أفريقيا برس – الجزائر. في 29 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بدأت الجزائر تنفيذ خطة إعادة ترميم “السد الأخضر” وتوسعته، ضمن مشروع لإعادة تأهيل الأنظمة البيئية الطبيعية لضمان قدرتها على الصمود في مواجهة التغيرات المناخية والتصحر، بما يشمل 4,7 ملايين هكتار في 13 ولاية يبلغ عدد سكانها نحو سبعة ملايين نسمة. وتضم الخطة تنفيذ مشروعات تشجير، وملء خزانات المياه، وفتح مسارات وطرق جديدة، إضافة إلى الجوانب المتعلقة بالأنشطة الاقتصادية التي يشارك فيها السكان.
بعد أكثر من عام على بدء المشروع، أكد تقرير للمديرية العامة للغابات، صدر في 19 يناير/كانون الثاني الحالي، أنه تم “تنفيذ 64% من المستهدف في ما يخص التشجير، وتم استكمال أعمال حماية التربة، بما في ذلك وضع حواجز لحماية المراعي التي تمثل 63% من مساحة السد الأخضر، بهدف زيادة وحدات إنتاج الأعلاف. هذه النتائج المشجعة تعطي مؤشرات على تحقيق كامل الأهداف المحددة بحلول 2030، خاصة مع توفر الوسائل والإمكانيات، وبروز العوائد الإيجابية على السكان، والدور الذي يلعبه هذا الحزام في مكافحة التغيرات المناخية”.
و”السد الأخضر” هو جدار بيئي من الأشجار والمحيطات البيئية الموجهة إلى منع زحف الرمال، وزيادة استصلاح الأراضي، وتكثيف الغطاء النباتي في المناطق الصحراوية والسهوب، وأطلقته السلطات الجزائرية في سبعينيات القرن الماضي، وتولى إنجازه في الأساس شبان الخدمة العسكرية، إضافة الى متطوعين من المجتمع المدني، وساهم المشروع في وقف زحف الرمال، وتثبيت التربة، والحفاظ على خصوبة الأراضي، وخلق مناطق للرعي في منطقة السهوب بوسط البلاد، وهي المنطقة الفاصلة بين الصحراء ومناطق الشمال.
ويؤكد الناشط البيئي أحمد ملاح لـ”العربي الجديد”، أن “المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والأزمة الأمنية التي شهدتها البلاد في التسعينيات، دفعت الحكومة إلى تجاهل استكمال المشروع، وعدم وضع خطط لتجديد الأجزاء التي تحتاج إلى ذلك، ما أعاد المشكلات البيئية، خاصة زحف الرمال باتجاه وسط البلاد، ووصول موجات من الجراد إلى الشمال قبل سنوات، إضافة إلى التغيرات المناخية العميقة وآثارها الوخيمة، وكلها أسباب دفعت الحكومة إلى إعادة التفكير في تجديد السد الأخضر كحاجز بيئي وغابي يحقق الكثير من الأهداف، ويعزز الأنشطة الزراعية”.
وطلبت الحكومة الجزائرية تمويلاً من صندوق المناخ الأخضر التابع للأمم المتحدة ومنظمة التغذية العالمية “فاو”، لدعم خطة استكمال المشروع، كما سعت للحصول على حزمة تمويل بقيمة 128 مليون دولار لترميم جدار السد الأخضر خلال السنوات السبع المقبلة، إذ تطمح البلاد إلى زيادة الغطاء الغابي إلى 4,7 ملايين هكتار بحلول عام 2035 لتعويض الخسائر الفادحة التي تكبدتها خلال السنوات الخمس الأخيرة بسبب موجة حرائق الغابات، والتي أتلفت بحسب التقارير الحكومية أكثر من 200 ألف هكتار من الغابات والغطاء النباتي، خاصة في شرقي البلاد.
لكن الحكومة الجزائرية لم تعلق مشروعها بالكامل على التمويل الدولي، إذ عمدت منذ إبريل/نيسان 2024، إلى وضع خطة لإعادة بناء السد الأخضر ليشمل أكبر مناطق ممكنة معرضة للكثبان الرملية، وتقرر في السياق نفسه استحداث شركات للعمل في مجال التشجير والريّ تتولى تنفيذ مشاريع تخص عملية التشجير وبناء المحيطات البيئية، وتدعمها الأنشطة التطوعية التي تقوم بها الجمعيات الأهلية والشبابية.
ويؤكد مختصون أن إعادة إطلاق مشروع السد الأخضر في وسط وجنوبي الجزائر، تتجاوز الحاجة البيئية والحمائية لهذا الحاجز الغابي والسد البيئي، إذ باتت تفرضها في الوقت الحالي ضرورات اقتصادية ولوجستية، بعد إطلاق الحكومة في السنوات الأخيرة مشاريع شق الطرق والسكك الحديدية، خاصة نحو الجنوب، حيث برزت بشكل لافت مشكلة زحف الرمال على الطرق وخطوط السكك الحديدية، ما يؤدي إلى تعطيل حركة السير.
ويلفت ناشطون في مجال البيئة والغابات والتشجير، إلى أن هذا المشروع حيوي في ما يخص الجزائر، وهو يتطلب دراسة منهجية تقوم على مراعاة الطبيعة المناخية للمنطقة، ومدى ملاءمة نوعيات محددة من الأشجار للطبيعة الصحراوية، ما يضمن نجاح المشروع، ويتيح أطول عمر ممكن للأشجار، مع ضرورة وجود خطة كاملة تخص الرعاية والسقي والمتابعة.
يقول رئيس جمعية “الجزائر الخضراء” فؤاد يعلى، لـ”العربي الجديد” إن “مشروع السد الأخضر من شأنه أن يحقق أهدافاً إيجابية عدة تتمثل في إحداث توازن بيئي ومناخي في ظل أخطار يمثلها التصحر، وأيضاً التغيرات المناخية التي عرفها العالم خلال السنوات الأخيرة، إضافة إلى إحداث بيئة جديدة تسمح بتكاثر بعض الأنواع الحيوانية، وإعادة الحياة إلى بعض المناطق شبه الميتة”.
ويؤكد يعلى “ضرورة مراعاة بعض الجوانب التقنية لنجاح المبادرات الخاصة بالتشجير، ومن بينها الدراسة التقنية الجادة لكل منطقة، وغرس الأشجار المناسبة للمنطقة، وتجنب الأصناف التي لا تتلاءم معها، والمتابعة اليومية بالسقي والتقليم، وتخصيص مشاريع في إطار المقاولات الشبابية من أجل متابعة هذه العمليات حتى لا يتم إتلاف الأشجار المغروسة، وضياع الجهد والمال الذي يتم تخصيصه لمثل هذه العمليات”. ويلفت إلى أن المشروع الوطني للتشجير يحظى باهتمام كبير، وأن مشروع السد الأخضر يأتي في سياق مجهود لافت لفعاليات المجتمع المدني التي أطلقت مبادرات سمحت بغرس أكثر من مليون شجرة في غضون السنوات الخمس الأخيرة، على غرار مبادرات “شجرة لكل بيت”، و”اغرس شجرة”، ومشروع “الجزائر الخضراء”، ما يعزز ارتفاع الوعي البيئي لدى الجزائريين، ويبرز اهتمامهم بالطرقات وبيئة المدن، والاقتناع بضرورة غرس الأشجار لخلق التوازن البيئي والحفاظ عليه.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس