أفريقيا برس – الجزائر. تحول جناح الأطفال في الصالون الدولي للكتاب “سيلا 2025” إلى مهرجان مصغر يعج بالألوان والقصص وألعاب التحدي، بعدما خصصت إدارة المعرض مساحة واسعة للطفل عكس الطبعات السابقة، صنع فيه الكتاب عالما مليء بالخيال والإبداع، وشكل فضاء جميل جمع بين المعرفة والترفيه والقلم والألوان، كما وجد الصغار أنفسهم أمام فرصة للتعبير عن ذواتهم، بعيدا عن قيود المدرسة وهوس الشاشات والهواتف النقالة للانغماس في المطالعة والتفاعل الهادف.
“الشروق” رافقت الأطفال والعائلات في جولة داخل هذا الركن البهيج، لتكتشف معهم كيف استطاع الكتاب أن يوقظ فيهم روح الفضول وحب المطالعة، وكيف أظهروا ذكاءهم وقوة شخصيتهم رغم صغر سنهم في التعامل والتفاعل مع مختلف الورشات والأنشطة التي برمجتها إدارة المعرض منذ انطلاق الطبعة الحالية من الصالون الدولي للكتاب، فبمجرد الدخول إلى جناح الأهقار تصادفك رفوف ملونة بمختلف العناوين والكتب الموجهة للطفل بالدرجة الأولى، كما نصب بوسط الجناح طاولات صغيرة ملونة عليها الدفاتر والأقلام، حيث انهمك الأطفال في الرسم والتلوين، يحكون قصصهم بطريقتهم الخاصة، من خلال تلك الرسومات البسيطة، وأخرج الصغار شخصياتهم على الورق، وتفننوا في التعبير عن أفكارهم بجرأة وتحويلها إلى نافذة على عالمهم الصغير.
من الرسم إلى الحكاية رحلة خيال لا تنتهي بمعرض الكتاب
غير بعيد عن روشة الرسم والتلوين، كانت ورشة خاصة بالتعبير الكتابي التي سرد فيها الأطفال الزوار مغامراتهم وكيف قضوا عطلة الخريف غيرها من اليوميات بين البيت والمدرسة وساحة اللعب، حيث جلس أطفال تتراوح أعمارهم بين 6 و10 سنوات، وأكثر ما لفت انتباهنا أن الأطفال انشغلوا بالكتابة في هدوء تام من دون فوضى بعدما منحت لهم الحرية في التعبير بعفوية، كما كشفت عن موهبتهم الحقيقة بعيدا عن الضغط والقيود، وبالركن المجاور لها تجمع الصغار حول الحكواتي وهي ورشة خصصها المعرض بعنوان “ساعة الحكاية” الذي أعاد دفء القصص القديمة بصوته المليء بالحياة شد انتباههم، وتفاعلوا مع الراوي وتتبع تفاصيل الحكاية باهتمام بالغ إلى غاية نهايتها بعد واستخلاص العبرة منها.
الأطفال يختارون ويعبرون عن ذوقهم بثقة
توافدت على الجناح المخصص للأطفال عشرات المدارس والروضات من مختلف البلديات في زيارات تربوية منظمة، حيث تجول الأطفال بجميع الأجنحة وأركان المعرض قبل أن يقرروا ما يشترونه أو يقرؤونه، ولعل أجمل ما في هذه الزيارات أن الأطفال فرضوا شخصيتهم واختاروا بأنفسهم ما يرغبون في مطالعته، بعيدا عن توجيه الكبار، فمنهم من عبروا عن ميلهم نحو القصص التي تتحدث عن تاريخ الجزائر وأبطالها، وثوابتها الوطنية، في دلالة جميلة على وعي مبكر بالهوية والانتماء لهذا الوطن، وآخرون اختاروا الألعاب العلمية، فيما فضل البعض التوجه نحو الجناح المخصص للكتب الدينية الموجهة للطفل منها الخاصة بالأحاديث النبوية وكذا التجويد وأحكامه وغيرها من المؤلفات المبسطة حول التجويد، وآخرون جمعوا قصصا كثيرة ليشكلوا بها مكتبتهم الأولى في البيت، قبل أن يغادروا المكان وهم يحملون أكياسا صغيرة مليئة بالكتيبات، ووجوههم تفيض بالبهجة والسعادة بعدما استطاع الكتاب أن يلامس قلوبهم الصغيرة.
كتب خاصة تحيي الذاكرة الوطنية للأطفال
وعلى هامش زيارتنا شدت مؤسسة إعلام جزائر للتأليف القصصي انتباه الزوار، خاصة العائلات والأطفال، بكتبها الموجهة للفئة الصغيرة التي تحمل في طياتها قصص المجاهدين والعلماء والرموز الوطنية بأسلوب مبسط وجذاب، أين أكد عمارة مصطفى ممثل المؤسسة إن الهدف من هذا المشروع الثقافي هو غرس حب القراءة في نفوس الأطفال، وربطهم بتاريخ بلادهم وشخصياتها التي صنعت المجد الأدبي والعلمي والثوري، مشيرا إلى أن أغلب المؤلفات حول الشخصيات الوطنية موجهة للكبار، وهو ما دفعهم إلى تبسيطها في شكل قصص تناسب عقل الطفل وتغرس فيه روح الانتماء والقدوة.
وأضاف المتحدث أن المؤسسة أطلقت مبادرة على شكل مسابقة للتأليف القصصي للأطفال على هامش المعرض، حيث يتم اختيار شخصية وطنية أو علمية جزائرية، ثم تفتح المسابقة لتأليف قصة عنها، ليتم لاحقا طباعة القصة الفائزة وتوزيعها، موضحا أن هذه الخطوة تسعى من جهة إلى إحياء الرموز التاريخية في وجدان الأطفال، ومن جهة أخرى إلى اكتشاف أقلام شابة مبدعة في عالم الكتابة.
أولياء يفضلون شراء الألعاب على الكتب
ولفت المتحدث إلى أن الإقبال على المعرض كان مميزا غير أنه تأسف لغياب وعي بعض الأولياء الذين لا يشجعون أبناءهم على المطالعة، قائلا أن بعض الآباء يفضلون شراء الألعاب بدل الكتب، متجاهلين اهمية القراءة التي تصنع الوعي وتبني شخصية الطفل على حد قوله.
أما من حيث الشكل والمضمون، فأكد أن قصص المؤسسة تراعي ذوق الطفل، من حيث اللغة السلسة والألوان الزاهية والحجم المناسب، وكذا الصياغة المبسطة التي تلائم الفئة العمرية بين 6 و11 سنة، بحيث يمكن أن تقرأ أيضا من طرف أحد أفراد الأسرة لتترسخ المعلومات في ذهن الصغار.
وفي ما يخص الشخصيات التي يفضلها الأطفال، أوضح الأستاذ عمارة أن قصص المجاهدين والشهداء والعظماء الجزائريين لقيت اهتماما كبيرا على هامش المعرض، خصوصا ونحن بشهر الثورة المجيدة، حيث تشجع المدارس التلاميذ على إنجاز بحوث وأنشطة حول الثورة ورموزها.
كما بين المتحدث أن المؤسسة تهدف كذلك إلى تسليط الضوء على الشخصيات العلمية والاجتماعية التي كان لها أثر إيجابي في التربية والاقتصاد وتفسير القرآن والتاريخ، حتى يكتشف الطفل نماذج جزائرية مضيئة في مختلف المجالات، مضيفا أن معظم القصص التي يتم طبعها هي من تأليف تلاميذ في سن صغيرة، وهذا يثبت أن الطفل الجزائري قادر على الإبداع متى وجد من يوجهه نحو القراءة والتأليف.
المصدر: الشروق
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس





