أزمة سيولة حادة بمراكز البريد

16
أزمة سيولة حادة بمراكز البريد
أزمة سيولة حادة بمراكز البريد

افريقيا برسالجزائر. تجدّدت أزمة السيولة المالية بمختلف مراكز البريد عبر الوطن، في الأيام الأخيرة بشكل أكثر حدّة، حيث يعاني المواطنون لساعات في طوابير طويلة، معرضين أنفسهم لخطر عدوى كورونا ثم يعودون أدراجهم خائبين، على أمل تجربة حظهم في اليوم الموالي ومنهم من بات يصطف في الطابور في الساعات الباكرة قبل فتح المراكز للتمكن من سحب أموالهم قبل نفاذ الكمية القليلة إن وجدت وهو ما يجعل الوضع حرجا وغير مطمئن، رغم رسائل التطمين التي يحاول المسؤولون عن القطاع تمريرها بين الحين والآخر.
خلال جولة ميدانية قادت “الشروق” الى مراكز البريد في الوطن وقفنا على حالة استياء كبيرة وتذمر للمواطنين الذين عبروا عن سخطهم بسبب عدم تمكنهم من سحب أموالهم على مدار أيام عديدة، حيث أكد غالبيتهم أنهم قضوا أكثر من أسبوع في غدو ورواح على مراكز البريد القريبة منهم قصد سحب رواتبهم دون جدوى ففي كل مرة يقابلهم الأعوان على الشبابيك بأن الأموال نفذت أو لا توجد أصلا.

طوابير طويلة منذ الصباح الباكر

وكشف هؤلاء المواطنون عن معاناة كبيرة، بعد أن باتوا عاجزين عن تلبية احتياجات أسرهم ناهيك عن ما يكابدونه من مشقة الانتظار في الطوابير لساعات وما ينجر عنه من تعطيل لمصالحهم وتأخرات عن عملهم وكذا تعريض حياتهم وحياة ذويهم لخطر العدوى بفيروس كورونا، نظرا لعدم احترام إجراءات التباعد في عديد المناطق وما ينجم أثناء الانتظار من مشادة وملاسنات تتطلب التدخل لإبعاد المتخاصمين، مع تسجيل حالات إغماء لبعض المسنين والمرضى.
ويؤكد عبد الناصر من ولاية قسنطينة أنه يضطر للاصطفاف أمام مركز البريد على السابعة صباحا لسحب أمواله بعد أن جرب حظّه مرات عديدة في النهار دون جدوى، والحال ذاته في ولاية معسكر التي تشهد هذه الأيام إقبالا غير مسبوق للمواطنين نظرا لفشل محاولاتهم المتكررة في سحب الأموال وهو ما جعلهم يخرجون في حدود الساعة السادسة والنصف صباحا للظفر لـ”افتكاك” مبلغ يسير يغنيهم سؤال الناس أو الاقتراض منهم.
وفي ولاية ورقلة اضطر البعض إلى التنقل نحو الولايات المجاورة التي تعرف وضعا اقل حدة لسحب أموالهم، بعد أن تحولت بعض مكاتب البريد إلى هياكل دون معنى.
وتشهد عاصمة البلاد عبر مختلف المقاطعات الإدارية في الحراش وحسين داي ودرارية وضعا مماثلا، ما فرض الضغط على بعض المراكز التي لا تزال تقدم هذه الخدمة، ويجمع المواطنون القاصدون لها أنهم ينتظرون في الطوابير قبل فتح المراكز أبوابها وينظمون أنفسهم رجالا ونساء، غير أنهم انتقدوا غياب مساحات مهيئة بجوار المركز للمسنين أو المرضى.

تسقيف المبالغ يثير الاستياء ويغذي تفشي الوباء

واشتكى بعض المواطنين من تحديد المبلغ الممكن استخراجه إن توفرت السيولة، بعد تسقيف المبالغ في حدود 30 ألف بالنسبة للموزعات الآلية و100 ألف بالنسبة للصكوك البريدية، معتبرين الوضع بغير المقبول تماما.
وتساءل المواطنون عن الأسباب الحقيقية لاستمرار الأزمة على مدار عام تقريبا، من دون الحصول على إجابات شافية حتى الوعود المتكررة للمسؤولين بانفراج الأزمة لم تعد تقنعهم لأنها كما قالوا مجرد ذر للرماد في العيون.
ويرى هؤلاء المواطنون ان ترددهم لأكثر من مرة على مراكز البريد يزيد من تهديدات الإصابة بالعدوى حيث تعد الطوابير والاحتكاك مع الأخرين بيئة خصبة لانتقال الفيروس، رغم كل ما يحتاطن به لتفاديها من ارتداء للكمامات وتعقيم للأيدي الا أن البعض قد يتهاون أو يتجاهل فيحدث لهم الكارثة لاسيما وأن منهم من لايزيح كمامته بين الحين والآخر أمام عدم قدرته على التنفس.

“ماكانش الدراهم” شعار مراكز البريد

وتسببت أزمة السيولة في حرج كبير للموظفين أمام الزبائن رغم التوضيحات التي يقدمونها بأن الأزمة تتجاوزهم وأنهم مجرد موظفين لا علاقة لهم باتخاذ القرار، وأحيانا يصب بعض المواطنين جام غضبهم على الأعوان مما يضطر المكلفين بالأمن إلى التدخل لفك تلك الصدامات.
وقصد تجنب تكرر هذه المشاهد بادرت بعض المراكز إلى رفع لافتة “ماكانش الدراهم” أو “لايوجد اموال” كي تقطع الطريق أمام أي حالة تعصب أو نرفزة ينجر عنها ما لا يحمد عقباه.

الحل لدى البنك المركزي

في السياق أفاد الدكتور حميدوش محمد الخبير لدى المؤسسات المالية، في تصريح للشروق اليومي، أن الأصل في المشكل أولا وأخيرا هو بنك الجزائر وأن أي تشخيص أو وصفة خارج هذا الإطار تبقى خاطئة، داعيا إلى عدم تمييع الأزمة وإخراجها عن سياقها بتفسيرات لا أساس لها.
وركّز المتحدث في تدخّله على أهمية معالجة الأزمة وفق نظرة نظامية وقاعدة العرض والطلب، معتبرا أن قرار تقليص الطلب غير صائب ويتنافى والمعاملات المالية والتجارية، مشيرا الى أن مراكز البريد رفعت عدد خدماتها وزبائنها فكلما زادوا زادت مداخيلها.
واستطرد الدكتور حميدوش لا زلنا نسير الأزمة النقدية وفق آليات تقليدية مع أن الوقت، حان لتدارك الأمور ومسايرة الأساليب العصرية والمتجددة في هذا المجال استثنائي.
ونفى الخبير أي علاقة للأزمة بالوضع الاقتصادي العام أو أزمة كورونا في نقص السيولة في المراكز البريدية التي تعد، حسبه، مؤسسات مسيرة تودع لديها الأموال وتسحب فقط.
وأردف المختص أن الاختلالات التي تحدثها المناسبات تستمر تأثيراتها وتداعياتها لأشهر عديدة فما بالك بما يحدث حاليا.
وتأسّف المتحدث لاستمرار مشكل السيولة على مدار عدة أشهر رغم اجتماع عديد الأطراف ذات الصلة في وقت سابق لتدارس الأزمة وإيجاد حلول فعلية لها، وهو ما يؤكد وجود خلل لوجيستيكي على مستوى بنك الجزائر في معالجة أو احتواء الأزمة وعدم القدرة على تسيير السوق النقدي.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here