نسرين جعفر
أفريقيا برس – الجزائر. أعلن الاتحاد الأوروبي عن تحديث قائمته للدول “عالية المخاطر” في مجال مكافحة غسل الأموال، ليشمل الجزائر متجاهلا كل الجهود القانونية التي بدلتها لمحاربة الظاهرة خلال السنوات الأخيرة في توقيت يحمل دلالات سياسية خطيرة.
ويترتب عن هذا الإدراج إلزام المؤسسات المالية الأوروبية باتخاذ تدابير رقابية مشددة على التعاملات المالية المرتبطة بالجزائر، وبينما اعتبر القرار في بروكسل إجراء تقنيا يندرج ضمن سياسة الاتحاد الأوروبي لحماية نظامه المالي، يرى مراقبون ومحللون أن هذا التصنيف يتجاهل جهود الجزائر التشريعية والتنظيمية المتقدمة في مجال مكافحة الجرائم المالية ويثير تساؤلات حول الخلفيات السياسية الكامنة وراءه.
فمنذ سنة 2020 أطلقت الجزائر حزمة من الإصلاحات القانونية لتعزيز الشفافية المالية ومكافحة الظواهر الاقتصادية غير المشروعة. ومن بين أبرز هذه الإجراءات تعديل قانون الوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب (2021)، حيث تم توسيع صلاحيات خلية معالجة المعلومات المالية وتعزيز التعاون الدولي في تتبع الأموال المشبوهة.
كما تم إنشاء هيئة وطنية مستقلة للرقابة المالية (2022) تراقب البنوك وشركات التأمين والتحويلات المالية وتلزم هذه الجهات بالإبلاغ عن أي نشاط مالي غير معتاد.
واعتمدت نظام التصريح الإلكتروني للممتلكات والتحويلات الخارجية (2023) وهو إجراء يعزز الشفافية ويرصد تحركات رؤوس الأموال بدقة ويقلل من فرص التهرب المالي.
كما قامت الجزائر بتفعيل اتفاقيات التعاون مع مجموعة العمل المالي وصندوق النقد الدولي، حيث خضعت الجزائر لعدة مراجعات تقنية وتقييمات إيجابية منذ 2022، شهدت بتحسن ملموس في قدرات الدولة على رصد وتفكيك شبكات غسل الأموال.
ورغم كل هذه الخطوات، جاء إدراج الجزائر في القائمة السوداء للاتحاد الأوروبي، ويرى العديد من المحللين أن هذا القرار لا يعكس واقع الجهود الجزائرية، بل يُقرأ في ضوء اعتبارات جيوسياسية واقتصادية أوسع.
فمن حيث التوقيت جاء الإعلان في وقت تشهد فيه العلاقات الجزائرية-الأوروبية بعض الفتور، خصوصا بعد تقارب الجزائر مع شركاء خارج الفضاء الأوروبي كالصين وروسيا وتركيا وتوتر علاقاتها مع فرنسا.
ويأتي أيضا تزامنا مع سحب دول مثل الإمارات وجامايكا والفليبين من القائمة رغم وجود مؤشرات سابقة عن مخاطر مالية في بعض هذه الدول، مما يطرح تساؤلات حول المعايير المزدوجة التي يعتمدها الاتحاد الأوروبي في تصنيفاته، وهناك من يرى أن تصنيف الجزائر قد يُستخدم كورقة ضغط لتقييد حركتها الاقتصادية في إفريقيا ومحيطها المتوسطي، خاصة مع تنامي طموحاتها في لعب دور مالي إقليمي، من خلال العملة الموحدة للاتحاد الإفريقي ومبادرات البريكس.
وقد سبق لوزارة المالية أن دعت في ماي 2024 إلى مراجعة آلية تصنيف الدول من قبل الاتحاد الأوروبي، معتبرة أن التقييمات لا تأخذ بعين الاعتبار الواقع المؤسساتي لكل دولة، بل تعتمد على تقارير “عامة وغير دقيقة في كثير من الأحيان”.
ويرى خبراء في القانون الدولي، أنه أمام الجزائر الآن خيارين لمواصلة المسار التقني بالاستمرار في التفاوض مع الهيئات المالية الأوروبية وتقديم الوثائق التي تثبت تحسن المنظومة الرقابية الوطنية أو التحرك الدبلوماسي، من خلال فتح قنوات حوار مباشر مع الاتحاد الأوروبي واستثمار التحالفات في البرلمان الأوروبي لتعديل هذا التصنيف.
ويعكس قرار الاتحاد الأوروبي بإدراج الجزائر في قائمته السوداء لمكافحة غسل الأموال تعقيد العلاقة بين ما هو تقني وما هو سياسي في تقييم الدول. فرغم الجهود القانونية والتنظيمية الملموسة التي بذلتها الجزائر، جاء القرار ليؤكد ازدواجية معايير الاتحاد في تصنيف الدول.
وفي تعليقه قال المحلل السياسي، شاكر محفوظي، إنه لا يمكن بأي حال من الأحوال فصل قرار الاتحاد الأوروبي بإدراج الجزائر ضمن قائمته السوداء الخاصة بالدول التي تُظهر قصورًا في مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب عن الخلفية السياسية التي تحكم علاقة الجزائر ببعض العواصم الأوروبية وعلى رأسها باريس.
فمن الواضح، حسبه، أن فرنسا باعتبارها أحد أبرز الفاعلين داخل الاتحاد الأوروبي، تستغل الفضاء الأوروبي إلى أبعد الحدود لممارسة نفوذها وتصفية حساباتها الخاصة مع بلادنا، وليست هذه المرة الأولى التي تلجأ فيها باريس إلى أدوات الاتحاد الأوروبي كوسيلة غير مباشرة للضغط على الجزائر، خاصة في فترات التوتر أو التباين في الرؤى حول قضايا إقليمية حساسة، مثل الملف الليبي أو الحضور الجزائري المتنامي في منطقة الساحل أو حتى مواقف الجزائر المستقلة من السياسات الغربية بصفة عامة.
وقال محفوظي إن توقيت هذا القرار يحمل دلالات سياسية خطيرة ويكشف عن محاولة لإعادة تشكيل مسار العلاقة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي على أساس من الضغط والإملاء، وهو ما يتعارض بشكل صريح مع التوجه السيادي الذي تبنته الجزائر في سياستها الخارجية، خاصة خلال عهدتي الرئيس عبد المجيد تبون والذي تميّز بإعادة رسم أولويات الجزائر الإقليمية والدولية بعيدا عن منطق التبعية.
واعتبر أن توظيف قضية غسيل الأموال، وهي ظاهرة تعاني منها دول أوروبية كبرى كوسيلة للضغط السياسي يثير تساؤلات مشروعة حول معايير الاتحاد الأوروبي في التصنيف ومدى توازنها ومصداقيتها. فالجزائر كانت قد صادقت على عدد من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة وتتعاون بشكل واضح مع الهيئات المختصة بما في ذلك مجموعة العمل المالي (FATF)، ما يجعل من هذا القرار خطوة تتعارض مع روح التعاون الدولي وتُفقد مثل هذه القوائم بعدها التقني وتحولها إلى أداة ابتزاز سياسي، في وقت يفترض فيه أن تتظافر الجهود بين الشركاء للتصدي الحقيقي للجرائم المالية العابرة للحدود.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس