أفريقيا برس – الجزائر. يعد معتقل “عين الصفا” الواقع على بعد سبعة كيلومترات شرق مدينة تيسمسيلت، واحدا من أبرز المعالم التاريخية التي تخلد جرائم الاستعمار الفرنسي في حق الجزائريين.
فقد شكل هذا المعتقل السري، الذي أقيم تحت غطاء مزرعة فلاحية، مسرحا لأبشع أساليب التعذيب والقهر التي مورست ضد المجاهدين والمناضلين خلال الثورة التحريرية المجيدة، ليبقى شاهدا على مرحلة أليمة من تاريخ المنطقة وذاكرة حية تذكر الأجيال الجديدة بثمن الحرية والاستقلال.
هذا المعلم التاريخي، الذي تحول اليوم إلى رمز للذاكرة الوطنية، يذكر الأجيال الجديدة بثمن الحرية والاستقلال الذي دفعه الشعب الجزائري غاليا.
يقول الدكتور “لخضر سعيداني”، أستاذ التاريخ بجامعة “أحمد بن يحيى الونشريسي” والباحث في الشأن التاريخي، على هامش تنظيم ندوة تاريخية في إطار الاحتفالات المخلدة للذكرى الـ 71 لاندلاع ثورة الفاتح نوفمبر، إن معتقل “عين الصفا” لم يكن مركزا رسميا معروفا لدى سلطات الاستعمار، بل كان معتقلا سريا اتخذ شكل مزرعة يملكها أحد المعمرين يدعى “بولو”، استخدمها الجيش الفرنسي كواجهة تمويهية لممارسة شتى أنواع التعذيب ضد المجاهدين والمناضلين وحتى المدنيين العزل من أبناء منطقة الونشريس ومختلف المناطق المجاورة.
وأضاف سعيداني أن هذا المعتقل استقبل ما يفوق خمسة آلاف معتقل بين عامي 1955 و1958، استشهد منهم أكثر من 1800 جزائري تحت وطأة التعذيب الوحشي، الذي تنوعت أساليبه بين التجويع والصعق الكهربائي والإغراق بالماء والصابون، وصولا إلى الدفن في السراديب أو الإعدام الميداني.
أما عن أصل التسمية، فيوضح الدكتور سعيداني أن الذاكرة الشعبية تربط اسم “عين الصفا” بعبارة “صفي ولم يخرج”، في إشارة إلى أن كل من دخل هذا المعتقل لم يغادره حيا، ليغدو الاسم مرادفا للعذاب والموت البطيء.
رغم بشاعة ما جرى داخله، تحول هذا المكان إلى رمز للمقاومة والتحدي، بعدما فشلت آلة الاستعمار في كسر إرادة الجزائريين أو انتزاع حلم الحرية من قلوبهم. فكانت معتقلات كهذه وسيلة لإخماد صوت الثورة، لكنها زادت الشعب الجزائري إصرارا، حتى تحقق النصر في الخامس من جويلية 1962، بعد سبع سنوات من الكفاح والتضحيات.
وفي إطار الحفاظ على الذاكرة الوطنية، شهد معتقل “عين الصفا” مؤخرا عملية ترميم وإعادة تهيئة شاملة ضمن البرنامج التكميلي للتنمية الذي استفادت منه ولاية تيسمسيلت نهاية سنة 2022، على أن يتم استلامه قريبا.
وشملت العملية كذلك مقبرة الشهداء المجاورة وتسع مقابر أخرى عبر تراب الولاية، في خطوة تعكس حرص الدولة الجزائرية على صون رموزها التاريخية.
يضيف الدكتور سعيداني أن اليوم، لا يزال معتقل “عين الصفا” وجهة لزوار التاريخ والباحثين في الذاكرة الوطنية، حيث تقف جدرانه الباهتة شاهدة على جرائم الاستعمار، ويروي محيطه الصامت قصص أبطال قضوا تحت التعذيب دفاعا عن شرف الوطن.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس





