أفريقيا برس – الجزائر. يسارع ولاة الجمهورية لاسترجاع الأراضي الممنوحة لعشرات المستثمرين في إطار عقود الامتياز، التي لم تستغل لحد الآن، وهناك من مضى عليهم أكثر من 30 سنة دون إحالة مشاريعهم إلى واقع حقيقي، بحيث يخوض الولاة معركة غير مسبوقة لتطهير “العقار العمومي” وبالتحديد الصناعي، وجرد المساحات العقارية غير المستغلة، في خطوة جريئة وصفها قانونيون ومراقبون لهذه العملية بالهامة، ترمي الحكومة من خلالها إلى تذليل العقبات أمام المستثمرين الحقيقيين، وخلق تنافسية وتنويع الاقتصاد والتأسيس لاستثمار حقيقي وفعال يمحو عهد “الاستثمار الوهمي” الذي فرخ عشرات المستثمرين “التايوان”، أمام إحصاء نحو 60% من الأراضي منحت لمستثمرين لم يسجلوا بعد مشاريعهم رغم مرور فترة تتفاوت بين 15 إلى 30 عاما على حصولهم على عقود استغلالها.
تفيد البيانات الرسمية التي توثق معركة استرجاع العقار غير المستغل من أشباه المستثمرين، امتثالا لتعليمات أصدرها الوزير الأول، أن والي مستغانم عيسى بولحية، باشر عمليات استرجاع الأراضي غير المستغلة، وذلك متابعة لملخص توصيات لقاء رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بولاة الوطن، بإعلان الولاية عن استعادة 17 قطعة أرض ممنوحة في 3 مناطق نشاطات في تراب ولاية مستغانم غير مستغلة منذ 10 سنوات من منحها لمستثمرين، بينما تم الكشف عن استعادة عقارات سياحية وفلاحية محمية كانت تحتضن 105 بناية فوضوية وفيلات فاخرة شيدت في ساحل الولاية بطرق غير قانونية. واعتبر الوالي أن معركة استرجاع الأراضي غير المستغلة، مستمرة وتصب في سياق إنعاش الاستثمار وخلق مناصب شغل، تمهيدا لصدور قانون الاستثمار الجديد .
وأعلن بولحية شروع مصالحه في تطهير العقار الموجه للاستثمار والتحضير لعقد لجنة ولائية لفسخ عقود الامتياز وقرارات الامتياز للمستثمرين الذين استفادوا منذ سنوات من قطع أرضية ولم يباشروا في إنجاز مشاريعهم، بالرغم من التسهيلات الإدارية المقدمة لهم في السنوات الأخيرة .
بينما أعلن والي تيارت محمد أمين درامشي، عن مواصلة تحيين عملية التطهير العقاري لاستعادة الأوعية العقارية التي استفاد منها أصحابها في الأعوام الماضية ولم ينطلقوا في انجاز مشاريعهم، التي ظلت حبرا على ورق، لافتا في بيان رسمي تحوز “الشروق” نسخة منه، إلى أنه تم تشكيل لجنة مشكلة من محققين وإطارات عن ديوانه، ومديرين تنفيذيين، لتنفيذ عملية تطهير العقار وموافاته بتقارير يومية عن عملية نزع العقار من المستثمرين غير الفاعلين، مع مقاضاة كل من يعترض العملية الهامة التي انطلقت بتاريخ 29 سبتمبر الماضي .وبحسب البيان، فإن العقار المسترجع سيكون متاحا لخدمة شباب الولاية، وذلك بإنشاء 5 مناطق نشاطات مصغرة جديدة في تيارت .
أراض مهجورة منذ 19 سنة!
كما كشف والي المسيلة عن بدء عملية تطهير حقيقي للعقار الصناعي من المستثمرين الوهميين، واسترجاع كافة الأراضي غير المستغلة التي حاول أصحابها تحويلها إلى أغراض أخرى غير الأهداف التي تتوخى الدولة منها تنشيط الاستثمار الحقيقي، وامتصاص جيوش البطالين .
وقالت مصالح الولاية، إنه تم استرجاع قطعة أرض تتربع على 1600 م2 كانت مستغلة بطريقة غير قانونية لفائدة شركة “وهمية” تقع وسط مدينة المسيلة، مضيفة أن العملية مستمرة لمحاربة مافيا العقار واستعادة “هيبة الدولة” في هكذا مسائل مصيرية لتحفيز المستثمرين الحقيقيين المنتجين للثروة، لأجل استثمار أموالهم ومشاريعهم الهادفة، ورسمت مصالح الولاية، خطة عمل لاستعادة 30 بالمائة من العقارات غير المستغلة منذ 5 سنوات في ثلاث مدن في المسيلة، كانت تحت تصرف رجال أعمال ومستثمرين بينهم موقوفون في قضايا فساد .
على هذا النحو، ذكرت مصالح ولاية الشلف، أن الوالي لخضر سداس، استهدف قاعدة حياة بمنطقة حرشون جنوب الولاية، كانت مستغلة سابقا من طرف شركة في إطار مشروع إنجاز الطريق السيار، مقررا في عين المكان تجريد الشركة من العقار، في إطار مخطط استرجاع الأوعية العقارية لاستغلالها في احتضان تجهيزات عمومية لفائدة ساكنة الولاية .
هذه الإجراءات المتسارعة همت عديد الولايات، على غرار تيبازة، الجلفة، الطارف، تلمسان وغليزان، في محاولة من ولاة الجمهورية لاسترجاع عقارات غير مستغلة لمدة 15 عاما، وأخرى تعود إلى سنة 2002، وفق الإحصائيات الرسمية، في وقت يعاني فيه الكثير من المستثمرين من أزمة العقار، التي تسعى الدولة أن تحتويها وتضع حدا لظاهرة المضاربة التي تفاقمت على حساب الاستثمار خلال الـ 6 شهور القادمة .
وبرأي مستثمرين وسياسيين، فإن عزم الدولة على استرجاع الأراضي الممنوحة للمستثمرين في إطار عقود الامتياز، التي لم تستغل حتى الآن، خطوة أكثر من مفصلية، كون العقار الصناعي يعد من أهم المشاكل التي تواجه المستثمرين بالجزائر.
“يجب تضييق الخناق على مافيا العقار”
وقال العابد بن عيسى نقابي فاعل في الممثلية الجهوية للكونفدرالية الجزائرية لأرباب العمل، إن عملية استرجاع الأراضي غير المستغلة، وإنشاء مناطق صناعية جديدة، فرصة مناسبة لتطهير قطاع الاستثمار من الوهميين، وإتاحة الفرصة للحقيقيين بتشجيعهم وتحفيزهم لطرح مشاريعهم ومتابعتها إلى غاية تجسيدها على أرض الواقع، مؤكدا في حديث ل “الشروق”، أنه حري بالحكومة أيضا وضع دفتر شروط صارم يتضمن تحديد جدول زمني يلزم أي مستثمر بإنجاز مشروعه وفي المدة الزمنية المتفق عليها، بهدف القضاء على الشركات والمصانع الوهمية.
وذكر محدثنا أن إنجاز 19 منطقة صناعية جديدة على مساحة 8 آلاف هكتار، يحتم التسريع في وتيرة تطهير العقار الصناعي، لأن الطلب اليوم “قوي” على العقار، في حين أن هناك عشرات الأوعية العقارية لم تستغل للأسف، وهناك بعض المستفيدين قاموا بتأجير الأراضي إلى متعاملين كانوا في ضائقة، مشيرا أيضا إلى وجود “مستفيدين غير شرعيين يحتلون أوعية عقارية شاسعة دون امتلاك أي وثيقة مثل عقد ملكية أو تنازل”، وخلص المتحدث إلى القول، إن هذا المخطط الصارم وجب متابعته من قبل المصالح الأمنية لتضييق الخناق على شبكات مافيا العقار، في ظل ارتفاع عدد ملفات السطو على الممتلكات العقارية بغير وجه حق، لاسيما في الولايات الساحلية.