محطات الخدمات.. نقاط عذاب لزيادة مشقة السفر

16

عرفت قضية مقاطعة محطة للخدمات بولاية البويرة تجاوبا كبيرا مع مستعملي الطريق السيار الذين رفعوا شعار المقاطعة، معلنين رفضهم للغلاء وسوء المعاملة وتدني الخدمات، وهي الميزات التي ولدت مع أغلبية المحطات الموزعة عبر الطرقات الجزائرية والتي لم يبق منها إلا الاسم وشيء قليل يشبه الخدمة.

هذه الحملة التي أثيرت ضد محطة تقدم خدمات الوقود والإطعام والتسوق على الطريق السيار جاءت بعد انتشار نداءات المقاطعة عبر الفايسبوك بسبب الغلاء وضعف الخدمات وسوء المعاملة، وبغض النظر عن وضعية هذه المحطة وجب التأكيد على خدمات المحطات عبر الطرقات الجزائرية والتي اشتهرت بالرداءة في كل شيء، وهذه الحقيقة المرة عايشها الجزائريون منذ بداية الاستقلال، خاصة عبر الطريق الوطني رقم 5 الذي كان في السابق الرابط الوحيد بين الجزائر العاصمة وكل ولايات الشرق الجزائري، والذي كان يعرف حيوية كبيرة بالنظر للعدد الهائل للمركبات التي تسلكه على مدار 24 ساعة.

الرداءة لها جذورها مع أيام الطريق الوطني رقم5
كانت مطاعم ولاية البويرة هي النقطة المناسبة لراحة المسافرين سواء مستعملي الحافلات أو الشاحنات أو سيارات الأجرة أو الخاصة، وكان حينها المسافر يعيش مأساة حقيقية في هذه المحطات التي لا تتوفر فيها أدنى شروط الراحة، بل هي محطات لزيادة التوتر ومضاعفة إعياء السفر، حيث اشتهرت هذه المطاعم بانعدام النظافة ورداءة الوجبات وضعف كبير في الخدمات. وبما أن المسافر الجزائري مغلوب على أمره وغير مخير فكان يرمي بأمواله لهؤلاء المصاصين دون التفكير في العواقب، فكانت بالنسبة إليه هذه المحطات نقطة مرور إجبارية عليه أن يتجاوزها كيفما كانت الأحوال والظروف، وكل واحد يعتبر نفسه غير معني بحكم عدم انتمائه للمنطقة وبحكم الظرف القصير الذي يقضيه في هذا المكان، وهي العقلية التي زادت في تدهور ما يسمى مجازا بخدمات في محطات عقابية لا علاقة لها إطلاقا بالراحة آو الاستراحة.

والمعروف أن أصحاب مطاعم ولاية البويرة في فترة ما قبل الطريق السيار بلغوا مرحلة التفرعن ولم يعد يقف في طريقهم لا معارض ولا واعظ وتفننوا في إذلال وإهانة المسافرين بوجباتهم الرديئة وخدماتهم المتدنية وسط ظروف تنعدم فيها النظافة، وقد تحول أصحاب هذه المحطات إلى رجال أعمال يملكون ورشات لتقديم العلف أو ما يسمى بالطعام بكميات هائلة دون التفكير في النوعية، ومثلهم كمثل الذي يطعم الأنعام/ بل هم أضل.. لأن الماشية تلقى رعاية أفضل.

والمؤسف كانت هذه المحطات تلقى إقبالا كبيرا فينزل المسافرون لتناول الطعام بنفسية منحطة ويغادرون المكان وكلهم أسف وتذمر، لكن دون أن يغيروا أي شيء، فجاء التغيير بعد فتح الطريق السيار الذي أتى على كل محطات الطريق الوطني رقم 5 التي ظن أصحابها في يوم ما أن أملاكهم لن تبيد أبدا، فأحيط بهم وأصبحوا يقلبون أيديهم على ما أنفقوا في محطاتهم وهي خاوية على عروشها. وكانوا الخاسر الأكبر من فتح الطريق السيار الذي كان بالنسبة إليهم مصدر شؤم وخراب وزوال لملك ظنوا انه لا يفنى.

دورات مياه أم مغارات للرعب؟
وسواء على الطريق السيار أو عبر باقي الطرقات الوطنية لازالت العقليات لم تتغير وظلت الخدمات ذاتها عبر العديد من المحطات التي تقدم نفس الرداءة في نفس الأطباق والذهنيات، والمطاعم هي النقطة السوداء الأولى التي يركز أصحابها على الكم مع إهمال النوع، فلا الشواء يشبه الشواء ولا اللحم فيه ذاك المذاق اللذيذ فيخيل لك أنك تأكل اللحم وأسنانك تصارع شريحة أقرب الى قطعة جلد لا خير فيها ولا لذة.

وليس لك خيار بين “الفريت” البارد والأرز المغلى في الماء وبطاطا “البيري” التي تفتقد للذوق والرائحة، وأنت مرغم على تناول هذا الثلاثي الرهيب الذي يصدم معدتك ويفجع قلبك فتكتمها في نفسك، ثم تتوجه ناحية “المعلم” الذي يبخل عليك بالابتسامة ولا يكلف نفسه النظر إلى وجهك، لأنه مشغول بتفقد صندوق المال، وبنظرته الثاقبة يقذفك بفاتورة تسد نفسك وتجمد ما في بطنك، وبما أنك مُسير ولست مخيرا تدفع مثلما فعل الذين سبقوك وتغادر المكان وبداخلك غصة الإحساس بأنك ضحية خرج للتو من غرفة الجلاد.

هذا فصل، بينما الفصل الآخر فيكمن في الخدمات البيولوجية الأخرى المتعلقة بالاستراحة في دورة المياه التي لم تبق منها إلا الدورة وهي أشبه ما تكون بمغارات الرعب المظلمة، بل هي أوكار للأوساخ والفضلات ولا علاقة لها إطلاقا بالنظافة، وعند الوصول إليها تشعر أنك تُدفع إلى العذاب فتدخل الممر المظلم بعد طول انتظار ووقوف في الطابور، وعند الوصول إلى المدخل تجد ذاك الجلاد الثاني يقف أمام طاولة ليطالبك بدفع مبلغ 20 دج، وتمر بعدها إلى ما يسمونه غرف الراحة ببابها الحديدي الذي يفتح ولا يغلق وبه فتحات أكلها الصدأ فلست مجبرا على الإعلان عن وجودك بالداخل، فالباب يوضح كل شيء وإذا اختليت بنفسك لا تنظر إلى الأسفل أنك سترى ما لا يرضيك، وحاول أن تقضي حاجتك بحذر وعجل، فالمكان لا يطيق الإطالة وهو ينفر منك مثلما تنفر منه وهناك تدرك حقيقة الخبث والخبائث.

هذا هو حال المحطات المخصصة للمسافرين تدخلها مكرها ويستقبلونك بـ”التشناف” وسوء الخدمات ويمتصون جيبك ويلقون بك في التهلكة في مراحيض الأذى والشؤم، وفي الأخير تغادرها بكل أسف وحسرة، لكنك ستعود إليها حتما إذا كنت راكبا في حافلة أو سيارة أجرة.

“السلعة” تسلم بالاتفاق بين سائق الحافلة وصاحب المحطة
قد يوهمك سائق الحافلة ورفيقه باختيار المحطة الفلانية، لأنها تقدم خدمات أفضل وطعامها شهي، هذه الكذبة يكررها هؤلاء في كل سفرية، لأنهم يتعمدون دوما التوقف للاستراحة في نفس المحطة التي لهم فيها اتفاقية تربطهم مع صاحبها، فالسائق عليه أن يأتيهم بالزبائن ويفرغ المسافرين مكرهين، وصاحب المحطة يضمن له وجبة كاملة مجانا له ولرفيقه، فلهما قاعة خاصة يتناولان فيها ما طاب من مشاو ولحوم ومشروبات باردة وساخنة مع معاملة خاصة، بينما باقي المسافرين فيرمى بهم في القاعة العامة ولهم أن يتحملوا كل ما يثير غضبهم سواء تعلق الأمر بنوعية الطعام الرديئة أو الخدمات المتدنية الممزوجة بكمية من “التشناف” ولهم أيضا أن يتحملوا كل التبعات التي تجعلهم يندمون على النزول بتلك المحطة.

ويزيد ندم المسافرين حين يعلمون أن المؤامرة حيكت بتواطؤ سائق الحافلة وصاحبه، وهي ظاهرة معممة على كل الحافلات، فلكل محطة حافلاتها وفق اتفاق سري مبرم منذ سنوات لا يزعزعه صيف ولا شتاء. ونفس الشيء بالنسبة لأصحاب سيارات الأجرة، فإياك أن تعتقد أن السائق اختار مثلما أوهمك المحطة الفلانية، لأن أكلها نظيف، بل اعلم انه هو الآخر متواطئ، لكن بمقابل أقل، فلا يستفيد من وجبة كاملة مجانا وإنما له حق في الاستفادة من السلطة وبعض المقبلات مجانا ويمكنه أيضا أن يستفيد من مشروبات أو تحلية مقابل إنزال من معه بالمحطة. وفي كلتا الحالتين المسافر سلعة تسلم وفق اتفاق مسبق.

وإذا كانت المحطات الجديدة الموزعة عبر الطريق السيار تعرف نوعا من التحسن من حيث النظافة، فإن غلاء الأسعار يبقى يطبع هذه الأماكن مع ضعف أيضا في الخدمات التي تبقى محدودة والوجبات مقتصرة على البيتزا والساندويتش الذي لا ينزل سعره عن 500 دج، ونفس الشيء بالنسبة للمشروبات التي تجدها بسعر مضاعف، وحتى خدمات دورة المياه تكون بالمقابل ولم يبق عندهم إلا المصلى بالمجان، ومن يدري قد يحاسبونك يوما ما حسب عدد الركعات.

فالمحطات التي تعترض المسافر عبر مختلف الطرقات على المستوى الوطني لازالت بعيدة عن الخدمة الطبيعية، بل هناك محطات لا تتوفر فيها المياه وتجدها جافة لا حياة فيها وتعمل تحت رحمة الصهاريج القديمة، وأغلبية المحطات ترفع مجازا شعار الراحة، بينما هي مضرة للمسافر غذائيا وبيولوجيا ونفسيا وصحيا وحتى روحيا، لأن الصلاة عندهم تكون في مصليات غير نظيفة، والأمر يحتاج أكثر من مقاطعة، ومن أراد أن يتفادى كل هذا العذاب عليه أن يتزود بطعامه المنزلي ولا يكثر من الأكل حتى لا يحتاج إلى دورة المياه وبالتالي يتجنب هذه المحطات التي لم يعد لها دور سوى الزيادة في مشقة السفر.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here