أفريقيا برس – الجزائر. يتسابق العديد من المستثمرين والحرفيين، ولوج مجال العطور والزيوت الأساسية والطبية وإنشاء “ماركات” جزائرية تحمل صبغة محلية، للدخول إلى المنافسة العالمية بغية المساهمة في بناء اقتصاد جديد خارج المحروقات، وذلك لن يتسنى إلا بالعودة إلى استغلال موروث الأجداد وإدخال جانب من العصرنة عليه لاسيما وان المجال عرف أوج ازدهاره لدى السلف، لعائلات لا يزال بعضها محافظا على الأساليب التقليدية في التقطير، أبرزها عائلات بليدية بمنطقة بوفاريك، ذاع صيتها خلال الفترة الاستعمارية في إنتاج العطور والتقطير وغيرها من الحرف المماثلة التي كانت مصدر رزقهم الموجه للتصدير.
ولأن الجزائر مشهورة بثروة نباتية معروفة ومستخدمة منذ الأزل، فضلا عن مناخها المتنوع الذي يعتبر بيئة خصبة للتفكير في جلب أصناف أخرى من الورود والنباتات الموجهة لمشاريع العطور والزيوت الطبية والأساسية، ما يساعد المهتمين بالمجال الانطلاق في تجسيد الكثير من المشاريع التي تعد مربحة للغاية، لنشاط قابل للتطوير والتعديل بسهولة وناجح بسبب كثرة الطلب على العطور من جهة، وشيوع استخدامها في جميع الأوقات، كما أن أسعار المواد الخام للعطور تعد منخفضة نسبيا مقارنة بنشاطات أخرى من جهة مقابلة، مما يخفض تكاليف المشروع الذي لا يحتاج إلى موقع كبير، أو الكثير من الموظفين لإنجاحه، ومن ثمّ، إشباع السوق المحلية، ولِمَ لا الذهاب إلى غاية التصدير للخارج بمنافسة علامات عالمية..
المعارض لتنظيم المهنة والتقارب بين الحرفيين والمستثمرين
ويصر أهل المهنة على ضرورة تنظيم معارض وصالونات دورية، من أجل إحداث تقارب واحتكاك بين المستثمرين والحرفيين والمهتمين بالمجال، كالمنظم بحديقة التجارب بالحامة في العاصمة مؤخرا والخاص بالنباتات الطبية والعطرية، ضمن مبادرة تعتبر الأولى من نوعها بالموقع الذي يعد في الأصل ملتقى للتعريف بمختلف النباتات المتواجدة بالحديقة بعد 4 مبادرات سابقة، نظمت بمواقع مختلفة وفي مقدمتها الغرف الفلاحية.. ولأن الحديقة تعتبر أفضل المناطق للتقريب ما بين الحرفيين والمستثمرين والمواطن الزبون في المستقبل، تقول مديرة حديقة الحامة، بن مني كنزة سعدية، أن الصالون يعتبر ملتقى لكل الفاعلين في هذا المجال، من باحثين، حرفيين، مستثمرين، رواد القطاع لتبادل ومعرفة أكثر المستجدات في مجال يعرف تطورا واستثمارات متنوعة عبر العالم، حيث يسمح مثل هذه اللقاء كذلك بمنح تكوينات للشركات بغية الخروج بحلول كفيلة لتنظيم القطاع وتعبيد الطريق لمستقبل يحمل الكثير من التفوق والنجاح، لمجال فتي أو بكر غير مستغل يمكن الاستثمار فيه خارج مجال المحروقات، إذا ما منحت له نظرة إستراتيجية وتنظيما محكما. وذكرت مديرة حديقة التجارب، أن القطاع يعرف إقبالا من قبل الكثير من الحرفيين والمستثمرين الذين يهتمون بصناعة الزيوت الطبيعية ومنتجات “بيو”، غير أنهم يفتقدون للتنظيم الذي حان الوقت لتعبيد طريقه، بتجميع كل الفاعلين والحرفيين بحديقة الحامة، باعتبارها أكثر موقع ملائم لدورها المتعلق بتثمين النباتات والتعريف بها، وأشارت المتحدثة، إلى انه قد آن الأوان من أجل أن يتفطن المستثمرون لهذا المجال باستغلاله وخلق فرص عمل معه للشباب كون القطاع بكرا، يتطلب سوى استرجاع وصفات الأجداد وعصرنة الغطاء.
دخول السوق العالمية بمنتجات طبيعية
ولأن المستهلك بالعالم أسره تحول من البحث عن المواد المصنعة إلى الطبيعية، حفاظا على صحته، فيمكن للجزائر من هذا المنطلق كسب الرهان من خلال دخول عالم العطور والزيوت الأساسية والطبية الطبيعية، باتباع وصفات الأجداد وجعلها علامة تجارية تميز الإنتاج الجزائري الذي يمكن له بسط نفوذه ومنافسة ما هو معروض بالسوق العالمية منذ زمن بعيد حسب ما أشار إليه علالو حمدان، رئيس منطقة شمال إفريقيا لمؤسسة العطور الدولية في بروكسل ونائب رئيس مؤسس المجلس الوطني المهني للنباتات العطرية ومنظم ومؤسس صالون النباتات عندما أكد، أن قطاع العطور والنباتات العطرية والطبية بالجزائر وكذا المستخلصات الطبيعية، يشهد نموا مستمرا، يتطلب وقتا لإنعاش سوقه، مما يفتح آفاقا واعدة ومجالا خصبا للاستثمارات في مرحلتي ما قبل وبعد الإنتاج، وابرز أن إرثنا غني والإمكانات الطبيعية متوفرة، كلها مؤهلات تسمح للجزائر باعتلاء مكانة متميزة في الأسواق العالمية، وأشار المتحدث خلال مداخلته ابالمحاضرة المنظمة مؤخرا بفندق “سوفيتال” والتي حملت عنوان “العطور الطبيعية والنباتات العلاجية”، وخلال تصريح هامشي إلى التحولات المجتمعية في العالم والتي تبحث عن طرق للعودة إلى استخدام واستهلاك كل ما هو منتجات طبيعية حفاظا على الصحة، ضمن مجال يُطمح أن يسير بخطى ثابتة –حسبه- للوصول إلى الهدف المرجو، وهو إنشاء عطور محلية طبيعية تحمل علامة جزائرية محضة.
عائلات بليدية رائدة في المجال منذ القدم
وقالت من جهتها، رئيسة المؤسسة الدولية للعطور ومواد التجميل الطبيعية ببروكسل السيدة “كوغتوا”، خلال الكلمة التي ألقتها أثناء تواجها بفندق “سوفيتال” للمشاركة في المحاضرة ذاتها، أنه من الضروري إنتاج العطور بالجزائر والاستثمار في المجال، لأنها تملك كل المؤهلات لذلك، ولأن كل دولة تملك عطرا خاصا بها يتطلب من المستثمرين التسابق في المجال لإيجاد صبغة خاصة بهم، لاسيما وان الجزائر كانت من بين البلدان السباقة في إنتاج العطور الطبيعية منذ عقود طويلة، لعائلات من منطقة بوفاريك، اشتهرت بمصنع لإنتاج العطر وتقطير الورود وتصديره للخارج في فترة الاستعمار، وذكرت المتحدثة أن السوق الجزائري في حالة انتعاشه، يمكن أن يجد له أسواقا خارجية مثل الهند، ايطاليا، الصين وحتى بريطانيا، هذه الأخيرة ليس لديها إنتاج كبير في المواد الأولية، فضلا عن روسيا التي كانت في الماضي مهتمة بهذا المجال ومنتجة له قبل أن تتراجع، كلها بلدان –كما قالت- يمكن لها أن تكون سوقا خصبا لاقتناء الإنتاج الجزائري.
منافسة أكبر “الماركات” العالمية ليس مستحيلا
وذكرت المتحدثة، أن كل بلد له تاريخ عطره، ورثه عن أجداده ولِم لا تسترجع الجزائر ذلك، لأنها هي الأخرى رائدة في المجال، والتاريخ شاهد على ذلك لما خلفه الأجداد من حرف في الماضي، مشيرة أن السياحة في المجال، راجت في السنوات الأخيرة من خلال إدخال ثقافة قطف الورود في المواسم المعلومة لذلك، وهو ما يتطلب من الجزائر إدراج هذا المجال لإضفاء مداخيل، تهم المجال لاسيما وان بعض البلدان المصنعة تفتقد للعديد من أصناف النباتات والورود التي تتلاءم ومناخ الجزائر، وبالتالي جعلها من أهم الصادرات للدول المهتمة.
قد تبدو المنافسة في بدايتها صعبة للتفوق على أشهر “الماركات” العالمية في الزيوت الأساسية أو الطبية أو المستحضرات التجميلية المشهورة وحتى العطور العالمية، تلك التي استولت على عرش قائمة العطور العالمية طيلة عقود من الزمن، لكنها ليست مستحيلة باتخاذ الخطوات الجريئة مستقبلا، تماشيا والطرق الناجحة المتخذة من طرف بعض الدول التي برزت منتجاتها لتنافس أشهر العطور -حسب تأكيدات أصحاب المجال- شأن ما هي عليه الآن اسبانيا، ثم بعدها الإمارات والسعودية التي اشتهرت بعطر العود، ولِم لا الجزائر بعدهم، بدخول المنافسة بعطور تحمل علامة مميزة تختلف عما هو موجود بالأسواق..
الزيوت الأساسية واستخداماتها العلاجية
ويتسابق العديد من الحرفيين وأصحاب المخابر عبر التراب الوطني في الفترة الأخيرة، لإبراز ما جادت به أناملهم ومجهوداتهم في مجال التقطير وإنتاج الزيوت الطبيعية والأساسية ومستحضرات التجميل والأعشاب الطبية، شأن الكثير من التعاونيات الفلاحية الناشطة ومنها الجزائرية الألمانية المتواجدة بعنابة “mon soin in and out” والتي تهتم بمجال مستحضرات التجميل، صناعة الزيوت الأساسية والعلاج بالأعشاب لمعالجة الأمراض، باستخدام التقطير الخاص بماء الزهر، الورد والعطرشية وكذا الفليو والنعناع..، وهي النباتات المعروفة منذ زمن بعيد عند الأجداد، في وقت تضم الجزائر أعشابا متنوعة غير أنها تنتظر الاستغلال حسب تأكيدات الحرفيين المشاركين في المعرض الأخير بحديقة الحامة الذين أكدوا، أن مجال تقطير الزيوت الأساسية انتشر في السنوات الأخيرة بالجزائر لمشاريع مصغرة، قابلة لتحويلها إلى كبيرة ولِم لا الدخول بها إلى المنافسة العالمية؟
كما تقوم العديد من المخابر على مستوى التراب الوطني بالتسابق لإعداد منتجات تهم العلاج العطري من خلال إنتاج الزيوت العطرية، الأساسية المستوحاة من مختلف النباتات منها ما يستخدم لعلاج العديد من الأمراض مثل آلام الرأس، المفاصل، نوبات البرد، حيث تستعمل إما تبخرا أو سكبها على زيت الزيتون، عسل أو إضافتها لحبة سكر بإضافة قطرات فقط، حيث تؤكد في الصدد سكاك نهاد، مندوب تجاري في مجموعة “فيتونصيا” عن مخبر “ماقفارم” بالدار البيضاء، انه يمنع تناول الزيوت الأساسية لوحدها أو وضعها مباشرة على الجلد، لأنها مركزة، في حين تقول كحلوش جيهان مهندسة فلاحية بالمدرسة العليا للفلاحة عن شركة “اروما بيو اويل”، أن الزيوت الأساسية في الحقيقة هي تسمية في غير محلها، بل هي زيوت عطرية، كون الترجمة بها اختلاف أو خلط، وذكرت أن العديد من النباتات المستغلة في منتجاتهم، تستورد من الخارج ومنها ما هي زراعة محلية وأخرى متواجدة بصفة تلقائية بالطبيعة، مذكرة أن كل مستحضراتهم التجميلية أو الزيتية، منتجة طبيعيا وكل منتج خاص لاستعمالات معينة، أبرزها المستحضرات الخاصة بالتجاعيد كتلك المستخلصة من نبات التين الشوكي وغيرها.
وأكثر ما لفت انتباهنا ونحن نجوب معرض الحامة، هو تواجد شركة جزائرية، مختصة في الأغذية الزراعية، الزيوت الأساسية والغذائية، وتعد أول مؤسسة لتصنيع الماكينات للتقطير، التبخير وإنتاج الزيوت وسحق البذور بأحجام متفاوتة –حسب تأكيدات نشار جابري معاد، مسؤول إداري بالمؤسسة-.
…..تجريب زراعة نباتات أجنبية المنبت
وجاء في التصريحات على لسان العارضين، أن العديد من النباتات التي يتم استخدامها في إنتاج الزيوت الأساسية غير متوفرة بالجزائر مثل شجرة الشاي وغيرها، ما يضطر أصحاب المهنة اللجوء إلى استيرادها من الهند أو كوريا، وتحدثوا على سبيل المثال عن عشبة الخزامى المتوفرة لدينا والتي يعتنى بغرسها حاليا في تلمسان، وكذا عشبة الليمون التي عرفت انتعاشا من خلال زراعتها من طرف مستثمرين في وادى سوف، كما يتم حاليا الاهتمام بالكاليتوس وزراعة النعناع الفلفلي، ويقوم احد المستثمرين بغرس بعض النباتات الصحراوية في إنتاج الزيوت الأساسية والنباتية، وهي عبارة عن أعشاب تغرس على طول خط الأغواط، غرداية إلى غاية عمق الصحراء، يمكن أن توجه للتصدير إلى عديد الدول. وبما أن الزيوت الأساسية أو العطرية متشعبة الاستخدامات منها لدواعي طبية وصحية وأخرى في إنتاج العطور، فإن العديد من المستثمرين استغلوا تواجد الحرفيين والمؤسسات المهتمة بالمجال في المعرض الأخير المنظم بحديقة الحامة، لعرض خدمات التعامل مع دول أخرى بخصوص جلب مختلف النباتات والأعشاب التي تتماشى ومناخ الجزائر وزراعتها بمساحات هامة من الوطن، ضمن اتفاقيات شراكة، بعين المكان عندما أراد أحد المتعاملين ربط اتفاق بين مستثمرين مصريين ومختبرات وشركات جزائرية لإنتاج الزيوت الأساسية، لتجنيب المتعاملين عمليات الاستيراد التي تكلفهم أموالا إضافية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس