اللّقاح في الجزائر خلال ساعات

6
اللّقاح في الجزائر خلال ساعات
اللّقاح في الجزائر خلال ساعات

افريقيا برسالجزائر. ساعات قليلة جدا تفصل الجزائر عن استقبال اللقاح المضاد لفيروس كوفيد19، وانطلاق الحملة الوطنية للتلقيح ضد هذا القاتل الشرس الذي قلب حياة الجزائريين رأسا على عقب على مدار عام كامل تقريبا..

الطائرات الجزائرية شدّت الرحال رسميا نحو مطارات الدول المعنية باستيراد اللقاح منها في انتظار الضوء الأخضر للعودة إلى أرض الوطن، لتعلن بذلك عن بداية نهاية الكابوس الذي استنزف الجميع مواطنين وأطباء ومسؤولين..

“الشروق اليومي” انفردت بحوار صحفي مع المدير العام لمعهد باستور الدكتور فوزي درار عشية وصول اللقاح إلى الجزائر وتناولت معه أهم الاستعدادات الخاصة بهذه العملية، باعتباره المسؤول الأول عن استقبال وتخزين وتوزيع اللقاح في الجزائر والمفاوض رقم واحد لاقتنائه..

تضبط الجزائر عقاربها على موعد استقبال اللقاح، فما هي استعدادات معهد باستور الجزائر لضمان نقله وتخزينه وتسليمه في ظروف آمنة باعتباره المسؤول الأول عنه رسميا؟

معهد باستور الجزائر ليس وليد اليوم في مجال التلقيح ويحوز تجربة رائدة في هذا المجال، حيث يمتلك برنامجا وطنيا للتلقيح، خاصة الأطفال بالإضافة إلى برامج تلقيح وطنية سنوية مثل الأنفلونزا الموسمية.

ويمتلك معهد باستور الجزائر قدرات هائلة في تخزين لقاح كورونا وإمكانات معتبرة في التبريد ويستطيع استيعاب ملايين الجرعات تتجاوز الـ10 ملايين بكثير، وقد أعد المعهد بروتوكولات خاصة وصارمة من أجل استقبال التلقيح ونقله وتوزيعه مكتوبة ومنشورة في المعهد، لأن لكل شخص مسؤولية في الملف بدءا من الاستقبال والنقل ووصولا إلى التسليم وكذا المركز التجاري الذي يتعامل مع مراكز التطعيم عبر مختلف الولايات.

ويخضع القائمون على المعهد اللقاح إلى مراقبة خاصة وصارمة من حيث حالته أثناء استلامه ومحافظته على درجة برودته وما قد يقع له من ضرر أو شرخ.

وتنتهي مسوؤلية معهد باستور بمجرد تسليم التلقيح للمؤسسات المعنية التي تقع عليها المسؤولية لاحقا.

اعتمدت الجزائر 3 لقاحات: الروسية والصينية والبريطانية.. أيّها سيصل أوّلا؟

ليس بالضرورة أن يكون اللقاح الروسي أول ما يصل إلى الجزائر، فقد يكون اللقاح البريطاني أو الصيني، وسنعرف في غضون الساعات القليلة المقبلة أي لقاح سيصل أولا وذلك بسبب وجود ضغط كبير على مستوى المنتجين، لذا لا يمكن الجزم بوصول نوع اللقاح الأول، وما يمكن قوله إن الطائرات الجزائرية متواجدة في عين المكان لجلب اللقاح في الساعات القادمة.

وقد تم توقيع اتفاقيات لاقتناء اللقاح الصيني والبريطاني بكميات كبيرة، لكن الكشف عنها يبقى من صلاحيات المجلس العلمي المرؤوس من قبل وزير الصحة عبد الرحمان بن بوزيد، وتتمثل مهمة معهد باستور في توفير اللوجيستيك اللازم لاستقبال اللقاح بعد توقيعه على تعاقدات الاتفاق على التبادل التجاري

هل تطبق بروتوكولات صحّية موحّدة على هذه اللقاحات؟

يخضع الأشخاص الملقحون بواسطة التلقيحات الثلاثة “الروسية والبريطانية والصينية” إلى جرعتين بفاصل زمني لا يقل عن 3 أسابيع على أقل تقدير، كما أن المعهد قام بإعداد ونشر بوتوكولات خاصة بكل لقاح في كيفية النقل والتخزين والاستخدام على اعتبار خصوصية كل واحد، فاللقاح الروسي يحفظ في درجة حرارة أقل من 18 “-18” والبريطاني والصيني يحفظان في درجة حرارة من 2-8 درجات أي التخزين في الثلاجات العادية.

وحافظ المعهد على نفس استراتيجية التوزيع التي ينتهجها مع بقية التلقيحات، حيث تتنقل المصالح المعنية من مراكز تطعيم ومراكز صحية إلى المعهد للحصول على طلبياتها المحددة، مرفقين بالأدوات اللازمة للنقل في ظروف ملائمة، وتنتهي مهمة المعهد ومسؤوليته عند خروج التلقيح منه، بعد ضمان خروج آمن حسب مواصفاته الأصلية، بعدها تنتقل المسؤولية إلى مديريات الصحة المختلفة التي يستوجب عليها توفير الوسائل لذلك.

وبخصوص خارطة التوزيع فهي مدروسة على مستوى مديرية الوقاية بوزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات، حيث تتواصل الوزارة مع مديري الصحة وقد تم تقديم كافة التوصيات واعطاء التعليمات للتحضير النهائي في اجتماعات متكررة عقدتها الوزارة مع مديري القطاع.

ألا يرهن طول مدة التلقيح التي قد تصل إلى عام كامل الجهود المبذولة للقضاء على الفيروس القاتل؟

يتطلب الحصول على مناعة جماعية تلقيح على الأقل 60 و70 بالمئة من الجزائريين وهذا سيستغرق وقتا كبيرا قد يمتد إلى عام كامل.

من الناحية العلمية أحسن السيناريوهات أن يلقّح الجميع وفي نفس الوقت ولكن هذا مستحيل عبر كافة أنحاء العالم، حيث يستحيل إنتاج الكمية الكلية للقاحات دفعة واحدة وبالتالي فالتلقيح التدريجي هو أفضل الخيارات العلمية، كما أنّه سيعطينا معلومات عن قابلية التلقيح وعدم وجود مضاعفات أثناء الحملة، كما أنه قد يسمح بإخضاع التلقيح إلى تعديلات وتطويرات في حال وجود طفرات وراثية في سلالة الفيروس حتى تكون أكثر ملاءمة.. الهدف الأول من التلقيح هو حماية الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالوباء وتفادي المضاعفات التي قد تصيبهم وبالتالي التلقيحات الأولى تستهدف هذه الفئات ويجب أن نعرف أننا عندما نلقح نكون محميين من التعقيدات الخطيرة، لكن الشخص يبقى ناقلا للفيروس والهدف الأساسي لنا هو أن المواطنين لا يموتون ولا يصلون إلى مصالح الإنعاش.. مهم جدا أن نعرف أن إجراءات الوقاية ضرورية لمنع انتقال الفيروس حتى في ظل وجود التطعيم.

وعندما نصل إلى معدلات مناعة ووقاية جماعية تناهز 70 بالمئة يمكن الحديث عن تخفيف إجراءات الوقاية، أمّا ما دون ذلك فكله سابق لأوانه وتبقى إجراءات الوقاية سارية المفعول إلى غاية بلوغ نسبة تلقيح جيدة.

كيف تقيمون مسار الجزائر في الحصول على التلقيح، وألا تعتقدون أننا متأخرون مقارنة ببعض الدول العربية التي باشرت التلقيح منذ مدة؟

عندما نحكم على التأخير فعلينا أن نحدد هذا التأخير بالنظر إلى ماذا؟ لأننا الآن في مواجهة فيروس كورونا القاتل، لكننا سنتعامل مع لقاحات غير مرخصة، فهل يعتبر توخي الحذر لحماية مواطنينا تّأخيرا، أكيد لا يعتبر تأخيرا.

الدول التي اتخذت قرار التلقيح تتحمل مسؤوليتها في الأمر سواء لمن سبق أو من يصل لاحقا ولكل معطياته الخاصة به التي لا تشبه معطيات الآخرين، لذا أيضا لا يمكن التكلم عن التأخير.

من الممكن التكلم عن تأخير في حال تعلق الأمر بلقاحات عادية مثلا بمعايير دقيقة مثل تلقيح الأنفلونزا أو “البوحمرون” أو الحصبة الألمانية، لأنها معروفة ولها معايير ومقاييس معتمدة من قبل منظمة الصحة الموافقة، لكننا الآن أمام ترخيص غير معتمد وليس له معايير متوفرة عدا المعايير التي وضعت في نطاق الاستعجال ونحن كدولة لدينا مسؤولية كبيرة لتقديم المعلومات العلمية الدقيقة للمواطنين، إذا، مرّة أخرى، لا يمكن أن يكون هناك تأخير.

وحتى عند مراجعة تعامل الدول الكبرى مثل أمريكا التي تتوفر على أعظم وكالة للدواء فإننا نرى أنها قدمت الترخيص بناء على معطياتها ومعايير وضعتها هي ليست موجودة في المعايير العالمية.

باختصار نحن نشاهد اللقاح على المباشر ولكل بلد خياراته واستراتيجيته، ونحن في الجزائر هدفنا هو تقديم حماية للمواطن، ولكن حماية مؤكدة ولا نشك فيها أبدا.

ما هي الأسس والمعايير التي بنيتم عليها خياراتكم لاقتناء اللقاح؟

خياراتنا التي حددناها كانت مؤسسة ولم تبنى على سهولة الحصول على اللقاح، ولمعلومات المواطنين وتطمينهم أكثر أشير وأذكر بصفتي مديرا لمعهد باستور وعضوا فعالا في اللجنة العلمية أننا تواصلنا مع جميع منتجي اللقاح الروسي البريطاني الأمريكي وغيرهم، حتى أننا أمضينا على معاهدات سرية وبدأت محادثاتنا في سبتمبر الماضي ووقعنا في نوفمبر، لكننا لما ندرس الملفات ننتظر دلائل التلقيحات على المستوى الفعلي والعملي، وإلى غاية يومنا هذا لا يوجد أيّ لقاح حاز على اعتماد منظمة الصحة العالمية، ماعدا لقاح “فايزر” استثنائيا لما وضع له الترخيص في 10 ديسمبر و”موديرنا” في 17 ديسمبر معناه منذ شهر فقط.

الجزائر كانت من السباقين في تعاملاتها التي تجري تحت إرشادات وتوجيهات رئيس الجمهورية باعتباره المسؤول الأول عن مواطني البلد، فمن الضروري انه يعطي تعليمات للإسراع في الحصول على اللقاح، وتوجيهاته كانت تستند إلى رأي المجلس العلمي.

حرصنا قدر المستطاع أن ندقق ونختار الأنسب لضمان سلامة مواطنينا تجنبا لأية مشاكل قد تحدث ونلام بعدها بتسرعنا في اتخاذ القرار وعدم التريث، وأضيف هنا أنّ الحقيقية التي يجب معرفتها لسد الطريق أمام المنتقدين بشكل غير بناء ودون علم ودراية أن القرارات تتخذ بميزان وليس وفق معطيات دقيقة فحسب.

وأشير فقط إلى ان ما يزيد من ثقل المسؤولية هو أنّ كل التلقيحات لم تنته من المرحلة الثالثة وعادة حتى بعد انتهاء المرحلة الثالثة ننتظر مدة قبل اعتماده نهائيا وبالتالي أندهش لما نتحدث عن التأخير عبثا، فلا يمكن بناء استراتيجيتنا تقنيا أو علميا على تجارب وممارسات دول أخرى، كما أنّ المسؤولية تقع على الدول المستوردة للقاح وجميع الاتفاقيات الموقعة في الحالات الاستعجالية تحمي المنتجين وتحمل الدول التي تشتري تبعات كل ما قد يحدث، لذا مرة أخرى القول بوجود تأخير يعتبر كلام خطير جدا، كما أننا لسنا في وضع وبائي مقلق جدا، فالأوضاع إلى غاية الآن هادئة ولدينا وقت للتعامل مع التلقيح.

اعتمدت الجزائر حاليا 3 تلقيحات، هل من الممكن اعتماد تلقيحات أخرى؟

نقود حاليا مفاوضات أخرى مع منتجين آخرين، حسب إمكاناتهم وقدراتهم الإنتاجية والتسويقية ومنهم من أكد لنا إمكانية الحصول على طلبيات بعد عدة أشهر في من السنة الجارية، ومن اللقاحات الموجودة ضمن خياراتنا وأمضينا بشأنها اتفاقية مع وزارة الصحة نجد لقاح جونسون آند جونسون الأمريكي الذي أعلن عن بداية التموين شهر مارس المقبل ويوجد أيضا تلقيحات أخرى مثل نوفافاكس الأمريكي وكذا سانوفي وغلاكسو سميث كلاين، حيث يمتلك منتجوها قدرات هائلة تساعد في إعطاء أكبر كميات ممكنة، كما انه من الممكن أيضا رفع عدد الجرعات بالنسبة لمن أمضيت معهم الصفقات.

ما هي إسهامات معهد باستور في المجال البحثي الخاص بتطورات فيروس كورونا؟

غريب جدا ما يصدره البعض من تصريحات لا أساس علمي لها، فمعهد باستور الجزائر يعمل مع البنك العالمي للجينات وقدّم أكثر من 20 معلومة جينية “سيكونس” ويمكن للجميع الاطلاع عليها وبعد ذلك نجد أناسا يتحدثون دون دراية ودون معرفة البروتوكول المعتمد حاليا من قبل المنظمة العالمية للصحة، هناك بروتوكول آخر بعيد عن المعلومات الجينية، فحاليا تستهدف تحاليل “بي سي ار” في معهد باستور التشخيص المباشر للطفرات الوراثية منها ما يستهدف الطفرة البريطانية والبرازيلية وإفريقيا الجنوبية.

تلقينا منذ أيام إنذارا من مستشفى بني مسوس بوجود طفرة بريطانية وتم التأكد من عدم صحة ذلك.

وأريد من هذا المقام أن أوجه نداء بصفتي مديرا لمعهد باستور إلى الأشخاص الذين ليس لهم علم بعلم الفيروسات ولا يعلمون المستجدات الأخيرة في البروتوكولات المخبرية لتشخيص الطفرات أن يتجنّبوا الحديث والخوض في هذا الموضوع، لأنهم يغلطون الرأي العام وهذا غير مناسب وغير ملائم في الوقت الحالي.

ما هي أهم التغيرات التي حدثت على الفيروس في الجزائر؟

عرفت الجزائر تغييرين أساسيين للفيروس منذ ظهوره في الجزائر ليس لهما أثر على ديناميكية الفيروس ولا على شراسته وهذا مؤكد ومدلل علميا بدراسات منجزة من قبل معهد باستور الجزائر، كما أننا في الجزائر لا نملك فيروسا يسمح له بالتحوّر بسرعة ولو أننا كنا نملك فيروسا معديا بنسبة تزيد عن 50-70 بالمائة مثل بريطانيا لكانت معدلات العدوى أعلى ولكان للوباء تهديد حقيقي أكبر بكثير مما هو عليه الآن.

وساعدت الإجراءات العامة والحجر الصحي وغلق الحدود في استقرار الوضع الوبائي، لكن هذا لا يمنع أننا أمام فيروس مجهول يحمل العديد من المفاجآت، خصوصا فيروسات الكورونا التنفسية المعروفة بحمضها النووي سريع التغير وبالتالي المهم هو عدم التراخي في الإجراءات الوقاية، لأنه من الممكن العودة السريعة في أي وقت.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here