أفريقيا برس – الجزائر. فتح البرلمان الفرنسي فصلا جديدا من الصراع الجزائري الفرنسي، بإعداد مقترح اللائحة التي تطالب بإلغاء اتفاقية الهجرة لسنة 1968 من جانب واحد، في قرار من شأنه أن يفتح المجال أمام البرلمان الجزائري للقيام بمبادرة مضادة قد تلقى الترحيب من السلطات الجزائرية، بعد ما يقارب العقدين من منع المؤسسة التشريعية الجزائرية من القيام بأي تشريع يستهدف الجانب الفرنسي.
وجاءت اللائحة الفرنسية المدفوعة من قبل المجموعة البرلمانية لحزب “الجمهوريون” اليميني، في ظرف سياسي خاص طبعه تصفية الشاب القاصر “نائل” على يد شرطي فرنسي في عملية يشتم فيها رائحة العنصرية أو بالأخص “فوبيا الجزائر”.
كما تزامن الإعلان عن هذه اللائحة وهجمة عنصرية غير مسبوقة على الجاليات المهاجرة وفي مقدمتها الجزائرية، قادها كالعادة اليمين المتطرف واليمين التقليدي، الذي يبدو أنه أصبح يتنافس مع اليمين المتطرف في إيذاء الجزائريين، وجسدها تصريح رئيس المجموعة البرلمانية لحزب الجمهوريون، برونو روتايو، الذي لم يتورع عن وصف من قام بالاحتجاجات ردا على القتل الوحشي للشاب نائل، بأنهم “متوحشون”، في تصريح عنصري سافر قد يكون له ما بعده.
اليمينيون المتطرفون يحاولون استغلال الظرف الخاص الذي تعيشه فرنسا هذه الأيام من أجل الضغط على حكومة اليزابيت بورن، لحملها على إلغاء اتفاقية 1968 ولو من جانب واحد في استفزاز سافل للجزائر، لكن السلطات الجزائرية لديها من الأوراق ما يمكّنها من رد الصاع صاعين، في حال انزلق الجانب الفرنسي إلى المستنقع الذي سبق للجزائر أن حذرت منه عبر قنوات غير رسمية.
وكما يحاول الفرنسيون اللعب على الورقة التشريعية لتفادي إحراج السلطة التنفيذية ممثلة في قصر الايليزي والرئيس إيمانويل ماكرون شخصيا، فإن البرلمان الجزائري بدوره ينتظر بفارغ الصبر الفرصة لتفعيل ورقة قديمة متجددة، وهي ورقة الماضي الاستعماري، التي تعطلت في أكثر من مناسبة.
ويتذكر المتابعون كيف أن السلطات التنفيدية في الجزائر تدخلت في سنة 2005، لوأد لائحة الرد على البرلمان الفرنسي الذي كان يومها قد سن قانون 23 فبراير 2005، الذي يمجد الجرائم الاستعمارية في الجزائر وفي غيرها من البلدان التي كانت ضحية جرائم الاستعمار الفرنسي الغاشم.
يومها تدخلت الرئاسة ممثلة في شخص الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، لتوبخ رئاسة الغرفة السفلى للبرلمان حينها، بداعي أن السياسة الخارجية هي من صلاحية الرئاسة وليس البرلمان، فتوقفت اللائحة بينما كانت قريبة من التجسيد.
ومنذ سنة 2005، بقي مشروع قانون تجريم الاستعمار الفرنسي في الجزائر، محل تجاذب بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، وكانت في كل مرة الغلبة للجهاز التنفيذي، الذي استطاع أن يفرض منطقه، بداعي الحفاظ على المصالح الجزائرية في فرنسا، ولكن بقي المشروع حاضرا يختفي أحيانا ويعود أحيانا أخرى حسب طبيعة وظروف العلاقات بين الجزائر وباريس.
ومع وصول العلاقات الجزائرية الفرنسية إلى هذا المستوى من التوتر، بسبب الاستفزازات الفرنسية المتكررة، والتي أخذت أبعادا غير متوقعة بعد المرسوم الذي وقعه الرئيس عبد المجيد تبون، المتعلق بالنشيد الوطني، وما خلفه من اشتباك دبلوماسي بسبب التصريحات غير المحسوبة لرئيسة الدبلوماسية الفرنسية، كاثرين كولونا، ورد وزير الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، أحمد عطاف، باتت الظروف مهيأة من أجل إحياء مشروع قانون تجريم الاستعمار الفرنسي، المعطل منذ ما يقارب العقدين من الزمن.
وبالإضافة إلى ورقة الذاكرة، هناك أوراق أخرى لا تقل أهمية، ومنها الورقة الاقتصادية وورقة الغاز الذي يسعى الجانب الفرنسي إلى رفع وارداته منه بنسبة خمسين بالمائة، وهو المشروع الذي يبقى معلقا منذ زيارة ماكرون للجزائر قبل نحو سنة.
وتبقى طبيعة الرد الجزائري رهينة التطورات على مستوى دواليب الدولة الفرنسية ومدى قدرة الرئيس ماكرون ومحيطه السياسي على ضبط مواقف وسلوكيات اليمين التقليدي واليمين المتطرف في التعاطي مع القضايا التي تهم الجزائر، والتي أصبحت في الآونة الأخيرة هدفا للوبيات المعادية والرافضة لوجود علاقات ندية بين الطرفين.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس