أفريقيا برس – الجزائر. أدرجت وزارة التربية الوطنية المواد الفنية، ويتعلق الأمر بالتربية التشكيلية والتربية الموسيقية، لأول مرة، ضمن المواد الرسمية للمعدل العام لامتحان شهادة التعليم المتوسط دورة 2025، مع ضبطهما بمعامل واحد، وهو القرار الصائب في مضمونه والخاطئ في توقيته وشكله، حسب مختصين، حيث تسبب في إرباك رؤساء المتوسطات، بعدما أضحوا ملزمين بتبرير علامات في مواد لا تدرس.
وإلى ذلك، أجمعت الأسرة التربوية على أن هذا الإجراء الجديد يعد بمثابة “مشروع تربوي” هام جدا، لذلك وجب التحضير له بشكل جيد في المستقبل، لأجل إنجاحه على كافة المستويات، من خلال فتح باب التوظيف لتوفير التأطير البيداغوجي اللازم، إلى جانب إطلاق تكوينات سريعة للأساتذة في المبادئ الأساسية للمادتين، فضلا على تبني آلية تقييم مرنة، مع أهمية إصدار منشور وزاري يرسم العملية.
أفادت مصادر أن مديري متوسطات، ولدى انشغالهم بمهمة سحب كشوف النقاط النهائية لشهادة التعليم المتوسط دورة جوان 2025، فوجئوا بأن مادتي التربية التشكيلية “الرسم” والتربية الموسيقية، قد تم إدراجهما في كشف النقاط بمعامل واحد “01”، بمعنى أنه تم احتسابهما ضمن المواد الرسمية التي تدخل في المعدل العام لتقييم “البيام”، بعدما ظلتا ولسنوات طويلة مجرد تخصصات “مساعدة” وإضافية تساهم في رفع معدل التلميذ إذا كانت علاماتهما فوق 10 من 20، وبقيتا تعتبران كمواد “رمزية” لا تؤثر على المسار الدراسي للمتعلم.
وفي هذا الصدد، لفتت مصادرنا إلى أن الأسرة التربوية لم تعلن رفضها لقرار إدراج هاذين التخصصين ضمن المعدل العام لامتحان شهادة “البيام”، وإنما تفاجأت بتوقيت وشكل صدوره، إذ طُبق دون سابق إنذار ولا تحضير أو توجيه، بحيث لم تصدر الوصاية في هذا الشأن أي قرار رسمي أو منشور وزاري يفيد بذلك.
وبناء على ما سبق، أبرزت ذات المصادر أن القرار الجديد قد أثار جدلا في الوسط التربوي، على اعتبار أن مديري المتوسطات مطالبون وجوبا بتبرير علامات في مواد لم تدرس أصلا للتلاميذ، مؤكدة على أن كافة الأطراف لم تعارض ولم تحتج على الإجراء، بل تفاجأت فقط بطريقة وأسلوب اعتماده وظروف تجسيده ميدانيا.
واقع التأطير البيداغوجي.. شبح غائب
وأشارت مصادرنا إلى أن مديري المتوسطات يطالبون بأهمية “ترسيم” القرار في المستقبل، مع ضرورة التحضير له بشكل جيد في كافة جوانبه، من خلال فتح باب التوظيف للالتحاق بهاتين الرتبتين الفنيتين، نظرا لكون المؤسسات التربوية تعاني من فراغ كبير في تأطير المادتين، وانعدامه كليا في مؤسسات تربوية أخرى، فعادة ما يتم إدراجهما شكليا وفقط.
مقابل ذلك، فإن مؤسسات التربية والتعليم الخاصة تعتمد بالأساس على مادة الإعلام الآلي كبديل جاهز، كون التأطير فيه متوفر، ومنذ سنوات عديدة تبني برمجتها وفق هذا التخصص كأداة حديثة تواكب التحولات الرقمية، ولأن تدريسها يخضع لضغوطات قانونية بخصوص إلزامية إدراجها ضمن كشف النقاط.
في حين تغيب التربية التشكيلية والموسيقية عن جداول ذات المدارس، بسبب وجود عجز في الكفاءات وصعوبة التوظيف في هذا التخصص، غير أنها ومع هذا التغيير المفاجئ، فقد أضحت مطالبة وجوبا، إما بإعادة برمجة حصص جديدة من لا شيء، أو تقديم تبريرات تربوية لأولياء غاضبين من احتساب مادة لم يدرسها أبناؤهم.
ومن هذا المنطلق، يقول الأستاذ “م/خ”، مفتش تربوي في التعليم الابتدائي، بأن مئات المتوسطات عبر الوطن لا تدرس مادة التربية الموسيقية، وحتى تخصص التربية التشكيلية يكتفى بالرسم الحر في أغلب الحصص المقدمة بالأقسام التربوية دون أستاذ متخصص، وبالتالي سيكون من الصعب تقييم مادة لا تدرس.
وفي سياق مغاير، عرجت مصادرنا على مسألة تدريس مادة المعلوماتية، بحيث لفتت في هذا الصدد إلى أن القانون رقم 08/04 المؤرخ في 23 جانفي 2008، والمتضمن القانون التوجيهي للتربية الوطنية، ينصّ على إجبارية تلقينها للمتعلمين، ومع ذلك لا تزال الوزارة لا تحتسب هذه المادة ضمن كشف النقاط، رغم توفر التأطير والبنية التحتية لها في الكثير من المؤسسات، خاصة الخاصة منها، ما يثير مزيدا من اللبس.
خبراء يعلّقون: القرار بلا أرضية
وفي هذا الإطار، يجزم خبراء وباحثون في علوم التربية بأن القرار الجديد في حد ذاته صائب جدا، لأنه بمثابة “مشروع تربوي” هام وجب احتضانه لإنجاحه، لكن دون تحضير ولا إعلان يعتبر “عبثا إداريا وتربويا”.
وبهذا الصدد، يرى الدكتور “ع/فاضلي”، باحث في علوم التربية، أن الإجراء الخاص باحتساب مادتي التربية التشكيلية و التربية الموسيقية ضمن المواد المعدل العام لامتحان شهادة التعليم المتوسط، يعد إيجابيا جدا، إذ ما نظرنا إليه من منظور تربية شاملة ومتوازنة، لكن بالمقابل وجب التحضير له بصفة جيدة و الإعلان عنه، حتى يؤتي ثماره وينفع ولا يضر.
ومن جهتها، تؤكد الأستاذة “ر/صالحي”، المختصة في التربية، أن “إقحام مواد فنية في التقييم يستدعي تحضيرًا مسبقًا، ورؤية واضحة، وتكوينًا للأساتذة، ودليلًا بيداغوجيًا واضحًا، لا أن يُكتشف القرار من خلال آلة الطباعة”.
6 مقترحات لإنجاح المشروع التربوي
واستخلاصا لما سبق، يعتقد مختصون بأن أولويات المرحلة المقبلة تقتضي اتباع مجموعة خطوات، بدءا بإصدار بيان رسمي من الوزارة لتوضيح خلفيات القرار وشرح حيثياته، إلى جانب فتح مسابقات توظيف وطنية في مادتي الموسيقى والتربية التشكيلية لسدّ العجز، علاوة على إدراج مادة الإعلام الآلي رسميًا في كشف النقاط، خاصة أنها تُدرّس في أغلب المؤسسات التربوية.
بالإضافة إلى تأجيل اعتماد القرار رسميًا إلى حين توفير الأرضية الميدانية، فضلا عن إطلاق تكوينات سريعة للأساتذة في المبادئ الأساسية للمادتين، ووضع آلية تقييم مرنة تراعي غياب التأطير وتُجنّب التلميذ العقوبة البيداغوجية غير المستحقة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس