أفريقيا برس – الجزائر. رغم التزام الطرف الجزائري بالهدوء منذ تبادل طرد الإطارات القنصلية من البلدين قبل نحو 3 أسابيع من الآن، إلا أن الطرف الفرنسي لا يتورع في تغذية الأزمة من حين إلى آخر، من خلال الإدلاء بتصريحات مجانية ومستفزة في غالب الأحيان، تؤشر على أن الساسة في باريس لم يهضموا بعد التوجهات التي باشرتها السلطات الجزائرية في إقامة علاقات ندية مع المستعمرة السابقة.
ولم يعد أولئك الذين يسارعون في تغذية التصعيد على المستوى الرسمي في فرنسا، من الوجوه السياسية المعروفة بخلفياتها اليمينية المتطرفة المعادية للجزائر ومصالحها، على غرار وزير الداخلية، برونو روتايو، وإنما امتد الأمر هذه المرة إلى وجوه كانت تعتبر إلى وقت قريب، معروفة بجنوحها إلى التهدئة، على غرار، صوفي بريما، المتحدثة باسم حكومة فرانسوا بايرو.
وبعد يومين فقط من تصريح وزير الخارجية الفرنسي، جون نويل بارو، الذي قال فيه إن العلاقات مع الجزائر لا تزال في “مأزق” ومرجعا السبب إلى عدم تجاوب الطرف الجزائري مع المطالب الفرنسية بإطلاق سراح الكاتب الفرانكو جزائري، بوعلام صنصال، خرجت المتحدثة باسم الحكومة الفرنسية، في مؤتمر صحفي أعقب اجتماع مجلس الوزراء الفرنسي مساء الأربعاء، لتدلي بتصريحات لا تقل استفزازا عن تلك التي كان يطلقها برونو روتايو تجاه الجزائر في وقت سابق.
وقالت صوفي بريما معترفة بخطورة الأزمة: “في الواقع، الوضع مع الجزائر وصل اليوم إلى طريق مسدود”. ودون أن تجنح إلى التحفظ أو تفادي لغة التهديد، راحت تتوعد بالذهاب بعيدا في المنطق التصعيدي تجاه الجزائر، أو ما وصفته “الرد التدريجي”، الذي كان من اختراع وزير الداخلية الفرنسي، كما هو معلوم.
وأضافت المتحدثة باسم الحكومة الفرنسية: “وفي ظل هذا الانسداد، سيعود رئيس الوزراء ووزير الداخلية ووزير الخارجية إلى العمل معا في مرحلة من التشاور والمفاوضات لمواصلة تطبيق هذا الرد التدريجي تجاه الجزائر، وربما تشديدها”. كما تحدثت عن عودة النقاش داخل الجهاز التنفيذي، من أجل “تحديد كيفية تسريع توسيع نطاق هذا الرد التدريجي”.
وكعادة المسؤولين الفرنسيين، يعمدون دوما إلى إبراز مطالبهم ويلبسون رداء الشرعية عليها، لكنهم يتجاهلون حق الجزائر في الدفاع عن مصالحها الجيوسياسية في مواجهة الموقف الفرنسي المتعارض مع القانون الدولي في قضية الصحراء الغربية، وكذا إطلاق سراح الموظف القنصلي الذي تعرض لاختطاف استعراضي في عرض أحد الشوارع الباريسية من قبل عناصر الأمن الداخلي الفرنسي، الذين يعملون تحت إمرة وزير الداخلية.
وفي السياق ذاته، خرج السفير الفرنسي الأسبق بالجزائر، كزافيي دريانكور، على القناة الفرنسية الخامسة، بتصريحات جديدة، ليلة الأربعاء إلى الخميس، تعبر عن وجود قناعة لديه بفشل الطرف الفرنسي في تحقيق ما كان يصبو إليه، تحت لغة التهديد والوعيد، منذ اندلاع الأزمة غير المسبوقة بين البلدين، الصائفة المنصرمة، مستبعدا استئناف الحوار في المستقبل القريب.
ودعا الدبلوماسي المتقاعد سلطات بلاده إلى ضرورة الاستنجاد بوساطة إيطالية أو أمريكية، من أجل إطلاق سراح الكاتب الفرانكو جزائري، بوعلام صنصال.
وبرأيه، فإنه لو يتدخل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في قضية صنصال، ستجد طريقا إلى الحل. وقال حالمًا: “لو غرد الرئيس الأمريكي على منصة “إكس” مطالبا السلطات الجزائرية بإطلاق سراح الكاتب المسجون، أستطيع أن أجزم بأن الجزائريين سيتجاوبون معه بشكل إيجابي، لأن العلاقات بين الجزائر وواشنطن توجد في أحسن أحوالها”، على حد زعمه.
وبالمقابل، تحافظ الجزائر على هدوئها إزاء الاستفزازات الفرنسية، غير أنها تبقى متمسكة بحقوقها الشرعية والمتمثلة في حتمية تحمل الطرف الفرنسي مسؤوليته في الجرائم التي ارتكبها في الجزائر خلال الحقبة الاستعمارية، وهو ما عبر عنه الرئيس عبد المجيد تبون في الرسالة التي وجهها للجزائريين بمناسبة ذكرى الثامن من ماسي 1945، عندما قال: “لن يكون ملف الذاكرة عرضة للتناسي والإنكار”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس