أفريقيا برس – الجزائر. يعود موسى عبدي، البرلماني السابق، وصاحب مقترح تجريم الاستعمار سنة 2010 الذي تم إجهاضه أنذاك، عن المراحل الأولى للمسعى وأسباب إفشاله.
ويتحدث عبدي في هذا الحوار مع “الشروق”، عقب مصادقة النواب على مقترح القانون المتعلق بهذا الملف، عن التحول الذي ستكون عليه العلاقات الجزائرية الفرنسية، ويؤكد أن ما تحقق في جلسة زيغود يوسف، الأربعاء الماضي، عبر انخراط جميع الكتل النيابية، ما كان ليحصل لولا وجود إرادة سياسة من أعلى هرم السلطة في البلاد.
ماذا يعني سن قانون لتجريم الاستعمار الفرنسي بعد 63 سنة من الاستقلال؟
ظهرت الفكرة أول مرة في الحياة التشريعية خلال العهدة الثالثة (1987–1992)، وعلى وجه التحديد سنة 1990. أنذاك تحركت مجموعة من الشباب، من أبناء الشهداء والمجاهدين في إطار الحزب الواحد، بهدف رفع لائحة سياسية داخل البرلمان، موجهة إلى فرنسا للاعتراف بجرائمها، غير أن المبادرة أو اللائحة السياسية لم تر النور بسبب الوضع السياسي، كما تدخلت أطراف أخرى لها وزنها السياسي، فتم إيقاف هذه اللائحة، رغم أنها وصلت إلى مختلف المراحل التشريعية.
وقد وصلتنا خلال الفترة التشريعية السادسة التي قمنا بها مع مجموعة من النواب، حيث وقّع 124 نائبًا على المبادرة، وهي مبادرة تُجرّم الاستعمار الفرنسي. وأقول بصريح العبارة إن هذه المبادرة هي الوحيدة التي كُتب لها أن تُقبل من قبل مكتب المجلس الشعبي الوطني أنذاك، وتمت المصادقة عليها بالإجماع، ثم رُفع هذا المقترح إلى الحكومة، عام 2010 في شهر سبتمبر. وقد صرّح الوزير الأول أنذاك بأن المشروع يتنافى مع اتفاقية إيفيان ويتعارض مع بعض المسائل السياسية والدبلوماسية للدولة الجزائرية، ووجّه رسالة إلى رئيس المجلس الشعبي الوطني، الذي أبلغني لاحقًا أن المبادرة والمقترح لا يمكن تمريرهما لاعتبارات سياسية ودبلوماسية.
المصادقة تمت بفضل رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون
هذا القانون الذي تمت المصادقة عليه يوم الأربعاء 24 ديسمبر 2025، بعد مرور 15 عامًا، يعود اليوم من جديد. وسبق لي أن قلت سنة 2010، لما أُبلغت من رئيس المجلس الشعبي الوطني أن القانون لا يمكن تمريره، قلت أنذاك إن الفكرة وصلت إلى الشعب الجزائري، وإلى روح وقلب المجتمع الجزائري، وسيأتي نواب يمكن لهم أن يمرروا هذا المشروع. وبعد 15 سنة، وصلنا إلى ما كنا نصبو إليه بعد نضال مرير. ورغم المضايقات الكثيرة، لم نتوقف وواصلنا النضال من أجل أن تتم المصادقة على هذا القانون.
وقد سبق لي أن قلت لرئيس المجلس الشعبي الوطني إبراهيم بوغالي إن القانون سيرى النور بعد أن يتم تبنيه من المؤسسة التشريعية بمشاركة كل الكتل النيابية، وسيرى النور، وها قد تمت المصادقة عليه، وسيشق طريقه نحو الحقيقة. وأريد أن أُبين، على سبيل المقاربة، توضيح بعض المفاهيم: فرنسا، بعد 175 سنة من احتلالها الجزائر، قامت بسن قانون تمجيد الاستعمار الفرنسي سنة 2005، وهو ما نسميه قانون العار، ومعناه أنها راحت تقول إن الاستعمار كان بناءً حضاريًا إنسانيًا في مستعمراتها.
هذا القانون سيكون له صدى كبير على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، وأعتقد أنه ضربة موجعة للسياسة الفرنسية، خاصة لليمين المتطرف بجميع تياراته. ومهما كان الخلاف بين اليمين واليسار، فإن هناك مواقف فرنسية يمكن أن تتقارب. وأعتقد أن ما قامت به السياسة الفرنسية في عهد ساركوزي وهولاند، لوقف قانون تجريم الاستعمار أنذاك، حيث بعثت فرنسا بعدد من الوزراء والدبلوماسيين والسياسيين للتحرك من أجل إيقاف المشروع، وقد نجحت في ذلك، حتى إن كوشنير صرّح بأن القانون لن يمر.
هل كان للنص القانوني أن يمضي قدما من دون سند ودعم إرادة سياسية من مكونات الدولة الجزائرية؟
اليوم، والحمد لله، ناضلنا بصدق ووفاء وإخلاص، وتمت المصادقة بفضل رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الذي أولى العناية الكاملة للذاكرة الوطنية والتاريخ الوطني، وكان حافزًا كبيرًا للسلطة التشريعية التي انسجمت وواكبت وكانت في مستوى تطلعات الجزائريين، وسنّت هذا النص الذي أعتقد أنه حان الوقت لتمريره ليكون طفرة نوعية متميزة في التشريع الجزائري، ويكون منعرجًا وتحولًا في العلاقات الجزائرية الفرنسية.
ماذا سيضيف هذا النص القانوني للذاكرة الوطنية وسيادة الدولة الجزائرية؟
الإضافة التي سيقدمها هذا القانون تُعد ترسانة قانونية جديدة في المنظومة التشريعية، وبإمكانه كبح جماح الفرنسيين من اليمينيين وتيارات أخرى لا تزال تعتقد أن لها ممتلكات في الجزائر، إضافة إلى المطالب الأخرى المتعلقة بالاعتراف والاعتذار والتعويض عن الجرائم. ففرنسا، على سبيل المقاربة، بعد الحرب العالمية الثانية دفعت لليهود ما قيمته 60 مليار دولار كتعويض، كما قدمت 3 مليارات دولار مقابل تعويض عن الجرائم المرتكبة، وكانت مدة الاحتلال الإيطالي 40 سنة، أما الاحتلال الفرنسي فدام 132 سنة. وهذه الفترة، إذا ما تم التعويض عنها، أعتقد أن الثمن سيكون مرتفعًا جدًا بالنسبة لفرنسا.
وسيتم تدويل الجرائم والتعويض على مستوى إفريقيا، وسبق لنا أن دوّنا تشكيل هيئة دولية من المستعمرات الإفريقية لتدويل الاستعمار الفرنسي، وتكون القارة هي الجزائر. ولولا رئيس الجمهورية، ولولا الرعاية التي أولاها للذاكرة الوطنية، لما كان لهذا النص أن يرى النور.
كيف سيكون شكل العلاقات الجزائرية الفرنسية بعد سن القانون؟
بعد سنّ هذا القانون، ستعرف العلاقات منعرجًا آخر مهمًا، وقد تسعى فرنسا إلى توتير العلاقات أكثر فأكثر مع الجزائر، لكن المعسكر الاشتراكي سيعمل خاصة بعد انتخاب السيدة سيغولين روايال رئيسة لجمعية فرنسا ـ الجزائر، على عكس هذا النهج. كما سيكون هناك تحرك على مستوى النخب والباحثين والمؤرخين، باهتمام أكبر بالذاكرة الوطنية وتسجيل الجرائم الاستعمارية وإحصائها وتوثيقها التي ارتُكبت في حق الجزائر. وإن لم تكن فرنسا في مستوى هذا الحدث، فستُجرّ فرنسا إلى المحاكم الدولية، وستتحرك دول تعرضت للاستعمار لتنتهج نفس النهج الذي سلكته الجزائر، لترد الاعتبار لشعوبها.
المصدر: الشروق
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس





