أفريقيا برس – الجزائر. رغم الطقس الشتوي وبرودة الأجواء، مع زخات مطر تفاجئك بين الحين والآخر، إلا أن الحركية العالية لسوق الجملة للخضر والفواكه بواد العثمانية بولاية ميلة، كسرت تلك البرودة، بتلك الحيوية والنشاط اللذين يتشارك فيهما الجميع من تجار بائعين ومشترين، وعمال السوق من مختلف الفئات عمال وأعوان أمن ومراقبين.. وغيرهم. نحن على مشارف الشهر الفضيل.. هنا الجميع شهد الهلال قبل أيام من ظهوره، هنا الناس دخلت أجواء الصوم، هنا البضاعة تلوّنت بألوان رمضان. حرب الأسعار نحو التخفيض بدأت، وحرب السلع أيضا بين الجيّد والأجود أيضا انطلقت.
تنظيم ونظام للتحكم المرن في السوق
كانت الساعة تشير إلى الرابعة صباحا لحظة ولوجنا لسوق الجملة للخضر والفواكه ببلدية واد العثمانية شرق ولاية ميلة، المفتتح للنشاط منذ سنتين، وهو حاليا أحد أهم أسواق الجملة على المستوى الوطني ويصر التجار القادمون من كل مناطق الوطن على أنه الأهم والأكثر تنظيما ومقصدا في الجزائر، ورغم أن الساعة كانت باكرة إلا أن الحركية كانت عالية جدا، لمئات الشاحنات المختلفة الأحجام والأوزان وبمختلف ترقيم ولايات الوطن، حتى من تمنراست وتلمسان، حيث لم يكلفنا في ذلك العناء في البحث عن مكان السوق سوى تتبع الشاحنات عبر الطريق السيار شرق غرب قادمين من قسنطينة، لنلج عبر محوّل واد العثمانية بعد 15 دقيقة السوق.
ما وقفت عليه مصادر اعلامية، هو تلك السلاسة في الدخول للسوق، عبر حظيرة كبرى مهيأة، غابت فيها برك المياه والأوحال رغم أن الطقس كان ممطرا، كما أن الإنارة بها كسرت ظلام الليل المرافق لتلك الأجواء، والملفت للانتباه هو أنه لا توجد شاحنات مركونة خارج السوق، كالعادة المرتسمة في غالبية الأسواق، أين تجدها على حواف الطرق والأرصفة المحاذية للأسواق.
وبعد دفع رسوم الدخول للسوق من طرف التجار أو سواق الشاحنات، كان ولوج الشاحنات لأماكن أشبه بالمرافئ التي تتصاف فيها عشرات العربات في شكل دراجات نارية مجهزة خصيصا للعتالة وحمل صناديق الخضر والفواكه من خيرات بلادي لداخل السوق، أين تتلقفها في المرحلة الثانية العربات اليدوية بين الهيدروليكية منها وعربات الدفع والجر بالأيدي،لتأخذ مكانها المخصص وفق النوع.
الحركية والنشاط داخل أروقة السوق كانت جد عالية، فإدخال السلع للعرض يتم عبر بوابات مخصصة لذلك، مما سهل حركة التجار الذين كانوا يتجولون بين المعروضات من خضر وفواكه بكل أريحية، ومن هنا تنطلق صفقات البيع والشراء وفق أصولها التقليدية، المبنية على الشدّ والجذب بين العارض والزبون.
وما لفت انتباهنا خلال ذلك هو تواجد مكثف لعناصر الأمن الداخلي للسوق بزيهم الموحد وهندامهم النظيف، وهم يتجولون داخل الأروقة، يبدوا أن السبب ليس فقط الحفاظ على الأمن العام داخل السوق، لنسجلها كملاحظة ستكون سؤال لنا للقائمين على السوق عن سببها.
14هكتارا.. مرقد وعيادة ومركز أمن ومسجد
وفي المرحلة الثانية لجولتنا داخل سوق الجملة للخضر والفواكه بواد العثمانية، قصدنا المبنى الإداري للسوق، حيث كان في استقبالنا السيد يعقوب بحاري رئيس المكتب الولائي لوكلاء وتجار الجملة للخضر والفواكه بميلة والمنضوي تحت لواء اتحاد التجار والحرفيين الجزائريين، ليقدم لنا عرضا تقنيا على السوق الذي يغطي 14 هكتارا، ويضم عديد المرافق من مرقد وعيادة ومقر للأمن، وحظيرة كبرى لركن الشاحنات، ومسجد.. وغيرها من المرافق التي تحدث عنها أنها وضعت أساسا لمرافقة التاجر والوكيل والزبون من أجل خدمة نوعية تحقيقا لهدف سوق في خدمة المواطن.
إذ أفاد أن السوق يشغل بين أسواره المئات من العمال، فإضافة لعمال الإدارة وأعوان الأمن والرقابة الداخلية والتنظيف، يعد السوق مصدر رزق لأزيد من 1200 عتال يشتغلون بعربات الجر بواسطة محركات ميكانيكية، وأزيد من 400 عتال يشتغلون بعربات الدفع الفردي، ناهيك عن عمال العتالة والحمل اليدوي.
وعن تسيير السوق أفاد المتحدث أن السوق مسير من طرف المؤسسة العمومية لتسيير أسواق الجملة، وبتكاثف بينهم كشريك اجتماعي وبين المؤسسة المسيرة المؤسسة العمومية الاقتصادية لانجاز وتسيير أسواق الجملة ماقروس ومديرية التجارة بولاية ميلة يسعون لتلبية السوق الوطنية عموما والجهوية خصوصا بأفضل السلع.
اعتماد القناة التسويقية الأقصر
وكشف رئيس المكتب الولائي للوكلاء وتجار الجملة للخضر والفواكه بميلة، أن تسيير السوق يخضع لاستراتيجية عميقة، بهدف تحقيق الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن، عبر اعتماد وتفضيل القناة التسويقية المباشرة من الفلاح مباشرة نحو تاجر التفصيل النهائي، دون وسطاء وسماسرة، وهو ما حقق بالفعل حسبه نتائج جد مهمة، نلمسها عبر عديد الأسواق الجوارية بمختلف ولايات الوطن التي تتخذ سوق واد العثمانية كمورد لسلعها.
مبرزا أن حجم العروض اليومي يزيد عن خمسة آلاف شاحنة تلج لسوق واد العثمانية من مختلف مناطق الوطن، إما عارضة أو زبونة، وأن سياسة السوق الداخلية تمنع أي وساطة أو عملية سمسرة من شأنها رفع أسعار الخضر والفواكه، ليجيب عن سؤال المسجل سابقا، أن السبب وراء وجود المكثف لأعوان الأمن الداخلي، الذين يتدخلون وفق صلاحيات محددة لرفع أي حالة وساطة أو سمسرة للإدارة التي تتخذ إجراءات جد صارمة حيال تلك العمليات تصل حد المنع النهائي للدخول للسوق من طرف المخولين بذلك.
كما أوضح بحاري يعقوب أن السوق أصبح قبلة حقيقية لتجارة الخضر والفواكه، أولا من ناحية الخدمات المتوفرة داخله سواء للتجار أو سائقي الشاحنات وحتى مرافقيهم من عمال وعتالين، زد على ذلك فرسوم الدخول للسوق لا تزيد في أقصها عن مبلغ الألفين دينار، وهو ما حقق إقبالا واسعا للتجار بسبب ذلك، فالغاية الحقيقية هي تحقيق نشاط تجاري فعلي وفعال، وليس تحصيل ريع المكس.
التجار الذين تحدثنا إليهم كانوا في قمة الاطمئنان، بعضهم قارن ما بين سوق 2024 وسوق 2023، وخلص إلى القول “الحمد لله لأن الإنتاج زاد فعلا وتضاعف والأسعار نزلت وضمنت البيع من دون إشكاليات الموسم الماضي والذي قبله، البعض الآخر بدا متفائلا بما هو قادم من أيام بعد الأمطار المهمة جدا التي تساقطت على كامل أنحاء الوطن، ما سيضمن استمرارية واستقرار إلى غاية الخريف القادم على الأقل، حيث تبشر الظروف المناخية بصيف طازج بخضره وفواكهه وحتى بحبوبه بحسب الاستشرافات التي التقطها التجار من بعض الفلاحين الذين يأتون لهذه السوق لبيع منتجاتهم. وكما كانوا الموسم الماضي في قمة حسرتهم بدوا هذه المرة في قمة سعادتهم.
كل الفواكه والخضر الموسمية وغير الموسمية متوفرة
وإن كانت لوحات ترقيم الشاحنات التي صادفناها في طريقنا للسوق خير دليل على استقطاب هذه السوق لتجار وزبائن من مختلف أرجاء الوطن، فإن المعروضات أيضا كانت لها كلمتها في ذلك، بين بطاطا معسكر وبطاطا بسكرة وواد سوف، وجزر ولفت غليزان والشلف وبرتقال متيجة والطارف وسكيكدة،.. ومنتجات وخيرات الجزائر الموسمية وغير الموسمية التي كانت متوفرة كمّا ونوعا.
وبين عديد الأسماء المتداولة بين التجار وتنم على أن العلاقة تعدت بينهم من علاقة تجارية بحته إلى علاقة اجتماعية، لمسناها بالمناداة الغالبة بأسماء متداولة بالمناطق المتفرقة للوطن من قادة وهواري وأخرى بكنية للمنطقة مثل البسكري والسوفي والقسنطيني.. وغيرها.
الحاج أحمد وهو من فلاحي الوادي والزبير غنايمي وغيرهم أدلوا أن السبب من وراء قصدهم لسوق العثمانية، هو الجدية في التعامل التجاري من دون سماسرة أو وسطاء لتحقيق العملية التجارية، وهو ما يحقق حسبهم توازنا في الأسعار المطلوبة من طرف المستهلك، اضافة إلى الخدمات التي جنبتهم المعاناة السابقة، فكل شيء متوفر داخل السوق، حتى الصلاة تتم داخل مسجد السوق، وعمالنا يمكنهم الاستراحة داخل المرقد بسعر رمزي زهيد 500 دينار للسرير لليلة الواحدة، وهو المرقد الذي تحتوي غرفه على دوش ودورة مياه خاصة بكل غرفة، كما يوجد به مكتب لحفظ الأمانات.
لا يمكنك أن تتصور فاكهة أو نوعا من الخضر، ولا تجده في هذا السوق، بما في ذلك الفواكه الاستوائية، أما المنتجات الجزائرية فكلها موجودة بما في ذلك البعيدة عن موسمها، من عنب وإجاص وبطيخ بكل أنواعه، حرب منافسة مفتوحة وشرسة، بعد أن دخل أهل الجنوب الشرقي والغربي بقوة في المنافسة، بجودة ما أنبتت أراضيهم. ولأننا على مشارف شهر رمضان المبارك، فإن التمر تربع على رقعة مهمة في السوق، حتى أنك تجد العشرات من الأنواع والأشكال والأذواق، وكلها تجد من يشتريها ويُشرق بها أو يُغرّب.
للمستهلك نصيب من المعروضات وبأسعار جد منخفضة
زيارتنا لسوق الجملة للخضر والفواكه بواد العثمانية، كشفت لنا أنه بإمكان الزبائن من المواطنين العاديين الولوج للسوق بعد انقضاء ساعات البيع الرسمية بالجملة والتي تنتهي عادة الساعة الثالثة زوالا، لاقتناء مستلزماتهم اليومية، أين صادفنا بعضهم وهم يتسوقون على غرار بوبكر وهو عامل، وعمي أحمد المتقاعد وحتى بعض الشباب أنيس وعبد اللطيف، أنهم يقصدون السوق بصفة منتظمة مرة كل أسبوع، يشترون ما يلزم للمطبخ من خضر وفواكه بأسعار الجملة، وذلك بعد انتهاء الدوام الرسمي لعمليات البيع بالجملة.
ومن جملة ما كشفه السيد بحاري يعقوب، أن سوق واد العثمانية سيحتضن قريبا داخله بنكا ومركزا بريديا، يكون لهما دور حقيقي وفعال بالنسبة للتحويلات المالية لفائدة التجار والوكلاء، وذلك بما يحقق الأمان الفعلي لهم، البعيد عن أي مجازفة ومغامرة بعرق الجبين الذي تقطع من أجله مئات الكيلومترات.
وعن الخدمات المؤدية لصالح رواد السوق من تجار ووكلاء وزبائن وعمال، أكد السيد بحاري يعقوب أن السوق خلال شهر رمضان المعظم الذي لا تفصلنا عنه إلا أيام سيتميز بخدمات لصالح كل الفئات، أين ستخصص وجبات ساخنة مجانية من المنتظر أن تزيد عن الألف وجبة يوميا، متكاملة ومنوعة، وهي بالتضامن بين التجار من المنطقة ومحسنين، فضيوف ميلة سيحظون بكامل الرعاية خلال الشهر الكريم، كاشفا أنه خلال السنة الماضية تم تخصيص أزيد من 500 وجبة إفطار متكاملة ومتنوعة لصالح ضيوف ولاية ميلة.
كما أكد أن المسجد المتواجد بالسوق سيحتضن صلاة للتراويح، وهذا من أجل أن ينعم المتعاملون والعمال بأجواء رمضانية تكون أقرب لتلك الأجواء ببيوتهم ومدنهم.
وكشف السيد بحاري يعقوب رئيس المكتب الولائي لوكلاء وتجار الجملة للخضر والفواكه بميلة، أنه تم تقديم طلب للمؤسسة المسيرة لأسواق الجملة للخضر والفواكه، بغرض تحقيق ملحقة أخرى لتوسعة السوق، وذلك بالنظر للإقبال الكبير الذي حققه من طرف التجار والوكلاء، وهو الطلب الذي يتمنى من السلطات المحلية والمركزية النظر فيه، بما يمكنه من تقديم إضافة حقيقية كسوق عصري يتبع الأساليب الحديثة في التسيير ومرافقة التجار والوكلاء بغرض تحقيق الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن المستهلك.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس