أفريقيا برس – الجزائر. منذ تعيينه على رأس الغرفة الزراعية الجزائرية في عام 2022، أضفى المهندس محمد يزيد حمبلي، حركية لافتة على نشاط الغرفة التي تساهم في هيكلة وتأطير الفاعلين في القطاع، مستفيدا في ذلك من رصيده الأكاديمي ومن خبرته الميدانية في القطاع، ومن الورقة البيضاء التي تشرعها الحكومة لكل الفاعلين، على أمل النهوض بالقطاع وكسب رهان الأمن الغذائي.
ويسجل المهندس محمد يزيد حمبلي، حضورا مميزا في التظاهرات الرسمية والميدانية، فهو دائم الاحتكاك بالمزاعين والمهنيين والمستثمرين، من أجل الاستماع الى انشغالاتهم، كما يفضل تأطير القطاع انطلاقا من الحقل والمزرعة وليس من المكاتب الادارية، للقطع مع ممارسات بيروقراطية ومع آليات التسيير القديم الموروثة عن الحقبة الاشتراكية.
رئيس غرفة الزراعة، يعد واحدا من الجيل الجديد، الذي يسعى الى تحرير القطاع من التعقيدات الموروثة والمصالح المتقاطعة، والمضي به الى الطبيعة الشفافة والمجردة من التصورات البالية، والعمل على تغيير الذهنيات من المزارع الموظف، الى المزارع المنتج المكلف بمهام الانخراط في سياسات النهوض بالقطاع والتكيف مع آليات العصرنة والمساهمة في تحقيق الأهداف الاستراتجية للدولة.
وللاطلاع أكثر على واقع وآفاق القطاع الزراعي في الجزائر، وطموح الحكومة لتحقيق أهداف الاكتفاء الذاتي وكسب تحدي الأمن الغذائي، ومشاركة غرفة الزراعة في معرض التجارة البينية الافريقية، طرح عليه “أفريقيا برس” أسئلة من زوايا مختلفة.
كيف تقيمون مشاركتكم في معرض التجارة البينية الأفريقية؟
الغرفة الوطنية الزراعية كانت حاضرة بقوة في معرض التجارة البينية، ويمكن تقييم مشاركتها بالايجابية، قياسا بالتفاعل اللافت للجمهور وللفاعلين المشاركين من مختلف الدول الأفريقية وغير الأفريقية، الذين اكتشفوا عبرها الامكانيات الزراعية للجزائر وقدرة انتاجها على التنافسية ودخول الأسواق القارية والجهوية، حيث تحوز الغرفة على جزء من الصفقات التي أبرمت في المعرض، والتي يعلم الجميع أنها فاقت سقف الـ 11 مليار دولار، وهو ما يعادل 23 بالمائة من مجموع الصفقات البينية المبرمة، وقد أبرم العديد من المزارعين الخواص اتفاقيات تصدير مواد زراعية مع متعاملين مع عدة دول افريقية كموريتانيا وليبيا ونيجيريا.
ماهي الخلاصات المستنتجة في المجال الزراعي خلال معرض التجارة البينية الافريقي؟
تبرز الأرقام التي فاقت التوقعات في الطبعة الرابعة التي احتضنتها الجزائر، فعائد الصفقات فاق سقف الـ 48 مليار دولار، منها 23 بالمائة استحوذت عليها الجزائر، التي كانت تطمح الى بلوغ رقم 20 بالمائة كأقصى تقدير، أن القارة الأفريقية لا زالت بيئة مفتوحة وواعدة، فرغم أن بيانات التبادل التجاري البيني لا زالت ضعيفة مقارنة بالقارات الأخرى، وحتى مساهمة القارة في النشاط التجاري العالمي لا زال محدودا، إلا أن المؤشرات المسجلة في مثل هذه التظاهرات توحي إلى الارادة القوية لدى الأفارقة من أجل مسح صفة الجوع والتخلف الذي لازمها طيلة العقود الماضية، حيث أبرزت بعض التجارب الزراعية كالجزائر ورواندا وجنوب أفريقيا وأثيوبيا عن امكانيات وقدرات معتبرة لتحييد القارة عن التبعية الغذائية للقوى التي توظف غذاء الانسان لأغراض أخرى.
القارة السمراء محظوظة، بقدراتها ومؤهلاتها الزراعية، ومثل هذه التظاهرات بامكانها تعريف الأفارقة ببعضهم البعض وبارساء آليات تعاون وتبادل وفق مصالح ربحية متبادلة، ولعل قدرتها على انتاج مختلف الأصناف والمواد الزراعية بسبب التنوع المناخي والتضاريس الجغرافية، والارادة التي تبديها الحكومات والهيئات القارية، كلها أوراق بامكانها كسب رهان الأمن الغذائي والخروج من التبعية.
القطاع الزراعي تحول الى رهان في برنامج القيادية السياسية في البلاد من أجل كسب تحدي الأمن الغذائي، هل أنتم في مستوى ذلك؟
فعلا منذ قدوم الرئيس عبدالمجيد تبون، الى رئاسة الجمهورية نهاية العام 2019، صار القطاع الزراعي في البلاد يحظي بأهمية وأولوية في السياسات الحكومية، خاصة في ظل الطموح الصريح لكسب رهان الأمن الغذائي، ولذلك شهد القطاع العديد من الاصلاحات العميقة والجذرية خاصة فيما يتعلق بالزراعة الصحراوية وتربية المواشي وزراعة المحاصيل الاستراتجية، من أجل التوفيق بين جميع أطراف المعادلة التنوية، فمن أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليص فاتورة استيراد المواد العلفية واللحوم الحمراء، يتم التركيز على استصلاح المزيد من المساحات الزراعية وتوسيع زراعة الذرى والقمح الصلب، واقامة استثمارات واعدة في مجال زراعة الاعلاف وتربية المواشي، كما هو الشأن بالنسبة لمشروع “بلدنا” الجزائري- القطري في منطقة أدرار، الذي يراهن عليه لتوفير نصف حاجيات استهلاك حليب الغبرة، ومشروع الشراكة مع الايطاليين في مجال زراعة القمح أيضا، حيث حققت الجزائر الاكتفاء الذاتي في النوع الصلب بداية من هذا الموسم.
ما هي الآليات الجديدة التي وضعتها الجزائر للنهوض بالقطاع الزراعي؟
منذ قدوم الرئيس تبون، الى رئاسة الدولة، ظهرت نوايا حقيقية في النهوض بالقطاع الاستراتيجي الذي يعد صمام أمان الأمن والسيادة الوطنية، حيث وضع الجميع أمام الحقيقية وكشف الشعارات المزيفة في مجالات المساحات المستصلحة وعدد رؤوس الماشية، فكان منتسبي القطاع والجزائريين عموما يتداولون ثلاثة ملايين هكتار و28 مليون رأس، بينما الحقيقة هي أقل بكثير (أقل من مليوني هكتار ونحو 17 مليون رأس)، وهذا لوضع الحكومة والفاعلين والشارع الجزائري عموما أمام الحقيقة، وعلى مرارتها كانت الانطلاقة الى أهداف محددة ومدروسة، فقفز القطاع الى مساهمة فاقت 30 مليار دولار في الناتج الداخلي الخام خلال سنوات قليلة فقط.
الرجل الأول في الدولة أبدى حرصه على دعم البنوك والمستثمرين، وتشجيع وسائل التخزين والتبريد واحصاء الأراضي الزراعية ورؤوس المواشي والناشطين في القطاع، ورقمنة النشاط الزراعي ورفع الاجراءات الادارية البيروقراطية، وتشجيع الزراعات الصحراوية ومساعدة المنتجين على تصدير بضائعهم.
لكن التغيرات المناخية وظهور بوادر الجفاف في البلاد والمنطقة عموما، ألا يهدد القطاع الزراعي؟
فعلا الجزائر واحدة من البلدان الواقعة في محيط معرض بقوة لتداعيات التغيرات المناخية، وهي ليست بعيدة عن مخاطر الجفاف، لكن السياسات الحكومية تذهب الى التعاطي الذكي مع الظاهرة، بتحقيق التوازن بين الانتاج وكميات المياه المستهلكة عبر مكننة وعصرنة وسائل الري، وتوسيع الاستفادة الممكنة من التساقطات المطرية، واستغلال المياه الجوفية في الصحراء.
كما تتوجه الحكومة الى توسيع المساحات المسقية إلى مليون هكتار إضافية باستعمال المياه المستعملة، في اطار الاستشراف بزيادة النمو الديمغرافي للبلاد التي ستصل إلى 55 مليون نسمة في غضون سنوات، ولذلك فان زيادة الطلب على الغذاء يجعلنا نفكر في الرفع من مردودية الإنتاج كما ونوعا، من خلال رفع المساحات المسقية وتوفير موارد غير تقليدية للسقي كالمياه المستعملة المصفاة والتي تعتبر مصدرا مهما، إلى جانب المياه السطحية والجوفية ومياه البحر المحلاة.
فضلا عن اطلاق حرية المبادرة للمزراعين وتقليص دور الادارة التي لا يتوجب أن تقرر بدلهم، لاسيما وأن الحلول والاقتراحات تأتي من طرفهم لأنهم هم من يتعامل مع الميدان ومن يملك البيانات الحقيقية، وأن التعاونيات هي أساس التنمية الزراعية، وأن الذهاب إلى زراعة عصرية ومتطورة يستوجب تفعيل وتدعيم النظام التعاوني، نظرا لأهميته في ظل التغيرات المناخية و نقص العقار الفلاحي.
برزت الزراعية الصحراوية في الجزائر كملاذ آمن لتحقيق الأمن الغذائي، هل من تفاصيل في الموضوع؟
الاستثمار في الزراعات الاستراتيجية بالجنوب من شأنه أن يبعث حركية تنموية في الولايات الجنوبية، كما يلبي حاجيات الساكنة المتزايدة في مختلف أنحاء البلاد، ولذلك تطرح الحاجة لتوسيع المساحات الزراعية عبر التوجه إلى الجنوب أين تتوفر المساحات والمياه الجوفية، فالقدرات الزراعية التي تتوفر عليها ولاية النعامة، بالجنوب الغربي للبلاد، كبيرة جدا ويمكن أن تصبح منافسا قويا لولايات الجنوب الشرقي كبسكرة ووادى سوف، وأن المزايا والتسهيلات التي تقدمها الحكومة، لاسيما من حيث أسعار الطاقة، تجعلها جاذبة للاستثمارات الداخلية والخارجية.
سلة الغذاء الجزائري، ستتحول الى الجنوب بعد عقود من هيمنة الشمال عليها، واذا كان لتراجع المردودية والعائد في الولايات الساحلية، بسبب تقلص المساحات الزراعية وانهاك التربة وارتفاع تعداد السكان، فان مستقبل الغذاء الجزائري وحتى الجهوي ستكون وجهته الى المحافظات الجنوبية، حيث أثبتت التجارب المسجلة عن قدرات ضخمة في انتاج مختلف المواد الزراعية، ولعل تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال القمح الصلب (1.5) مليون طن، تحقق بفضل الزراعة الصحراوية التي تتوفر على المساحات اللازمة والمياه الجوفية، كما أن الشراكة مع القطريين والايطاليين في مجال الحبوب وتربية المواشي وانتاج الحليب سيغير الخارطة الزراعية الجزائرية كلية خلال السنوات القليلة القادمة.
يجري الحديث عن تطهير القطاع من الدخلاء والانتهازيين، كيف يتم ذلك؟
هناك عملية احصاء ورقمنة غير مسبوقة في القطاع، بغية الوصول الى خارطة حقيقية ومضبوطة للمزارعين والمهنيين والناشطين في القطاع، من أجل تحييده عن ممارسات الاستنزاف التي كان يتعرض لها من طرف المتطفلين والانتهازيين الذين كبدوا الخزينة العمومية أموالا طائلة استفادوا منها تحت غطاء الاستفادة من الدعم الحكومي.
الإحصاء يهم الفلاحين، المستثمرين، الموالين والمنتجين على حد سواء، وذلك لمعرفة إمكانيات وقدرات القطاع وتخطيط برامج الإنتاج والتفاوض مستقبلا مع السلطات بشأن التسويق والتخزين والاستيراد والتصدير، والعملية ستعود بالنفع على مهنيي القطاع، لاسيما وأن الحكومة سخرت كل الإمكانيات لذلك، وسيتم إبعاد الدخلاء على القطاع وتوجيه آليات الدعم إلى المزارعين الحقيقيين.
وسيسمح بإحصاء المواشي، والأراضي الزراعية، وتحديد مواقع المستثمرات الزراعية بشكل دوري، ما سيجعل من المنصة أداة لمساعدة السلطات العمومية على وضع استراتيجياتها الزراعية المستقبلية.
كما عملت الغرفة الوطنية للزراعة، منذ إطلاق البطاقة المهنية للفلاح سنة 2023، على تحديث هذه البطاقة لتسهيل عملية الوصول بطريقة رقمية إلى بيانات دقيقة عن المزراعين والموالين، وقد تم توزيع حوالي 500 ألف بطاقة السنة الماضية، وأن الهدف هو توقيع اتفاقيات مع مختلف الشركاء على غرار الديوان المهني للحبوب والبنوك والسلطات المختصة، لاستعمال المنصة الرقمية “غرفتي” التي تسمح بالاطلاع على معلومات الفلاح من خلال رمز الاستجابة السريع الموجود على البطاقة المهنية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس





