أفريقيا برس – الجزائر. تتجه الحكومة، من خلال مشروع قانون جديد ينظم مهنة المحاسبين والمدققين، إلى إحداث نقلة نوعية في الشفافية المالية وجعل المهنة أكثر انفتاحا على المعايير الدولية والتطورات الرقمية، ويراهن النص على جيل جديد من المهنيين المكوّنين والمؤهلين، قادرين على كشف الغش ومواجهة تبييض الأموال واسترجاع الأموال المتدفقة في السوق الموازية، في خطوة تعيد الثقة في الأرقام والممارسات المالية داخل الجزائر وخارجها.
وبحسب مسودة مشروع قانون جديد لتنظيم مهنة المحاسبين والمدققين متواجد على طاولة وزارة المالية، تخضع مهنة المحاسبة والتدقيق منذ أكثر من خمس عشرة سنة لأحكام القانون رقم 10-2001 المؤرخ في 29 جوان 2010، المتعلق بمهنة الخبير المحاسب ومحافظ الحسابات والمحاسب المعتمد، وقد مكّن هذا النص من إقامة تنظيم مهني وهيكلي وتحديد شروط الالتحاق بالمهنة، مما ساهم في إرساء قاعدة مهنية منظمة، غير أن تجربة تطبيقه كشفت نقائص عديدة.
وكان أهمها التشتت بين ثلاث هيئات مهنية مستقلة، وضعف التمثيل الوطني والدولي، وغياب منظومة فعالة للرقابة على الجودة وآليات تأديبية حديثة.
كما أبرز التطبيق غياب نظام للتكوين المستمر الإجباري والمنظم بما يتماشى مع المعايير الدولية، مما أضعف التحديث المنتظم للمهارات التقنية والأخلاقية للمحاسبين والمدققين وقلل من قدرتهم على مواكبة التطورات السريعة في المعايير الدولية ومتطلبات الشفافية المالية ومكافحة الغش وتبييض الأموال.
وأدى ضعف التغطية الإقليمية وغياب رؤية دولية للمهنة إلى تأخر التكيف مع المعايير الحديثة ومدونة الأخلاقيات، ما أثر على قدرة الجزائر في التصدي للممارسات غير الشرعية.
ويهدف مشروع القانون الجديد إلى توحيد المهنة من خلال إنشاء هيئة وطنية واحدة تمثل جميع الفئات، وتعزيز المصداقية عبر نظام صارم للرقابة على الجودة وتحديث شروط التكوين والامتحانات الوطنية، كما يعتمد التكوين المستمر الإجباري ويدمج الأدوات الرقمية والابتكارات التكنولوجية في الممارسة المهنية.
ومن بين الإصلاحات الجوهرية، يقترح المشروع إنشاء مجلس أعلى للمحاسبة والتدقيق تحت إشراف الدولة، يكون جهازا وطنيا للتنظيم والتقنين والاستشراف، مكلفا بتطوير المعايير المحاسبية ومعايير التدقيق، ودعم البحث والابتكار في مجال الشفافية ومكافحة الجريمة المالية.
وسيتولى المجلس إعداد المهنة لمواجهة تحديات الرقمنة والذكاء الاصطناعي، ليكون محركًا أساسيا لتحديث المنظومة المالية الوطنية.
كما يتضمن النص اعتماد مدونة أخلاقيات مهنية بمرسوم تنفيذي، وإرساء نظام رقابة على الجودة مرفق بعقوبات تدريجية، ومنع مقاولة مهام التدقيق لضمان الاستقلالية، إضافة إلى إدراج عقوبات تأديبية وجزائية لمكافحة الممارسة غير الشرعية، مع الاعتراف الرسمي بالتكوين المستمر كشرط أساسي للبقاء في الجدول الوطني.
ويشمل القانون أحكاما انتقالية تضمن استمرارية الحقوق ونقل الأملاك والأرشيف إلى الهيئة الجديدة المسماة “المصف الوطني”. كما ينسجم مع المعايير والممارسات الدولية، ما يضع الجزائر في مصاف الأنظمة المهنية الحديثة في المنطقة المغاربية والإفريقية، ويُسهم في الاعتراف المتبادل بالمؤهلات وحركية الكفاءات الجزائرية.
ومن بين الآثار المنتظرة من تطبيق القانون، تعزيز الشفافية المالية عبر قوائم دقيقة وتدقيقات موثوقة، ورفع المردودية الجبائية بتقليص الاقتصاد الموازي ومكافحة الغش، واسترجاع ثقة المستثمرين وتحسين سمعة الجزائر ومصداقيتها المالية. كما يكرّس النص تطور المسار المهني على أساس الكفاءة والخبرة والتكوين، ويحول المشاركة في الجمعيات العامة إلى التزام مهني يرافقه نظام عقوبات تأديبية، بما يعزز الانضباط ويقوي البنية المؤسسية.
حماية قانونية لمحافظي الحسابات
كما يمنح القانون حماية قانونية جديدة لمحافظي الحسابات، مساوية لتلك الممنوحة للأعوان العموميين، باعتبار مهامهم ذات مصلحة عامة، وتُلزم الإجراءات بإشعار المصف الوطني قبل أي تحقيق قضائي يخصهم، مع حضور ممثل عنه أثناء جلسات الاستماع لضمان احترام السر المهني وحقوق الدفاع.
ويكرس هذا التوجه مهنة المحاسبة والتدقيق كأداة وطنية لضمان صدق الحسابات ومكافحة الفساد والاقتصاد الموازي، وتعزيز الثقة في الأرقام والمؤسسات المالية بالجزائر.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس





