أفريقيا برس – الجزائر. في ظل انتشار التسويق الرقمي واشتداد سباق الاستحواذ على اهتمامات المستهلكين، بات التجار في الجزائر يبدعون طرائق غير تقليدية لجذب الزبائن، عبر أساليب محدثة تتخذ من منصات التواصل الاجتماعي مضمارا لها، لاسيما منصة “التيك توك”، ويخترعون طرائق غريبة، مثيرة للجدل وبعيدة عن المألوف أيضا، حيث تمكّن بعض تجار الملابس بفضلها من تحقيق شهرة عالمية، وصفها البعض بـ”الجرأة التسويقية”، فيما اعتبرها آخرون “جنونا تسويقيا”، ورغم تمكّن هؤلاء من تحقيق أرقام قياسية وتداول مقاطعهم على نطاق واسع، إلا أنهم في حاجة إلى تنظيم أكبر لتفادي الخروج عن السيطرة وتجاوز القيم الاجتماعية.
قبل سنوات، كانت سوق الملابس الجزائرية تعتمد على الأساليب التقليدية للترويج، من خلال الإعلانات العادية عبر الواجهات، وبعض وسائل الإعلام، إضافة إلى اللوحات الإعلانية، ومع التطوّر الحاصل في استعمال مواقع التواصل الاجتماعي بدأ المشهد يتغيّر كليا، بإدراك التجار أن التفاعل البصري والمحتوى السريع يمكن أن يصنع فرقا هائلا في الوصول إلى الجمهور. والمثير في الأمر، أن بعض هؤلاء التجار استطاعوا تحويل التحدّيات والحركات غير المألوفة إلى وسيلة لجذب انتباه الملايين، سواء داخل الجزائر أم خارجها.
معطف “إمبرميابل”.. تاجر يقفز في البحر
من بين الحالات اللافتة، قصة تاجر شاب من برج بوعريريج تخصّص في بيع المعاطف الشتوية والملابس الرجالية. هذا التاجر، الذي أصبح يُعرف باسم معطف “إمبرميابل”، بعد تحقيقه شهرة واسعة في الجزائر وحتى عربيا، أطلق حملة تسويقية مبتكرة أبهرت المتابعين في “السوشل ميديا”.
في أحد مقاطع الفيديو، يظهر التاجر وهو يغوص في بركة ماء وتارة أخرى في البحر مرتديا معطفه المقاوم للماء لإثبات جودته، المشهد البسيط و”الذكيّ” لقي رواجا واسعا على المنصات الرقمية، حيث تجاوزت المشاهدات الملايين، كما تناقلته عدة مواقع عربية إخبارية، مرفقة بتعليقات مشيدة بفكرته الجريئة وصدقه في تسويق منتجه.
هذه الظاهرة لم تعد استثناء، بل تحولت إلى قاعدة جديدة بين التجار الشباب، فاستخدام المحتوى القصير والتحديات المباشرة أثبتت فعاليتها في بناء الثقة مع الزبائن وإبراز جودة المنتجات، كما أن التفاعل البصري أصبح لغة العصر، ما جعل هؤلاء التجار يتصدّرون مشهد التسويق في الجزائر، بل ويدخلون المنافسة العالمية، وبإمكانهم أن يحولوا أي منتج محلي إلى علامة عالمية، وعلى غرار صاحب معطف “إمبرميابل”، ما أصبح يميّز التجار الجزائريين على “التيك توك”، هو المزج بين الجرأة والإبداع، وحتى الفكاهة أحيانا، فبعضهم يقوم بتمثيل مشاهد طريقة تعامل زبائنه معه وسرد يومياته بالمحل بطريقة هزلية، تحوّلت خلال فترة قصيرة إلى محتوى وبنفس الوقت الترويج لبضاعته، مع تحقيق نسب مشاهدات عالية، حيت تتضمن تلك المقاطع عادة عروضا ترويجية حيوية، استخدام موسيقى جذّابة، وحتى تحدّيات ومسابقات.
الطلبات المتزايدة تحتاج إلى تحسين خدمات الشحن والتوصيل
وفي الموضوع، صرح رئيس اللجنة الوطنية للتجارة الرقمية على مستوى الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين والخبير التكنولوجي، أمين سنوسي، أن طريقة التسويق عبر التطبيقات الرقمية، وخاصة منصة “التيك توك”، تعد من الأساليب الحديثة والمبتكرة، التي تستهدف شرائح واسعة من المستهلكين، لاسيما فئة الشباب، قائلا إن المحتوى المرئي القصير وسريع الانتشار، يتيح الفرصة للوصول إلى ملايين المستخدمين في وقت قياسي، مضيفا أن الأمر لم يقتصر على زيادة المبيعات فقط، بل ساهم أيضا في تغيير الصورة النمطية عن التجارة في بلادنا، ولفت المتحدث إلى أن النجاح في هذا الأمر لا يخلو من بعض التحدّيات، على رأسها تلبية الطلبات المتزايدة نتيجة التفاعل السريع مع المنتج، وتحسين خدمات التوصيل والشحن.
وتطرق سنوسي إلى خاصية أخرى في التسويق، أثبتت نجاعتها مؤخرا، وهي الاعتماد على المؤثرين، مع العمل على اختيار شخصيات افتراضية، بناء على عامل الثقة، ونوعية المحتوى الذي يقدمه المؤثر، حتى لا تكون هناك نتائج عكسية، بحسب ذات المتحدث.
وأردف محدثنا أن “التيك توك”لم يعد مجرد منصة ترفيهية، بل أصبح أداة تسويقية قوية قد تحدث نقلة نوعية في عالم التجارة والتسويق الرقمي بالجزائر، خاصة بالنسبة إلى التجار والحرفيين الذين يبحثون عن طرق مبتكرة للوصول إلى جمهور أوسع، مقارنة بالإعلانات التقليدية، التي توفر حلولا مرنة وبأسعار معقولة، ما يجعله خيارا مناسبا للشركات الصغيرة والمتوسطة في الترويج، فضلا عن الشركات الكبرى.
حذار من تجاوز الحدود الاجتماعية والقيم الثقافية في التسويق الجريء
من جهته، أوضح الدكتور مسعود بن حليمة، مختص في علم النفس الاجتماعي، أن ظاهرة اكتساح الترويج عبر المنصات الرقمية بطرق جريئة في الجزائر تعكس تحوّلا كبيرا في السلوكيات الفردية والجماعية تجاه مفهوم التسويق والاتصال الجماهيري، مؤكدا أن هذه الطرائق الجريئة، على حد وصفه، تأتي نتيجة عدة عوامل نفسية واجتماعية، أبرزها التنافس الحاد على جذب الانتباه في ظل تشبع المحتوى الرقمي.
وأشار الدكتور بن حليمة إلى أن لجوء الشباب الجزائري إلى هذه الأساليب يعكس رغبة قوية في تحقيق التميز والوصول إلى العالمية، حيث باتت المنصات الرقمية نافذة مفتوحة على السوق الدولية، وأضاف أن هذه الجرأة مدفوعة بعدة عوامل، منها التأثير النفسي للنجاح السريع الذي تحققه بعض الأمثلة البارزة، إلى جانب التحفيز الذي تولده قصص النجاح المتداولة على الشبكات الاجتماعية.
ورغم إيجابيات هذه الظاهرة في تعزيز الابتكار والتطور، حذّر الدكتور بن حليمة من الجانب السلبي لها، حيث قد تؤدي الأساليب الجريئة إلى تجاوز الحدود الاجتماعية والقيم الثقافية، ما قد يثير جدلا ويؤثر على صورة المروّجين محليا ودوليا.
وأضاف أن المسؤولية ليست على الأشخاص فقط، بل على المجتمع الرقمي بأسره، الذي يجب أن يعزز قيم الأصالة والاحترام في الترويج، مشيرا إلى أن الجمهور اليوم، أصبح يبحث عن الإثباتات الواقعية، بعيدا عن المبالغات التسويقية التقليدية، وهو ما يحدث عندما يرى الزبائن تجربة حقيقية أمم أعينهم، يصبح من السهل كسب ثقتهم.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس