أفريقيا برس – الجزائر. يقترح وزير الموارد المائية الأسبق، مصطفى كمال ميهوبي، سلسلة إجراءات تواكب نقل المياه من مصانع التحلية إلى الولايات الداخلية للبلاد، في إطار مساعي تحقيق الأمن المائي للجزائر وضمان النجاعة الاقتصادية، مشدّدا على أن العملية ينبغي أن تكون جزءا من رؤية شاملة تجمع بين التكنولوجيا المتقدمة والحساب الاقتصادي الصارم وحوكمة رشيدة للموارد.
وقبل أيام، انطلق رسميا مشروع ربط محطة تحلية المياه في بجاية بنظام سد “تلسديت” بولاية البويرة، والذي سيصل لاحقا إلى حمام الضلعة بولاية المسيلة، فضلا عن ولاية برج بوعريريج، وهي مناطق تعرف ضغطا على موادها المائية السطحية والجوفية على حد سواء.
وأشار ميهوبي إلى أن نقل مياه التحلية نحو ولايات مثل البويرة وبرج بوعريريج وحمام الضلعة يهدف بالدرجة الأولى إلى تخفيف الضغط عن السدود (الموارد السطحية) والمياه الجوفية، موضحا أن ربط مصنع بجاية سيمكّن من مد أربعة عشرة بلدية بولاية البويرة وخمس بلديات بولاية برج بوعريريج وبلدية واحدة بولاية المسيلة، عبر نظام نقل يمتد على مسافة تسعين كيلومترا بطاقة خمسين ألف متر مكعب يوميا، مكملا بذلك ما يوفره سد “تلسديت” الذي يضخ حاليا نحو ثمانية وتسعين ألف متر مكعب يوميا، وسد “كدية أسردون” بنحو مئة ألف متر مكعب، وسد “عين زادة” بستة عشر ألف متر مكعب.
ولفت الوزير الأسبق إلى أن مشاريع التحلية التي أطلقتها الجزائر شملت إعادة تأهيل وإنجاز أربعة مصانع غرب العاصمة بطاقة سبعة وثلاثين ألفا وخمسمائة متر مكعب يوميا، وإنشاء ثلاثة مصانع شرق البلاد بطاقة مئة وأربعين ألف متر مكعب، فضلا عن خمسة مصانع كبرى في وهران وتيبازة وبومرداس وبجاية والطارف بطاقة مليون وخمسمائة ألف متر مكعب، مشيرا إلى أن القدرة الإنتاجية للمحطات الكبرى الحالية تناهز ثلاثة ملايين ومائتي ألف متر مكعب يوميا، مع توقّع بلوغ ثلاثة ملايين وسبعمائة ألف متر مكعب عند الاستغلال الأمثل.
وأوضح ميهوبي، أن جدوى المشاريع تقاس بمؤشر تكلفة المتر المكعب المعدّلة (LCOW)، مبينا أن تكلفة تحلية المتر المكعب بطريقة التناطح العكسي قد تتراوح بين 130.0 و194.5 دولار/م3، وأن تأثير النقل لمسافة 100 كلم على التضاريس قد يضيف ما يصل إلى 150 دولار لكل متر مكعب، ما يعني أن تجاوز مدى 100-150 كلم قد يضاعف التكلفة ويجعل المشروع غير مجد اقتصاديا مقارنة ببدائل محلية.
وأوضح ميهوبي، أن الجزائر باشرت برنامجا واسع النطاق في مجال التحلية، منها إعادة تأهيل وإنشاء أربعة مصانع أحادية الكتلة بغرب العاصمة بطاقة إجمالية مركبة تبلغ 37.500 متر مكعب يوميا، وإنشاء ثلاثة مصانع شرق الجزائر (الباخرة المحطمة والمرسى وقورصو) بطاقة 140.000 متر مكعب/يوم، إضافة إلى خمسة مصانع كبرى في وهران، فوكة 2 بتيبازة وكاب جنات ببومرداس وتيغرم ببجاية وكدية الدراوش بالطارف، بطاقة إجمالية مركبة تبلغ 1.5 مليون متر مكعب يوميا.
وأشار محدثنا إلى أن طاقة 6 محطات مستقبلية تصل إلى 1.80 مليون متر مكعب/يوم، ما يرفع الطاقة الإجمالية المركبة إلى 5.5 مليون متر مكعب /يوم، وهو ما يمثل أكثر من 60 بالمائة من إنتاج المياه الصالحة للشرب على المستوى الوطني، مشدّدا على أن هذه الأرقام يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار مع تزايد الاحتياجات السكانية وتطور النشاط الاقتصادي.
ونبّه الخبير إلى أن نجاح الربط بين مصانع التحلية والمناطق الداخلية يتطلب مرافق أساسية، تشمل اختيار أنابيب ملائمة، وإنشاء خزانات وسيطة ونهائية، وتزويد الشبكات بأنظمة تحكم عن بعد، ومعالجة إضافية للمياه المنقولة لتفادي التغيرات الكيميائية والبيولوجية المحتملة أثناء النقل لمسافات طويلة.
وشدّد ميهوبي على أن الإستراتيجية الوطنية للمياه ينبغي أن تشمل إعادة استخدام المياه المعالجة في الزراعة والصناعة، وتعميم تقنيات الري المقتصد والذكي، وتطوير شبكات توزيع ذكية تعتمد على البيانات الفورية، إلى جانب مراجعة الإطار القانوني للمياه ووضع سياسة تسعير تدريجية تراعي العدالة الاجتماعية وتعكس التكلفة الحقيقية في الاستخدامات الصناعية.
وشدّد المتحدث، في معرض توصياته، على أربعة محاور تتداخل فيما بينها تضمن استدامة المشروع، أولها تنويع الموارد وتحسينها عبر دعم الابتكار والبحث العلمي في التحلية، وتطوير إعادة استخدام المياه المعالجة في الزراعة والصناعة والاستفادة من المياه غير التقليدية في الجنوب.
أما المحور الثاني، فيتمثل في تحويل أنظمة التوزيع عبر رقمنة الشبكات واعتماد شبكات ذكية ومنشآت تخزين مؤقتة ذات تحكم مركزي، في حين أن المرتكز الثالث هو حوكمة متكاملة تشمل مراجعة قانون المياه، وإعادة هيكلة القطاع لتحسين المرونة والكفاءة، وإقرار سياسة تسعير تدريجية تراعي العدالة الاجتماعية مع تطبيق أسعار صناعية تعكس الكلفة الحقيقية.
أما المحور الرابع والأخير، فيتمثل في الكفاءة والاقتصاد عبر تشجيع الزراعة الموفرة للمياه والتحفيز الضريبي للاستثمارات التي تتبنى الاقتصاد الدائري للمياه.
وختم ميهوبي بالتأكيد على ضرورة جمع كل الجهات الفاعلة لصياغة ميثاق وطني لتوفير المياه، وإطلاق صندوق سيادي للمياه لتمويل المشاريع العالقة والقضاء على مناطق الظل خلال فترة لا تتجاوز 18 شهرا، مشدّدا على أن نقل مياه التحلية خطوة مهمة لكنها لن تضمن الأمن المائي ما لم ترفق بإدارة متكاملة، وحساب اقتصادي صارم، وترشيد فعلي للاستهلاك في جميع القطاعات.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس