صناعة تجميع السيارات في طريق مسدود

7

تُجابه صناعة تجميع السيارات في الجزائر أزمة عميقة، حملت السلطات على التفكير في قفل المصانع والتخلي عن مشروع السيارات الموسومة بـ«صُنع في الجزائر». وكانت الحكومات السابقة توصلت إلى اتفاقات مع مجموعات ألمانية وفرنسية وكورية لإقامة مصانع تجميع لسياراتها في الجزائر، التي تشكل سوقا كبيرة في المنطقة المغاربية (أكثر من 40 مليون ساكن في 2016). غير أن أسعار السيارات المحلية ارتفعت تدريجا حتى تجاوزت أسعار المستوردة، ما جعل خبراء اقتصاديين يتحدثون عن «استيراد مُموَه لسيارات أجنبية».

مع ذلك افتتحت مجموعة «فولكسفاغن» الألمانية الشهر الماضي مصنعا لتجميع سياراتها في مدينة غليزان (300 كيلومتر غرب العاصمة الجزائر)، وبدت وكأنها تتنافس مع مجموعتي «رينو» الفرنسية و«هيونداي» الكورية على الاستئثار بالحصة الأكبر من السوق، إذ انطلق الإنتاج منذ سنة 2014 في وحدة تجميع لسيارات «رينو» الفرنسية، والتي اطلق عليها اسم «السيارة الجزائرية». ثم أقامت «هيونداي» لاحقا وحدة تجميع مماثلة في مدينة تيارت.

ومع تفاقم الأزمة المالية اعتبارا من أواسط 2014، بسبب تراجع أسعار المحروقات، والتي تؤمن 95 في المئة من إيرادات البلد، منحت الجزائر الأولوية للسيارات المُجمعة محليا لتفادي الاستيراد بالعملات الأجنبية. وشكك وزير الصناعة الجزائري محجوب بدَه في المنهج الذي قاد سياسة إحداث مصانع تجميع محلية، إلى حد أنه رفض حضور حفلة افتتاح وحدة تجميع سيارات «فولكسفاغن» الشهر الماضي. كما قررت الحكومة تعليق أي مشروع جديد لإقامة وحدات تجميع للسيارات الأجنبية.

واعتبرت مصادر قريبة من وزارة الصناعة أن تجربة التجميع باءت بالفشل بعد ثلاث سنوات من انطلاقها، لأنها لم تُمكن من توفير العملات الأجنبية ولا من تأمين فرص عمل بالحجم المأمول، بينما تكبدت الدولة خسائر جراء الاعفاءات الجبائية والضريبية الممنوحة لمجموعات تصنيع السيارات الأجنبية. وأفادت إحصاءات رسمية أن عدد السيارات المُستوردة تراجع بنسبة 78 في المئة خلال الأشهر الستة الأولى من السنة الجارية، إلا أن استيراد مكونات السيارات من الخارج امتص الفوائد الحاصلة خلال الفترة نفسها. واعتبر الوزير بدَه أن النتيجة هي «أن السيارة المُجمعة محليا باتت أعلى من سعرها في بلد المصدر».

وقال الخبير الاقتصادي عمار رمضاني لـ«القدس العربي» إن سعر سيارة «رينو سامبول» المحلية، على سبيل المثال، يزيد بنحو 1600 يورو عن سعر مثيلتها المستوردة وهي سيارة «داشيا لوغان»، كما أن سعر سيارة هيونداي i10 المُجمعة محليا يزيد عن سعرها في فرنسا بألفي يورو. وعزا الخبير رمضاني إخفاق صناعة التجميع في الجزائر إلى أن السيارات تُستورد وهي شبه جاهزة فلا يبقى شيءٌ تقريبا يحتاج إلى التجميع. وأثارت صور تم بثها على إحدى القنوات عن عمليات «تجميع» سيارات هيونداي غضبا لدى الرأي العام لأن السيارات كانت مُكتملة ولا تحتاج سوى لوضع العجلات في أماكنها. وتشير تقديرات رسمية إلى أن نسبة الادماج (أي حصة المكونات المحلية) في السيارات المُجمعة محليا لا تتجاوز 15 في المئة.

ولا يُعرف حاليا مصير قطاع تجميع السيارات، إلا أن الحكومة قررت في اجتماعها الأخير الامتناع عن درس أي مشاريع جديدة في هذا القطاع في انتظار إعداد لائحة شروط جديدة، تُحقق التوازن في عمليات التجميع بين القسم المستورد والقسم المُصنع محليا. وأفيد أن التعديلات تتعلق بمطالبة الشريك الأجنبي بحد أدنى من المساهمة في رأس مال شركات تجميع السيارات في المستقبل، وكذلك اشتراط تصدير قسم من السيارات المُجمعة إلى الخارج في المدى المتوسط.

 

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here