رواية “حوريات” المتوجة بجائزة الغونكور محل اتهام بالسرقة

13
رواية
رواية " حوريات" المتوجة بجائزة الغونكور محل اتهام بالسرقة

أفريقيا برس – الجزائر. فجرت سعادة عربان من ولاية وهران الجزائرية مفاجأة مدوية، لما كشفت أن رواية “حوريات” للكاتب كمال داود، المتوجة بجائزة الغونكور، هي قصة حياتها الشخصية التي سربتها زوجة الأديب لزوجها، كونها كانت تعالج عندها بوصفها طبيبة نفسانية، وتوعدت أن تذهب إلى أبعد الحدود في القضية رغم محاولات شراء ذمتها، في حين لا زال كمال داود يلتزم الصمت، رغم تداعيات المفاجأة على مساره الابداعي وعلى الجائزة معا.

زعمت السيدة سعادة عربان، من مدينة وهران (غربي العاصمة)، بأن الرواية الأدبية التي توج بها الأديب كمال داود، بجائزة “الغونكور” العالمية، هي قصتها الحقيقية خلال الحادث الإرهابي الذي تعرضت له خلال العشرية الدموية ( 1990- 2000 )، عندما قامت مجموعة إرهابية بتصفية جميع أفراد عائلتها ذبحا بالسلاح الأبيض ولم تسلم إلا هي.

وصرحت لقناة “الجزائر وان”، الجزائرية، بأن زوجة الأديب التي كانت تعالجها منذ العام 2015، بوصفها طبيبة نفسانية هي من سربت القصة الى زوجها الكاتب، رغم أنها رفضت رفضا مطلقا تحويلها الى منجز مكتوب لما عرضت عليها الفكرة في بادئ الأمر، لكن عائلة الأديب لم تحترم قرار وخصوصية الضحية، بحسب تصريح المعنية.

وأثار التطور الجديد لغطا كبيرا في الأوساط الأدبية والإعلامية الجزائرية، وتجدد معه الاستقطاب الأيديولوجي بين تيارين قومي يحاول استغلال الحادثة للطعن في شخصية الأديب وفي الجائزة، وآخر منفتح يرى أن كمال داود، رغم تنصله من هويته العربية والإسلامية وحصوله على الجنسية الفرنسية، يبقى كاتبا مبدعا تألق في المناخ الذي توفره فرنسا للعمل الفكري والابداعي.

وصرحت سعادة عربان، لقناة “وان” الجزائرية، بأنها “تعرف كمال داود شخصيا وزوجته الطبيبة النفسية التي كانت تعالجها لسنوات، وأنها تزور المنزل العائلي لكمال داود وزوجته، في مدينة وهران حيث تقيم هي أيضا، وأن ابنهما، وابنها صديقان، وأنها رفضت طلبا من الكاتب وزوجته لرواية قصتها، لتكتشف لاحقا أنه استغل قصتها مع تحويرات في الأمكنة والأحداث في روايته، لكن عدة فقرات تحيل بوضوح إليها”.

انقسام النخب الأدبية حول شرعية الاتهام

ووجهت الاتهام لزوجة الأديب بـ”إفشاء سرها الطبي الذي تتكتم عنه، وأنها علمت بعد صدور الرواية في فرنسا من أصدقاء بأن موضوعها يتناول قصتها. فواجهت زوجة كمال داود بالموضوع، لكن الأخيرة أكدت لها أن القصة ليست عنها، وأهدتها نسخة من الرواية بتوقيع كمال داود، الذي كتب لها: “بلدنا غالبا ما أنقذته نساء شجاعات، أنت واحدة منهن”، وهو ما اعتبره معلقون بأنه اعتراف ضمني بأن القصة قصتها”.

وأكدت سعادة عربان، في تصريحها، بأن “قصتها تتقاطع بتفاصيل كثيرة مع قصة بطلة رواية (حوريات) التي أسماها (فجر)، وهي فتاة نجت مثل سعادة، وهي في الخامسة من العمر من عملية ذبح خلال هجوم إرهابي في الجزائر أثناء العشرية السوداء، وقد فقدت حبالها الصوتية، ثم تبنتها سيدة في وهران، هي بدورها يتيمة، وعندما بلغت السادسة والعشرين، حملت، ولكنها فكرت في إجهاض جنينها، التي أسمتها (حورية)”..

وشددت المتحدثة، على أنها “وجدت نفسها وفي قصتها وشخصية السيدة خديجة، التي تبنتها، ومحاولتها إجهاض جنينها، ووقوع الأحداث نفسها في المدينة التي ترعرعت فيها، وهي تبلغ الآن 26 سنة مثل بطلة كمال داود نفسها في الرواية”.

وتباينت المواقف بين داع الى سحب الجائزة من صاحبها، ومعاقبته أمام القضاء بسبب انتهاك سر طبي وقرار شخصي، واستغلاله لغرض أدبي، رغم رفض صاحبة القصة سعادة عربان، وبين مؤكد على أن العمل الروائي هو جهد تخيلي ينطلق في الغالب من نقطة واقعية، خاصة وأن الرجل ذو خلفية صحفية، حيث اشتغل قبل هجرته الى فرنسا في صحيفة “لوكوتيديان دوران” (Le Quotidien d’Oran) الناطقة بالفرنسية في مدينة وهران بغرب البلاد.

كمال داود استغل قصة حزينة ومؤلمة

وكتب الإعلامي المتخصص في الشأن الثقافي حسان مرابط، كمال داود في روايته “حوريات”، استثمر واستغل قصة حزينة ومؤلمة جدا تخص السيدة “سعادة عربان” التي رفضت رفضا قاطعا حسب ما أدلت به من تصريحات في هذا الحوار مع الزميل يونس صابر شريف، أن يكتب رواية عن قصتها.

وأضاف: “كمال داود كتب الرواية دون علمها وكشف تفاصيل عن حياتها بما فيها إفشاء سرّها الطبي الذي تتكتم عنه، وزوجته الطبيبة النفسانية التي عالجت هذه السيدة بحكم حادثة تعرضت لها قبل سنوات، بررت لها أنّ القصة ليست عنها، لكن الغريب أنّ الإهداء في الرواية بتوقيع كمال داود يتضمن وفق اعتقادي اعترافا ضمنيا بأنّ القصة قصتها وجاء فيها: “بلدنا غالبا ما أنقذته نساء شجاعات، أنت واحدة منهن”.

أما الكاتب والروائي عثمان تازغارت، فرأى بأن “الحديث عن “سرقة أدبية”، من منطلق أن السيدة سعادة عربان تقول أنها رفضت أن يكتب كمال داود قصتها، فإنه أمر مضحك: لا يحتاج الروائي لإذن من أحد لكتابة عمله، لأنه يندرج ضمن التخييل الأدبي. لو أراد كمال داود أن يجري حوارا صحفيا مع السيدة سعادة عربان أو أن يكتب عنها مقالة صحفية أو كتابا بيوغرافيا يذكرها بالاسم، سيحتاج بالتأكيد إلى اذن منها. لكن ما كتبه رواية قائمة على التخيل، ولا حاجة هنا لإذن أو موافقة منها، لأن القصة المكتوبة قائمة على التخييل ولا تذكرها بالاسم، وليست بالضرورة مطابقة تماما لقصتها. فالروائي ينطلق من عناصر واقعية ليبني عليها شخصيات وأحداث خيالية”.

العالم الروائي مثقل باستلهام القصص الواقعية

وأضاف: “اتهام زوجة كمال داود بإفشاء السر المهني ينطوي هو الآخر على مغالطة صارخة، فهي لم تكشف علنا – بوصفها الطبيبة النفسانية للسيدة سعادة عربان عن هويتها وعما حدث لها خلال سنوات الارهاب. بل إن من كشفت السر هي السيدة سعادة عربان بنفسها، إذ لم يكن أحد ليعرف أصلا أن القصة هي قصتها لو لم تصرح هي بذلك. وخير دليل على ذلك أننا لا نعرف إلى اليوم الهوية الحقيقية لـ (علي راس الكابوس)، بطل رواية (فوضى الأشياء)، رغم مرور 35 سنة على صدور الرواية، وذلك بكل بساطة لأنه لم يخرج إلى العلن ليقول: أنا هو (راس الكابوس) وتلك القصة وقعت لي بالفعل”.

ولفت المتحدث، الى أن “شهادة السيدة سعادة عربان، تؤكد صحة ما ورد في رواية كمال داود، وأنها تعرضت بالفعل لمحاولة ذبح في مجزرة أُبيد خلالها كل أفراد عائلتها. والمفارقة أنها تقول أنها تعارض ما كتبه كمال داود!، في حين يُفترض في الضحية أن ترحّب بعمل يروي محنتها ويفضح همجية من اقترفوا ذلك. وهذا ينم عن متلازمة نفسية لا تقتصر فقط على السيدة سعادة عربان، بل تنسحب على مواقف غالبية الجزائريين من فظائع ومجازر سنوات الارهاب: لا أحد ينكر بشاعة ما حدث، لكن لا أحد يريد تذكّر ذلك أو الحديث عنه. وهذا ما يسمح للقتلة بالإفلات من القصاص، والعيش بحرية وسط المجتمع ذاته الذي أخضعوه لأبشع أصناف التقتيل والتنكيل على مدى عشرية كاملة. في علم النفس يُسمى هذا متلازمة (أمنيزيا ما بعد الصدمة )”.

ويرى عثمان تازغارت، بأن علاقة الواقع بالتخيل الروائي علاقة شائكة تعد من صميم العملية الإبداعية، وفي الأدب العالمي نماذج لا تحصى لروائيين استلهموا شخوص أعمالهم الأدبية من أشخاص تعرفوا عليهم في الواقع الفعلي. ولعل أشهر مثال عن ذلك إرنست همنغواي الذي استوحى بطل رائعته “العجوز والبحر” من صياد مسنّ تعرّف عليه في ميناء صيد صغير قرب هافانا”.

ويسرد في منشور له، بأنه: “في الجزائر نماذج كثيرة في هذا الشأن، بداية بألبير كامو الذي استوحى شخصية ميرسىو، قاتل العربي، في روايته (الغريب) من جريمة وقعت بالفعل في وهران. وهي الشخصية العربية التي استعاد كمال داود سيرتها، لإعادة كتابة القصة من وجهة نظرها، في روايته “معارضة الغريب” أو (ميرسو، تحقيق مضاد)، والكاتب ياسين استلهم شخصية (نجمة)، بطلة روايته الشهيرة، من ابنة عمه زليخة، شقيقة المسرحي مصطفى كاتب”.

وأضاف: “الطاهر وطار استلهم شخصية زيدان ورفاقه، في روايته (اللاز)، من واقعة فعلية تتعلق بذبح عدد من القيادات الماركسية التي انضمت إلى صفوف الثورة الجزائرية بعد رفضها التنكر لمعتقداتها الفكرية، والواقعة ذاتها استوحى منها رشيد بوجدرة روايته (التفكك)، وهو أيضا استلهم أيضا شخصية (علي راس الكابوس)، في روايته (فوضى الأشياء)، من شخص تعرّف عليه أيام كان أمينا عاما للرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، وقد جاء إلى الرابطة لتقديم شكوى بسبب تعرّضه للتعذيب والإخصاء من قبل البوليس السياسي، خلال انتفاضة أكتوبر 1988، وفي روايته (الجنائز) استلهم بوجدرة كذلك شخصية (ياماها)، مناصر فريق المولودية الشهير الذي اغتاله المسلحون”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here