وسمح للبعض بالمطالبة باعتماده كمادة تعليمية في المناهج التربوية الرسمية وعدم اقتصاره على رياض الأطفال والمدارس الموازية، في حين يرى البعض الآخر أنه غير مناسب للمدرسة الرسمية التي تركز على بناء المبادئ الأولية وتتعامل مع كل الميولات.

القضية أثيرت مع فوز ابنة مدينة العلمة بولاية سطيف التلميذة ريتاج سجود رحاحلة بالبطولة العالمية للحساب الذهني التي نظمت مؤخرا بتايوان، وحققت فيها ريتاج نتيجة مبهرة حيث تفوقت على الصينيين والأمريكيين وحتى اليابانيين الذين ابتكروا هذا النوع من الحساب الذي يعرف باسم السوروبان. فهو برنامج ياباني الأصل يهتم بالحساب وبإجراء عمليات حسابية بسرعة فائقة، والهدف منه ليس فقط الحساب بل تنشيط الدماغ وتطوير الأداء، ويساهم هذا البرنامج أيضا في تنمية الذكاء ويزيد في التركيز وسرعة القراءة، وهو موجه للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و13 سنة.

وفي الجزائر انتشر السوروبان في السنوات الأخيرة عبر عديد الولايات وحقق نتائج ممتازة في الميدان وأعطى للأطفال قدرة كبيرة على إجراء عمليات حسابية معقدة في ظرف قياسي، فالطفل بإمكانه أن يجد النتيجة مباشرة بعد الانتهاء من طرح السؤال وينافس في ذلك الآلة الحاسبة. وهو العرض الذي تابعناه ميدانيا حيث شاهدنا أطفالا يعطون النتيجة لعمليات جمع وطرح لأرقام كبيرة بطريقة مبهرة.

وبدأت ثمار هذا البرنامج تظهر من خلال النتائج التي حققها أطفال جزائريون في المنافسات الدولية والإقليمية والذين نشأوا في بيئة اهتمت به وبرزت في بعض الولايات كبسكرة وجيجل، وبصفة خاصة ولاية سطيف التي خرّجت أبطالا في الميدان نذكر منهم أسماء ديلمي من سطيف والتي فازت بالبطولة العربية للذاكرة لسنة 2016 في صنف الأطفال، وكان ذلك بفضل التدريبات التي تلقتها بأكاديمة العباقرة حيث تمرّنت على السوروبان وبرامج تقوية الذاكرة إلى أن بلغت مرتبة عالية في استخدام قدرات العقل.

ونذكر أيضا التلميذة البطلة ابنة بلدية صالح من جنوب ولاية سطيف التي عُرفت محليا ووطنيا وعربيا بتفوّقها في الحساب الذهني، وسبق لها أن فازت بالمرتبة الأولى في البطولة المغاربية بالمغرب سنة 2018 والمرتبة الأولى كذلك في نفس البطولة بتونس سنة 2019، أمّا النتيجة المبهرة فقد حقّقتها منذ أيام فقط ابنة مدينة العلمة ريتاج رحاحلة التي فازت بالبطولة العالمية للحساب الذهني التي نظمت بتايوان، فكانت مشاركتها عن بعد ونجحت في إجراء 500 عملية في أقل من 3 دقائق، وفي الدور الثاني أجابت على كل الأسئلة في ظرف أقل من 30 ثانية وهي نتيجة عالمية لم يبلغها أي متسابق من قبل.

وتعد ريتاج الفائزة العربية الأولى بهذه المسابقة العالمية وقد حظيت بتكريم خاص من طرف رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون وتلقت تهنئة من السفارة الأمريكية بالجزائر.

السوروبان يحرج المدرسة الجزائرية

بعد هذه النتائج المبهرة حقّ للمهتمين بالحساب الذهني المطالبة باعتماد هذا التخصص في المقررات الرسمية وإدراجه في المناهج التربوية بهدف تنمية قدرات التلميذ الجزائري، وقد آن الأوان، حسبهم، لإدخال البرنامج الى المؤسسات التربوية عوض أن يبقى مقتصرا على رياض الأطفال ومدارس الدروس الخصوصية.

وحسب الأستاذ صلاح الدين جيلاح مدير مركز الذكاء الجزائري الذي التقيناه بسطيف فإن مهارات التفكير من أهم المهارات التي يحتاجها الطفل، فإذا أردنا وطنا متطوّرا سالما آمنا فعلينا أن نبدأ بتربية النشء الصاعد تربية تجعل تفكيره سليما متزنا صائبا لا تفكيرا أحاديا متطرفا، وذلك بالاستعانة بأقوى البرامج العالمية التي أثبتت نجاعتها في الميدان مثل برنامج “إدوار ديبونو” وبرنامج “اسكمبر”، وعلينا أن نجعل الطفل يُوّلِد أفكارا ويفجر طاقة الابتكار التي لازالت محدودة بالوطن بالعربي.

وأما الأستاذ صلاح الدين عثماني المستشار الأول لمركز الذكاء الجزائر والمسؤول عن إدارة برنامج “ابني يفكر” فيقول بأن في الجزائر عديد الأطفال العباقرة والذين نجدهم خاصة في المؤسسات التربوية، لكن هناك عوامل عطلت مثل هذه الطاقات منها عدم الاهتمام بالكتاب وقاعات المطالعة داخل المؤسسات التربوية، ولذلك يضيف الأستاذ نوجه نداء إلى كافة المسؤولين كي يفسحوا المجال للطفل ويوفّروا له الظروف المناسبة ليفجر طاقاته، ويكفي للطفل الجزائري أن يخرج من بيئته الأصلية ليظهر عبقريته التي تبهر العالم.

ميولات الطفل لا ترتكز على الرياضيات فقط و”السوربان” مكانه في مؤسسات أخرى، لكن بالنسبة للأستاذ عبد القادر بودرامة وهو خبير في التربية ومفتش بالطور الابتدائي بمدينة العلمة بولاية سطيف، فإن المدرسة ليست مطالبة بتعليم كل شيء للتلميذ، فدورها يرتكز على بناء قاعدة للعلوم والمبادئ الأولية ولا ينبغي أن نحمّل المدرسة ما لا تطيق. فالحساب الذهني أو السوروبان من المهارات التي لا يختص فيها كافة التلاميذ بل تقتصر على فئة معينة، وقد تكون للطفل ميولات أخرى في اللغة العربية أو اللغات الأجنبية، والمدرسة لا تُخرج فقط بارعين في الرياضيات بل تخرّج أيضا القاضي والطبيب.

ويقول الأستاذ عبد القادر بأن المدرسة تقوم ببناء منهجية التفكير لدى المتعلم وتزوّده بما هو عام وأساسي، كما أن السوروبان يقول محدثنا لا يصلح مع كافة التلاميذ بل يخص النوابغ الذين لهم قدرات خارقة وفي حالة اعتماده في المدرسة بإمكانه أن ينمي العجز عند باقي التلاميذ الذين لا يملكون نفس القدرات. ونفس الشيء بالنسبة لحفظ القرآن الكريم فالمدرسة ليست مطالبة بتحفيظ التلاميذ كتاب الله بل تقدم لهم قواعد الحفظ ولهم أن يحفظوا القرآن في مؤسسات أخرى كالمسجد. فمن أراد أن يدرس السوروبان يقول بودرامة عليه أن يتوجه الى مؤسسات أخرى بما فيها المدارس الخاصة المطالبة باعتماد المناهج التعليمية المعتمدة من طرف وزارة التربية لكن يسمح لها بتدريس مناهج إضافية كالحساب الذهني وبعض اللغات. وفي الأخير يقول محدثنا إن الجزائر تعتمد الحساب الكلاسيكي المعتمد في عديد الدول وقد أعطى نتائج إيجابية.

من خلال هذا الطرح هناك من يميل الى اعتماد الحساب الذهني كمادة تعليمية في المناهج التربوية على اعتبار أن الرياضيات أمّ العلوم وهي تنمي قدرات المتعلم، بينما الرأي الآخر يرى أن دور المدرسة يقتصر على تعليم المبادئ الأولية وهي تحترم ميولات كل التلاميذ التي تتنوع بين الأدب واللغات والرياضيات وغيرها من التخصصات العلمية، وفي كل الأحوال يبقى الحساب الذهني أداة فاعلة لتطوير مهارات الطفل وتنمية ذكائه وقدراته الذهنية.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here