أفريقيا برس – الجزائر. تعرف مدينة بوحنيفية في ولاية معسكر توافدا كبيرا للسياح خلال فترة صيف هذا العام مقارنة بالمواسم الفارطة، حيث عادة ما كانت تكاد تخلو المنطقة إلا من ساكنيها بسبب ارتفاع درجة الحرارة، واعتقاد الغالبية أنه لا ملجأ في الصيف إلا إلى شواطئ البحر.
بينت الحركة المسجلة بهذه المدينة نهارا وليلا، تواجدا كثيفا للسياح قادمين من مختلف الولايات لقصد الحمامات المعدنية، أو لقضاء ليال بعيدا عن صخب الشواطئ والتدافع على المدن الساحلية، خلافا لما كان من قبل، وهو ما أكدته الأرقام المسجلة الخاصة بتوافد السياح. تشهد الهياكل السياحية لمدينة بوحنيفية هذه الأيام توافدا كبيرا للسياح الذين يقصدون الحمامات المعدنية أو المرافق الفندقية، منهم من يغادرها في اليوم نفسه، وكثير منهم يقضي ليال للمبيت فيها للاستمتاع بالفترة الليلية رغم قلة الخدمات والفضاءات التي يمكن اللجوء إليها.
وذكر مواطنون قدموا من ولايات جنوبية، أنهم باتوا يفضّلون المنطقة السياحية بوحنيفية كخيار أفضل عن الشواطئ، نظرا لاعتدال درجة الحرارة مقارنة بالجنوب، وللركون إلى الهدوء والسكينة التي تتميز بها المنطقة بعيدا عن صخب وضوضاء الشواطئ، إضافة إلى أن السياحة الحموية تبقى في متناول الغالبية من حيث التكاليف مقارنة بالخدمات المقدمة في الساحل، حيث لا تزال باهظة خاصة ما تعلق بالإقامة.
الاستحمام بالمياه المعدنية أكثر فائدة في الصيف
ويرى آخرون، أن الاستحمام بالمياه المعدنية يعد أفضل علاج للجسم والمفاصل، إذ أن الاستحمام صيفا مفيد، ذلك لأن درجة الحرارة داخل الحمامات تبقى متقاربة مع تلك المسجلة خارجه، ما يجعل الجسم محتفظا بنفس درجة الحرارة على خلاف فصل الشتاء، حيث درجة الحرارة تبقى منخفضة بكثير خارج الحمام مقارنة بداخله، وهو ما له تأثير سلبي على صحة الإنسان، حسبهم.
ويشتكي غالبية من تعهدوا القدوم سنويا إلى بوحنيفية للسياحة، نقص الخدمات وضعف مستواها، إذ أنه رغم وجود عدد كبير من هياكل الاستقبال، وتعدّد الخيارات أمام المواطن لاستئجار شقة تناسب قدرته المالية، إلا أن غالبيتها تبقى دون المستوى من حيث نوعية الخدمات المقدمة، ما يستوجب فرض الرقابة عليها وإجبارها على التكيّف مع متطلبات السياحة العصرية، أضف إلى ذلك ضعف خدمات الإطعام والفضاءات المخصصة لها، وعدم توفر الكفاءة والاختصاص اللازمين لضمان خدمات إطعام يتطلع إليها قاصدو المنطقة السياحية.
كما يشتكي قاصدو المنطقة من انعدام فضاءات التسلية والترفيه، إذ أن المنطقة بأكملها لا تتوفر على منتزه أو مكان يمكن اللجوء إليه ليلا بعد العشاء، فالأمر بات مقتصرا على مساحات خضراء فقط تم استحداثها مؤخرا في إطار شروع مصالح البلدية في التهيئة الحضرية، كما عبّر آخرون عن استغرابهم لقلة الخدمات المالية بمدينة بوحنيفية، التي تتلخص في المكتب البريدي الوحيد الذي يقدم خدمات جليلة، غير أنها تبقى محدودة، اعتبارا من أن تصنيف هذا المرفق المالي يجعله يغلق أبوابه منتصف نهار يوم الخميس إلى غاية صباح يوم السبت، وهي الفترة التي تعرف فيها بوحنيفية ذروة قدوم السياح إليها، كما يوجد بالمنطقة وكالة بنكية لبنك الفلاحة والتنمية الريفية، غير أن موقعها بعيد عن وسط المدينة، وتقتصر خدماتها على زبائنها فقط، ما يجعل دورها ناقصا في الدفع بمسار التنمية السياحية.
ويرى مواطنون أن سعر تذكرة الاستحمام يبقى مرتفعا بالنسبة لحمامات المحطة المعدنية التي تلامس 400 دينار، وبحمام البابور التي تلامس ألف دينار فما فوق، فيما تبقى مستقرة عند 250 دينار بحمامات “البركة” و”الساعة”، لكن بخدمات أقل، أضف إلى ذلك أن غالبية القادمين إلى بوحنيفية يصطحبون معهم أفراد عائلاتهم، وفي ظل هذه الأسعار ترتفع تكاليف الإقامة إلى حد لا يطيقه ذوو الدخل المتوسط، على حد قول المتحدث، فيما اعتبر آخرون أسعار التذاكر مناسبة، ما دام أنها اختيارية بين ألف و250 دينار.
الجفاف تسبّب في ضعف تدفق المياه
ويرى مهتمون بالسياحة في بوحنيفية، بأن مشكل ضعف تدفق المياه المعدنية بات يؤرق مرتادي الحمامات، كما يؤرق المسؤولين على المحطة المعدنية، حيث أصبحوا يلجأون إلى غلق بعض الحمامات في ساعات مبكرة من اليوم في بعض الأحيان أو يبقون عليها مفتوحة لكن بتدفق منخفض في الحنفيات. وترى مديرة السياحة لولاية معسكر، السيدة زليخة بن دحمان، أنه من بين معوقات السياحة في بوحنيفية وضعية الطرقات، سواء داخل المدينة أو تلك الموصلة إليها، إذ بات، حسبها، من الضروري إدخال مشاريع لتحسين وضعية الطرقات بوسط بوحنيفية، وكذا مشاريع أخرى لازدواجية الطرق الموصلة إليها، خاصة الطريق الوطني رقم 13 الرابط بين معسكر وسيدي بلعباس، الذي يعتبر شريان السياحة نحو بوحنيفية، اعتبارا من أن غالبية السياح يفدون عبره، كما اعتبرت المديرة قلة النشاطات الترفيهية وانعدام فضاءات الراحة والاستجمام والنزهة، عاملا آخر حال دون إحداث الطفرة في مجال السياحة في المنطقة، إذ لا تزال الخدمات مقتصرة على الحمامات والفنادق، أضف إلى ذلك ضعف خدمات النقل والإطعام، وزادها سوءا نقص منسوب مياه الحمامات المعدنية نظرا لشح السماء وعدم تساقط الأمطار منذ سنوات، إذ لم ينفع حفر بئرين عميقين في توفير تدفق عال في حنفيات الزبون داخل غرفة الاستحمام.
الرهان قائم على هذين المشروعين
أكدت السيدة بن دحمان في هذا الصدد، أن لجنة من وزارة السياحة والصناعات التقليدية قدمت إلى بوحنيفية للنظر في مشكل نقص منسوب المياه المعدنية، في انتظار اتخاذ قرار مناسب. المسؤولة ذكرت بأن انعدام الوعاء العقاري السياحي كان يمثل المشكل الحقيقي لتطوير السياحة بمنطقة بوحنيفية، إلى غاية صدور قرار التوسع السياحي، حيث استفادت بوحنيفية من مشروعين لدراسة التهيئة لمنطقتين للتوسع السياحي، تتربع الأولى على مساحة 428 هكتارا، وتتربع الثانية على 30 هكتارا، باتجاه منطقة الحمامات، حيث ينتظر من الدراسة أن تحدّد طبيعة نشاط كل جهة، والمشاريع التي يمكن إقامتها عليها، ومع الانتهاء منهما، ستعرف المنطقة توسعا ونشاطا أكثر ديناميكية، بأكثر الخدمات وأحسنها، إذ أن المنطقة ستعرف انطلاقة حقيقية للاستثمار في المياه الحموية والفندقية بعد الانتهاء من الدراسة في الموقعين. ومعلوم أن مدينة بوحنيفية تتوفر حاليا على 32 هيكل استقبال، منها 14 فندقا و18 هيكلا معدا للفندقة توفر 1887 سرير.
أعداد السياح الأجانب تضاعف هذا العام
وبخصوص السياحة الحموية صيفا التي عرفت انتعاشا في الفترة الأخيرة، أشارت تقارير مقدمة من قبل مديرية السياحة والصناعات التقليدية، إلى أن عددا مهما من السياح الأجانب القادمين من دول أجنبية زاروا مدينة بوحنيفية، حيث بلغ عددهم خلال شهري جوان وجويلية الفارطين 334 أجنبي، منهم 107 زاروها ليوم واحد فقط، و227 آخرين قضوا ليال في هذه المدينة السياحية خلال نفس الفترة في فنادق المحطة المعدنية أو تلك التابعة للخواص، مسجلة ارتفاعا في هذه الأرقام مقارنة بنفس الفترة من السنة الفارطة 2024 التي قدم فيها 136 أجنبي، قضى 90 منهم ليال في فنادق المدينة، حسب إحصائيات مديرية السياحة.
المدينة بحاجة إلى منتجع كبير
وأكد رئيس بلدية بوحنيفية، عاشور صحبي عبد القادر، أنه خلافا للسنوات الفارطة، فقد عاد السياح لزيارة مدينة بوحنيفية صيفا، بعدما كان التوافد مقتصرا على الفترة الشتوية والربيعية فقط، وهو ما يعكسه التواجد الكبير للمواطنين في مختلف الأماكن العمومية خاصة خلال الفترة الليلية، غير أن النقص يكمن في انعدام منتجع أو منتزه سياحي كبير يستقطب الأمواج البشرية التي تفد للمنطقة، خاصة خلال الفترة الليلية، حيث لا تتوفر المنطقة حاليا إلا على مساحات خضراء وحدائق ليست بالشكل الذي يتناسب وحجم المدينة السياحية.
واقترح المسؤول العودة لتهيئة ضفتي الوادي اللتين كانتا فيما مضى مقصدا لجميع من يدخل بوحنيفية، فعندهما كانت تلتقي العائلات وتتعارف وتستمتع بجريانه، ولو أن الظروف المناخية الحالية جعلته جافا على مدار السنة. كما أن القامات المعدة للفندقة على غرار المساكن والمجمعات السكنية، لها دور كبير في التشجيع على السياحة، إذ أن هذه الأخيرة تبقى في متناول الكثير من الأسر، اعتبارا من أن الشقة الواحدة يمكنها استيعاب عائلة ذات عدد كبير من الأفراد بثمن منخفض، مقارنة بعدد من الغرف في الفنادق، التي يبقى ثمنها مرتفعا من جهة، ولمحدودية الخدمات من جهة أخرى، ما دام أنه بإمكان العائلة في السكن المستأجر القيام بجميع مستلزمات الطبخ والنظافة، مشيرا إلى وجود نحو ست إقامات سكنية في مدينة بوحنيفية، تقدم خدمات من هذا النوع.
وسجل رئيس البلدية ارتفاعا في عدد السياح خلال الثلاثة أشهر الأخيرة، حيث بلغ عدد من استفادوا من خدمات الحمام بالمحطة المعدنية 67243 شخص، منهم 15123 خلال شهر جوان، و22971 خلال شهر جويلية المنقضي، و29149 خلال شهر أوت الجاري، ما يفسر أن عدد الوافدين على الحمامات بقي في ارتفاع منذ بداية الصيف، ليبلغ ذروته خلال الشهر الجاري.
أما عدد السياح المقيمين، فقد بلغ خلال الثلاثة أشهر الأخيرة، 41576 شخص، منهم 12628 خلال شهر جوان، و15261 خلال شهر جويلية، و13687 شخص مقيم خلال شهر أوت الجاري، أما عدد الأشخاص المقيمين في بيت الشباب لبوحنيفية، فبلغ 206 أشخاص، منهم 65 في جوان و66 في جويلية.
و75 في أوت الجاري، ما يسجل ارتفاعا في عدد السياح المقيمين في بوحنيفية خلال الثلاثة أشهر الأخيرة، حسب الإحصائيات المقدمة من قبل رئيس البلدية.
وينتظر الجميع أن ترتقي مدينة بوحنيفية إلى مصاف المناطق السياحية التي تأسر السياح وتجعل منها قبلتهم المفضّلة، غير أن ذلك لن يكون، حسب مهتمين بقطاع السياحة، قبل استكمال دراسة تهيئة مناطق التوسع السياحي، وإنشاء منتجعات ومنتزهات من الحجم الكبير، وتحسين خدمات الإطعام والنقل، وتوفير هياكل استقبال جيدة، وجعل المنافذ نحو المنطقة ميسورة، من خلال تهيئة الطرقات وتجميل المداخل.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس