أفريقيا برس – الجزائر. لحظات مؤثرة امتزج فيها الحزن بالبكاء، ميّزت اليوم السادس من محاكمة” الفساد الانتخابي”، التي حوّلتها هيئة الدفاع إلى مأساة إنسانية بكل المقاييس من خلال مرافعات، ركّزت فيها على الجانب الاجتماعي والصحي للمتهمين الذين يتوزعون بين منتخبين ومرشدين دينيين ومعلمين ومواطنين عاديين، والذين يقضي أغلبهم 10 أشهر بين جدران زنزانات السجون.
لم تكن انطلاقة محاكمة المترشحين للرئاسيات 2024 ومن معهم من المتهمين، في يومها السادس على التوالي، عادية، فمباشرة بعد دخول الموقوفين، الذين يزيد عددهم عن 68 متهما إلى قاعة الجلسات، تعالت أصواتهم، مردّدين عبارات جد مؤثرة: “من فضلكم أبلغوا السلطات والرأي العام أننا الحلقة الأضعف في هذا الملف.. نحن “زواولة”، أحدهم يصرخ ويقول: “مات وليدي ماشفتوش”، والآخر يصرخ: “لي داروها راهم برا، واحنا رانا في السجن”، وآخر يردّد: “حبسي الله ونعم الوكيل”.. في مشهد هستيري يفسّر وجودهم في السجن لمدة تزيد عن 10 أشهر، بعيدين عن أهلهم وذويهم وأحبابهم، بل الأكثر من ذلك، يوجد من المتهمين من أصيب بالسرطان والآخر بالسكري، فيما يعيش أحدهم في معزل فردي وتحت رحمة جهاز التنفس لأن الأوكسجين لا يصل إلى دماغه في الفترة الليلية!، ومع هذا، فإن الجميع اتفق على عبارة واحدة: “لدينا ثقة في العدالة… إن شاء الله نجوزوا العيد لكبير مع عائلاتنا..”.
المحامي عليوي: القضية لا ترقى لمعالجتها بمحكمة القطب المتخصّص
بلغة غاضبة، تساءل المحامي سليم عليوي، خلال مرافعة قوية هزّت أركان قاعة الجلسات، عن أسباب الزج بهؤلاء المتهمين من المواطنين والمنتخبين في السجن، فيما بقي المترشحون للرئاسيات في الخارج؟
واستهل عليوي، المتأسّس في حق المتهم “م.عبد الجليل”، منتخب محلي عن بلدية بودواو بولاية بومرداس، مرافعته بالقول: “سيدي الرئيس، هؤلاء المتهمون الموقوفون من فئة المواطنين والمنتخبين، هم الحلقة الأضعف في ملف الحال، فأول ملاحظة سجلتها، هي أن مثل هذه القضية لا ترقى أن يتم مناقشتها على مستوى محكمة القطب الجزائي الوطني المتخصّص في الجرائم الاقتصادية والمالية، لأن الوقائع ليست على درجة من التعقيد، كما أن قاضي التحقيق لم يفصل في كل الأعباء التي تقع على كل متهم لوحده، بل قام بتكييف الوقائع وإحالتهم على محكمة الحالة جماعيا”.
وخاطب هيئة المحكمة قائلا: “بصراحة، وأنا أتحمّل مسؤولية ما أقول… سيدي الرئيس، هؤلاء المواطنون والمنتخبون الذين يقبعون في السجن “جابوهم” المترشحين الذين هم أحرار… واليوم تلتمس نيابة الجمهورية في حقهم 5 سنوات حبسا نافذا… عجبا؟ 10 سنوات للمترشحين الذين هم أحرار و5 سنوات حبسا نافذا للموقوفين؟ لا وألف لا سيدي الرئيس، هؤلاء فقراء وضعهم الاجتماعي مزر، بل هناك من لا يملك حتى قوت يومه، وما زاد الطين بلة هو ترك عائلاتهم في “المزيرية”.
المحامي عليوي يتنهد بعمق، ثم يواصل مرافعته: “سيدي الرئيس، بصريح العبارة هؤلاء حفاة عراة… حتى ولو أخذوا منافع مالية، لا يوجد نص قانوني للانتخابات يجرّم هذا الفعل… والله مأساة بكل المقاييس صدقوا أو لا تصدقوا، وأنا أتحمّل مسؤوليتي كاملة… هذا الملف جرّ هؤلاء ظلما ولسان حالهم أجمعين يردّد: نحن نثق في عدالة بلادنا وسوف تنصفنا ونعود إلى أهالينا وأحبابنا… ورايحين نجوزوا العيد لكبير في بيوتنا بإذن الله، تعالى”.
المحامي “يوسف.ز”: لقد تم إحالة المتهمين بالجملة
ومن جهته، انتفض المحامي “يوسف.ز” ضد ما أسماه “سياسة العقاب الجماعي” مستندا على الإحالة الجماعية ورمي الأعباء بنفس المقاس على جميع المتهمين.
وعقّب الدفاع على مرافعة نيابة الجمهورية، بالقول إن “المراكز القانونية للمتهمين متشابهة ماعدا موكلي عبد القادر، فما شدّ انتباهي، سيدي الرئيس، في مرافعة النيابة هو عبارة الهرم النظامي” والتي فصلها قائلا: “الاستمارة تبدأ من المنتخبين لتصل إلى المترشحين، لكن السؤال المطروح في ملف الحال أين موقع موكلي في هذا الهرم النظامي؟ للأسف الشديد سيدي، قاضي التحقيق قام بإحالة المتهمين بـ”الجملة” من دون التفصيل في الأعباء التي تقع على كل متهم، والأكثر من ذلك، فإن الملف، الذي يضم حوالي 300 صفحة، كله مبني على ما جاء في المحاضر القضائية، ليتم في الأخير جر هؤلاء الموظفين والمنتخبين الذين هم أساسا الحلقة الأضعف في ملف الحال، إلى السجن ثم إلى محاكمة الحال”.
وتأسّف الدفاع للوضع الصحي والاجتماعي للموقوفين، حينما قال: “سيدي الرئيس، هناك العديد من المتهمين الماثلين أمامكم اليوم يموتون في السجن ببطء، هناك من فقد ابنه وأحدهم فقد أمه أو أباه، هناك من ترك عائلته للجوع والفقر المدقع… بل يوجد من المتهمين من أصيب بمرض السرطان، عفاكم الله وعفانا، “خليه يروح يموت براحة بين أهله وذويه.
“وعلى هذا الأساس، أختم مرافعتي بالتماسي من هيئة المحكمة النظر لهؤلاء بعين الرحمة والشفقة، وتبرئتهم أو إطلاق سراحهم ولكم واسع النظر”.
المحامي حموم: المادة 300 من قانون الانتخابات لا تنطبق على وقائع الحال
وبالمقابل، فإن المحامي إلياس حموم، المتأسّس في حق المتهم “أديب.خ” عضو في اتحاد التجار الحرفيين، ركّز، خلال مرافعته، على المادة 300 من القانون العضوي للانتخابات وقال إن هذه المادة لا تنطبق على وقائع الحال، لاسيما أن تلك التي جرت في مرحلة جمع الاستمارات وليس في مرحلة التصويت.
وأشار حموم إلى عدم تجريم عملية القيام بجمع الاستمارات وهذا يعد حقا لكل مواطن وليست العبرة بجمع الاستمارات وقال: “موكلي كان من الأعضاء المنتخبين ونشاطه كان بدون مقابل، يعني لا يوجد أي تسليم أو استلام”.
وعاد الدفاع إلى مناقشة المواد الأخرى المتعلقة بمكافحة الفساد المتابع فيه موكله أين شدّد على عدم قيام أركان الجريمة، كما خاض في معرض مرافعته، بالتفصيل، على الحالة الاجتماعية والصحية للمتهمين ووصفهم بالأبرياء، قائلا: “سيدي الرئيس، عندما أنظر إلى هؤلاء المتهمين الموقوفين والله صدقني “نحشم” لأننا لا نجد ما نقوله لهم، وخاصة أنهم يقبعون في السجن لمدة تقارب الـ10 أشهر ونحن على مقربة من عيد الأضحى المبارك، وأختم مرافعتي بالمطالبة بتبرئة موكلي وتكونون قد عدلتم”.
هيئة دفاع مدير التنظيم بـ”كونفدرالية رجال الأعمال”: نحن في خطر حين تصبح قرينة البراءة مجرد شعار
من جانب آخر، فإن هيئة الدفاع عن مدير الحملة الانتخابية للمترشحة لرئاسيات 2024 سعيدة نغزة، رافعت من أجل إسقاط التهم الموجهة إلى موكلها “ل. كريم” مفوض ممثل المرشحة الحرة لدى السلطة المستقلة لمراقبة الانتخابات، من خلال استعمال كل الأدلة والقرائن التي من شأنها تبرئة ساحة موكلها.
وباشر المحامي نذير لخضاري مرافعته بالقول “دفاعا عن موكلي “ل. كريم” والذي تم إحالته كباقي المتهمين بنص المادتين 25 و32 من القانون 06-01، وكذا المادة 300 من القانون العضوي المنظم للانتخابات، فأنا أكرر ما قاله أكثر من 40 محاميا، حتى اليوم بخصوص النص المتعلق بشراء الأصوات ما دام أننا أمام تزكية للراغب في الترشح.. أتعلمون سيدي الرئيس أن العبء الوحيد الذي جاء به التحقيق في صفحته 217، هو أن موكلي هو مدير التنظيم بالكونفدرالية العامة لرجال الأعمال وفي ما بعد عينته المترشحة آنذاك نغزة كمدير الإدارة لتنظيم الحملة الانتخابية وفقط”.
وأضاف “هل معقول تواجد موكلي رهن الحبس لمدة تفوق 9 أشهر من أجل إحالته للمحاكمة لقيامه بعمل مقابل أجر في إدارة الحملة الانتخابية؟ أيعقل أن تكون هذه نتائج تحقيق دام أكثر من 8 أشهر؟ أيعقل أن تلتمس النيابة تسليط عقوبة 8 سنوات حبسا نافذا في حقه؟.. أعلمكم سيدي الفاضل أن موكلي كان المكلف بالتنسيق مع السلطة الوطنية للانتخابات على مستوى جميع أنحاء الوطن، ولم يكن له أصلا الوقت لاستقبال الأشخاص أو التنقل إليهم، ولا يوجد أي دليل مادي يفيد بقيام موكلي بإعطاء أي مزية، بمفهوم نص المادة 25 ولم يتسلم أي وثيقة من أي كان، وعلى هذا الأساس نلتمس منكم تبرئة ساحة موكلي وبذلك تكونوا قد عدلتم ولكم واسع النظر.
وعلى نفس النهج سار المحامي أحسن عبدي خلال مرافعته لصالح نفس المتهم “ل. كريم”، قائلا “دفاعًا عن موكلي، المتابع من طرف نيابة محكمة الحال، والمحال أمامكم اليوم بموجب أمر الإحالة الصادر عن قاضي التحقيق للغرفة الثالثة، والمتهم بتهم خطيرة منصوص عليها في قانون الانتخابات وقانون مكافحة الفساد، أقف أمامكم اليوم، ليس فقط لأؤدي مهامي كمحام، بل لأرافع عن راية الحق والعدالة في وجه مظلمة قانونية ما كان يجب أن ترتكب”.
وأوضح عبدي أن الصفحة 215 من أمر الإحالة، وحدها تكفي لطرح عشرات علامات الاستفهام؟ قائلا: “10 أشهر من التحقيق، من السهر، من الاستدعاءات والمواجهات، لنصل إلى نتيجة مؤلمة قانونيا، بل ومؤسفة أخلاقيا: شخص بسيط، رب عائلة، مكلف بالتنظيم داخل الكونفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية، يقذف فجأة في ملف وصِف بالفساد الانتخابي، فقط لأنه كان يمثل راغبة في الترشح أمام السلطة الوطنية المستقلة لمراقبة الانتخابات”.
وتابع “سيدي الرئيس، منذ متى كان العمل في الكنفدرالية العامة دليلا، أو قرينة إدانة؟ بأي منطق قضائي؟ بأي اجتهاد قانوني؟ ثم نفاجأ بأن قاضي التحقيق يضيف عبئا جديدا مفاده أن السيدة سعيدة نغزة أثناء الحملة عينت موكلي مفوضا لتمثيلها أمام السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، هنا، وكرجل قانون، من واجبي أن أُذَكر قاضي التحقيق، والنيابة الموقرة، والمجلس الموقر، بالمادة 73 من قانون الانتخابات التي تنص بوضوح على أن الحملة الانتخابية تفتح 23 يوما قبل موعد الاقتراع وتغلق قبل 3 أيام من التصويت. فكيف، بالله عليكم، يتابع شخص بصفته مدير حملة انتخابية، بينما الحملة نفسها لم تنطلق بعد؟ هل نحن في زمن غير الزمن؟ هل نؤسس لمحاكمات النوايا؟ أم أن القانون بات يفصّل وفق مقاسات محاضر الضبطية القضائية فقط؟ نحن فعلا في خطر، حين تصبح قرينة البراءة مجرد شعار، وتستبدل بقرينة الإدانة المسبقة. نحن في خطر، حين يستخدم التحقيق القضائي لدعم محاضر الضبطية فقط، دون فحص جاد لتصريحات المتهمين، التي أنكرت وجود أي علاقة لهم بالتهم المنسوبة إليهم”.
ورجع المحامي إلى طلبات النيابة التي التمست في حق المتهم 8 سنوات حبسا نافذا وأكد أن طلبات وكيل الجمهورية جاءت بدون الاستناد على أي قرينة أو دليل ولا حتى على شاهد أو ظرف مشبوه يستند إليه، قائلا: “أليس عبئا الإثبات يقع على جهة الاتهام؟ أليس على النيابة، إن كانت مقتنعة، أن تقدم دليلا؟ أن تقول في مرافعتها، نطالب لك بهذه العقوبة لأنك فعلت كذا أو صرّحت بكذا أو ظهرت في الوثيقة كذا”؟ لكنها لم تفعل، التهم هنا لا تنطبق على الوقائع، والمرافعة خالية من الحجج”.
وواصل عبدي مرافعته “موكلي لم يكن منتخبا، ولم يكن عضوا في الكونفدرالية، بل مجرد موظف بسيط مكلف بالتنظيم، رجل من الشرق الجزائري، جاء إلى العاصمة من أجل لقمة العيش، أب لثلاثة أطفال، يعيل أسرة بكاملها، وخلال بداية القضية، لم يكن أصلا في الجزائر! كان في عطلة رفقة عائلته، ولم يلتحق بمنصبه إلا بعد عودته، حيث اقترحت عليه السيدة نغزة تمثيلها أمام السلطة الوطنية المستقلة، وهو ما فعله هو تمثيل فقط، لا أكثر، فكيف يقحم في الملف؟ كيف يصنف من “المقربين والوسطاء”؟ بناء على ماذا؟ على محاضر أنكر أصحابها ما نُسب إليهم؟ وحتى أمام التحقيق لم نجد تلك التصريحات!”.
وختم عبدي مرافعته بالقول “هذه ليست قضية قانون فقط، بل قضية عدالة. ولأننا نؤمن أن العدالة لا تُقاس بالمدة، بل بالحق، نلتمس من هيئتكم الموقرة: تبرئة موكلي من جميع التهم لغياب الأركان القانونية والوقائع الجرمية، فالعدالة لا تكون بعدد الصفحات في الملف، بل بميزان الإنصاف وشكرا، سيدي الرئيس”.
وبالمقابل، فقد أكدت المحامية نجاة بويلويطة أن موكلها “ل. كريم” المتابع من طرف النيابة بالمواد 300 من قانون الانتخابات العضوي والمادة 25 و32 من قانون مكافحة، لم يكن سوى منظم أي رئيس تنظيم بالكونفدرالية للمؤسسات الجزائرية.
وتطرقت الأستاذة إلى تفاصيل علاقة موكلها بملف الحال قائلة “لما تقدمت السيدة نغزة سعيدة للانتخابات السابقة من أجل الترشح اختارت موكلي نظرا لخبرته في التنظيم.. سيدي الرئيس موكلي ينفي جملة وتفصيلا الفعل المجرم المنسوب إليه، وصرح منذ التحقيق الابتدائي إلى غاية مثوله أمامكم، بأن لا علاقة له بالاستمارات ولا منح مزية أو مبالغ مالية سواء للناخبين أوالمساعدين في عملية جمع الأصوات لسعيدة نغزة، لتطلب النيابة في حقه 8 سنوات مستندة بذلك على تصريح واحد ووحيد في الملف من طرف المتهم “ص. سعيد” الذي يفتقر إلي جميع الأدلة المادية التي تثبته في قضية الحال”.
وتساءلت المحامية بويلويطة “هل من المعقول والمنطق أن شخصا يشهد ضد نفسه، وهو متورط في نفس الأفعال المجرمة وهل يعقل أن هذا التصرف يصدر من شخص سليم عقليا، وهو الذي تراجع في الأخير عن تصريحاته؟ وعلى هذا الأساس أقول سيدي الرئيس نحن نفتقر إلى إثباتات مادية ملموسة وعلى هذا الأساس نلتمس البراءة لموكلي”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس