فوضى أسواق الجزائر… حرب على الجيوب المنهكة

4
فوضى أسواق الجزائر... حرب على الجيوب المنهكة
فوضى أسواق الجزائر... حرب على الجيوب المنهكة

أفريقيا برس – الجزائر. دخلت الجزائر مرحلة الصدام بين التجار ومن خلفهم المضاربين مع الحكومة، بعدما توسعت دائرة الغلاء لتمس معظم السلع، بداية من الغذاء بكل أنواعه، وصولاً إلى المكيفات الهوائية، التي قفزت أسعارها صيفاً لمستويات غير مسبوقة.

وفي المقابل، يبقى المواطن وحده يدفع الثمن، ويتخوف من عدم قدرة جيوبه المنهكة على مواجهة غلاء المعيشة والاحتياجات الضرورية، من سلع أساسية وخدمات ومصاريف دراسية.

كماشة المضاربين

تعيش الأسواق الجزائرية منذ أشهر تحت ضغط موجات الغلاء، التي ضربت كل السلع واسعة الاستهلاك والطلب، إذ تعرضت قدرة الجزائريين الشرائية لعدة امتحانات، كان أصعبها في المواسم الأخيرة حين سجلت الخضر والفواكه واللحوم بأنواعها قفزات في الأسعار تعدت 200 بالمائة، بخاصة السلع التي مستها الندرة على غرار البصل وزيوت المائدة، واللحوم الحمراء، ما جعل “الزوالية” وهو الاسم الذي يطلق على الطبقة الوسطى والفقيرة في الجزائر، يعيشون بين فكي كماشة المضاربين.

وكانت “الضربة القاضية” للمضاربين ومحتكري السلع، في أسعار المكيفات الهوائية التي قفزت بنحو 100 بالمائة، مستغلين حاجة الناس إليها بعد تسجيل الجزائر موجات حر غير مسبوقة لامست 49 درجة مئوية في الجزائر العاصمة، وبلغت أكثر من ذلك في جنوب البلاد.

واللافت في حالة الأسواق الجزائرية، أنّ المضاربين نجحوا في فرض منطقهم حتى على أسواق السيارات، بعدما أحكموا قبضتهم على مستوردي السيارات الجديدة، الذين يبيعونهم كل ما يتم استيراده، والنتيجة كانت وكلاء من دون سيارات جديدة، وأسواقا تعج بعروض بيع سيارات بأسعار خيالية.

في السياق، قال رئيس الجمعية الجزائرية لحماية المستهلك، مصطفى زبدي، إن “المضاربة لا تعني بالضرورة المستوردين وأصحاب القاطرات المحمولة، فالمُضارب يمكن أن يكون تاجراً صغيراً يُخزن بعض صفائح الزيت ويزيد أسعارها، نحن في منعرج مهم جدا لن يتم التسامح فيه مع التجار المضاربين”.

أضاف زبدي أنّ “المضاربة ليست العامل الوحيد في اختلال السوق وندرة المنتوجات وارتفاع الأسعار، هناك أيضا عدم تنظيم الأسواق، وشح المنتج، فضلاً عن ضرورة القضاء على التهريب التي تُعتبر ظاهرة خطيرة لا تقل خطورة عن المضاربة”.

صرخة التجار

بعد أن طاولتهم أسهم الاتهام، خرج التجار عن صمتهم، مدافعين عن نشاطهم ومبرئين ذمتهم من موجات الغلاء، واضعين أنفسهم بين مطرقة الحكومة وسندان المضاربين المتحكمين في تزويد الأسواق ورفع الأسعار على السواء. وفي هذا السياق دافع، رئيس الجمعية الجزائرية للتجار والحرفيين، الحاج الطاهر بولنوار، عن حق التجار في ضمان هوامش الربح التي تعد مصدر قوتهم وقوت عائلاتهم.

وقال إنّ “التجار بدورهم ضحية المضاربين، إذ هم إلا حلقة من حلقات السلسلة، فالتاجر مهمته توفير السلع مع ضمان هامش الربح، وليست مهمته كبح المضاربة وضمان تموين الأسواق، هذه من مهام مؤسسات الدولة”.

وأضاف ممثل التجار أن “المضاربة أدخلت كلّاً من التجار والمستهلكين في متاهة، كما أنها تؤثر على وجهة الدول، فالمستثمرون يتهربون من البلدان التي تهيمن فيها المضاربة، إضافة إلى إلحاقها أضرارا بالمستهلك لأنها ترفع الأسعار وأحيانا تضاعفها، ما يؤدي لندرتها، وبالتالي يدخل التجار في دوامات جراء اضطراب التوزيع”.

وتابع: “كما لا ينبغي الخلط بين المضاربة والتخزين الموجّه للتوزيع والتجارة، ما يحتم على التجار والموزعين، الإعلان عن مستودعاتهم لتفادي أي إشكال، وتكرار السيناريو الحاصل خلال الفترة الماضية”.

وقال: “لا بد من العمل للقضاء على أسباب المضاربة على رأسها نقص الإنتاج، وكذا تركيز الحكومة مع المؤسسات على زيادة الإنتاج لغلق باب التلاعب، الذي يلج منه المضاربون وهو نقص الإنتاج من خلال تحقيق الوفرة، مع بذل المزيد من الجهود للقضاء على أسباب التهريب، باعتبار المضاربين يتعاملون مع المهربين، وهو ما يستوجب القضاء على أسباب تهريب المواد المدعمة وواسعة الاستهلاك، عن طريق مراجعة طريقة سياسة الدعم وتوجيهه لمستحقيه، بعدما تحول إلى أسلوب مشجع على التهريب”.

سيف القانون

أمام ارتفاع موجات الغلاء وتضاعفها، وتفاقم تذمر الجزائريين من غلاء المعيشة، تحركت الحكومة الجزائرية تحت ضغط “الخوف من انفجارٍ اجتماعيٍ” بات قاب قوسين أو أدنى.

وقررت الضرب بيد من حديد، من خلال تكثيف الرقابة وتسليط سيف القضاء بتفعيل قانون مكافحة المضاربة وتحويل قضايا المضاربة نحو قسم الإرهاب، وسط تخوف التجار من أن يكونوا “كبش فداء” بخاصة بعد اتهام وزير التجارة الطيب زيتوني لهم بـ “الجشع”.

وضاعفت وزارة التجارة من عدد “المُداهمات” الرقابية بمعية مصالح الأمن الجزائرية، لتشمل أسواق الجملة والتجزئة للمواد الغذائية والأجهزة الكهربائية وحتى وكلاء بيع السيارات، عبر التراب الجزائري، وتشديد الرقابة على فواتير الشراء والبيع لتتبع مسار السلع، وأماكن تخزينها.

وفي السياق، أكد مدير ضبط الأسواق وقمع الغش لمديرية التجارة بالجزائر العاصمة، دهار العياشي، أن “حملات “مداهمة” فجائية أطلقتها وزارة التجارة تمس جميع الأسواق دون استثناء وكل الشعب، الهدف منها تتبع مسار السلع، ومنحنى الأسعار، لمعرفة الخلل وكبح المضاربة ورفع هوامش الربح بطرق غير قانونية، وسمحت العملية بحجز الأطنان من السلع الغذائية لغياب فواتير الشراء، أو لعدم عرض أسعار البيع”.

وأضاف المتحدث نفسه أنه “من المنطقي أن تكون هناك مقاومة في الأسواق لكن سطلة الدولة وسلطة القانون فوق الجميع، هناك قوانين للتجارة وفي المقابل قانون لمكافحة المضاربة غير المشروعة، وعلى التجار تحمل مسؤولياتهم”.

وكانت الحكومة الجزائرية قد أقرت نهاية 2022، قانوناً يُجرّم المضاربة غير المشروعة، يُحبس بموجبه من 3 الى 10 سنوات من يقوم بجريمة المضاربة، وقد تصل العقوبة الى 20 سنة إذا ما تمت المضاربة في مواد الحبوب ومشتقاتها أو البقول الجافة أو الحليب أو الخضر أو الفواكه أو الزيت والسكر أو البن أو مواد الوقود أو المواد الصيدلانية.

ويمكن للعقوبة أن تصل الى السجن المؤقت من 20 الى 30 سنة، في حال ارتكبت الأفعال المشار إليها سابقاً خلال الحالات الاستثنائية أو ظهور أزمة صحية طارئة أو وقوع كارثة، أما إذا ارتكبت ذات الأفعال من طرف جماعة إجرامية منظمة فإنّ العقوبة تكون بالسجن المؤبد.

استنفار حكومي

في السياق، قال المستشار الحكومي والخبير القانوني عبد الرحمن زياتي، إنّ “السلطات العليا للبلاد استنفرت سبعة قطاعات وزارية، بالإضافة إلى مصالح الأجهزة الأمنية، للضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه التلاعب بـ “قوت الجزائريين” عن طريق الاحتكار والمضاربة التي استفحلت بشدة في الآونة الأخيرة، وباتت تمس ليس الحقوق الاقتصادية للمواطن فقط، وإنما استقرار الدولة وأمنها مباشرة وفق “قرائن ودلائل قوية”.

وأكد المستشار الحكومي أن كل ذلك استلزم التحرك على جميع المستويات لتطبيق القانون بصرامة، ضد “مجرمي القوت” لتطهير السوق من الإجرام المنظم وحماية القدرة الشرائية للمواطن.

وأضاف أنّ “إحالة قضايا المضاربة على قسم مكافحة الإرهاب هو دليل على إطلاق الحكومة لحربٍ مفتوحة لبسط سلطان القانون وإعادة الأسواق إلى طبيعتها عبر مبدأ “العرض والطلب” بالرغم من انتقاد البعض للحكومة بـ “التعسف في تطبيق القانون” وأنه يمس صغار التجار فقط، وهو ما لم يحدث، إذ إنّ التحقيقات كشفت وجود “حيتان” كبيرة جرى إسقاطها، حسب زياتي.

وكشف تقرير لموقع “FitchSolutions”، أن من المتوقع أن يشهد معدل التضخم في الجزائر تباطؤاً حاداً في عام 2023. مع استمرار ارتفاع الدينار الجزائري.

وبحسب التقرير، فإن التضخم في البلاد، سيتباطأ من 9.7 بالمائة في عام 2022، ليصل إلى 3.8 بالمائة في عام 2023.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here