تبون يحث أفريقيا على توحيد جهودها لتجاوز التهميش وصناعة غذائها بنفسها

5
تبون يحث أفريقيا على توحيد جهودها لتجاوز التهميش وصناعة غذائها بنفسها
تبون يحث أفريقيا على توحيد جهودها لتجاوز التهميش وصناعة غذائها بنفسها

أفريقيا برس – الجزائر. افتتح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الخميس بالجزائر العاصمة، فعاليات الطبعة الرابعة لمعرض التجارة البينية الأفريقية، بحضور عدد من قادة الدول المغاربية وقادة بلدان الساحل ومسؤولين رفيعي المستوى من مختلف أنحاء القارة. وقد شكلت المناسبة فرصة للرئيس الجزائري لتوجيه نداء صريح إلى الدول الأفريقية بضرورة توحيد جهودها لمواجهة التحديات الاقتصادية العالمية، والتخلص من التبعية، والعمل على صناعة غذائها بنفسها واستثمار ثرواتها لصالح أبنائها.

تحذير من المخاطر العالمية

أكد الرئيس تبون في كلمته الافتتاحية أن الطبعة الحالية للمعرض تنعقد في ظرف عالمي بالغ الدقة والحساسية، حيث تتسارع الأحداث بشكل غير مسبوق وتتزايد المخاطر التي تهدد بانهيار منظومة العلاقات الدولية القائمة. وقال: “إن الهم المطروح اليوم هو اقتصادي بامتياز، بل مصيري، يفرض على الجميع طرح السؤال الجوهري: أين تقف أفريقيا من الاقتصاد العالمي؟”.

وأضاف أن المنظومة الدولية باتت مهددة في كيانها ووجدانها، محذرًا من أن أفريقيا قد تكون، مرة أخرى، من أبرز ضحايا هذه الأوضاع المتدهورة عبر تهميش أولوياتها وإضعاف صوتها في مسار إعادة تشكيل النظام العالمي، رغم ما تختزنه من إمكانيات وطاقات كبيرة.

إنجازات وفرص ضائعة

استعرض الرئيس الجزائري ما تحقق للقارة خلال العقدين الماضيين من إنجازات معتبرة، أبرزها تفعيل منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، وانضمام الاتحاد الأفريقي لمجموعة العشرين، وإقامة شراكات مع أكبر القوى والمنظمات العالمية. لكنه شدد على أن هذه الإنجازات تبقى محدودة التأثير في ظل استمرار تهميش أفريقيا داخل المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية، حيث لا تتجاوز حصتها 6.5% من حقوق التصويت في صندوق النقد الدولي، و11% فقط في البنك الدولي، بينما تبقى قدرتها محدودة في منظمة التجارة العالمية.

وأشار تبون إلى أن حصة أفريقيا من التجارة العالمية لا تتجاوز 3%، ومن تدفقات الاستثمارات العالمية 94 مليار دولار سنويًا فقط، وهو رقم ضئيل جدًا مقارنة بما تمتلكه القارة من ثروات طبيعية هائلة تصل إلى 30% من الموارد العالمية. كما أضاف أن التجارة البينية الأفريقية لا تزال في حدود 15%، مقارنة بـ60% في أوروبا، وهو ما يحرم اقتصادات القارة من فرص كبيرة للنمو وتوفير ملايين مناصب العمل للشباب.

فجوة في البنية التحتية

ولفت الرئيس الجزائري إلى الفجوة العميقة في البنى التحتية للنقل والطاقة والاتصالات والتمويل، التي تُقدّر بـ90 مليار دولار سنويًا، وتتسبب في خفض 2% من الناتج المحلي الإجمالي للقارة. واعتبر أن هذه المعطيات يجب ألا تكون عائقًا، بل حافزًا إضافيًا لاستنهاض الطاقات الجماعية وتحويل الواقع القاري إلى قصة نجاح.

مشاريع جزائرية لصالح أفريقيا

أكد تبون أن الجزائر لن تكون إلا طرفًا فاعلًا في مسعى التنمية الأفريقية، مذكرًا بمشاريعها الكبرى ذات البعد القاري، مثل مشروع الطريق العابر للصحراء الذي يربط الجزائر بعدد من الدول الأفريقية، ومشروع أنبوب الغاز الجزائر–نيجيريا الذي سيوفر الطاقة والتنمية لعدة دول، بالإضافة إلى مشروع الألياف البصرية لتعزيز السيادة الرقمية، وإطلاق خطوط جوية وبحرية جديدة تربط العواصم الأفريقية، وفتح فروع للبنوك الجزائرية في بلدان القارة.

كما أشار إلى أن الجزائر وفرت منذ استقلالها تكوينًا لما لا يقل عن 65 ألف إطار أفريقي، وتمنح سنويًا 8 آلاف منحة دراسية للطلاب الأفارقة في مجالات الرياضيات والروبوتيك وتقنيات النانو والذكاء الاصطناعي، إيمانًا منها بأهمية الاستثمار في العنصر البشري.

أفريقيا ليست حقلاً للتجارب

شدد تبون في خطابه على أن “أفريقيا ليست حقلًا لتجارب الأسلحة الأجنبية”، مؤكدا أن القارة تحتاج إلى التنمية والاستثمار بدلًا من النزاعات. وقال: “من أراد وقف الهجرة غير الشرعية، فعليه أن يساعد في الاستثمار وخلق فرص عمل لشباب أفريقيا لإصلاح الأوضاع الراهنة التي تعكس إجحاف العالم في حق القارة”.

وأضاف: “فلْتصنع أفريقيا غذاءها بنفسها، ولْتستثمر ثرواتها لصالح أبنائها وبناتها، وتنتزع مكانتها عن جدارة واستحقاق في عالم اليوم والغد”، داعيًا إلى أن تكون هذه الدورة من المعرض منطلقًا جديدًا لبناء قارة قوية ومزدهرة.

الشباب مستقبل القارة

أكد تبون أن القارة الأفريقية هي المستقبل بالنظر إلى طاقاتها الشبابية الهائلة، فهي –كما قال– “قارة شابة، بينما القارات الأخرى دخلت في مرحلة الشيخوخة”. وأضاف: “ما نقوم به سياسيًا واقتصاديًا هو لفائدة الشباب. الشباب الجزائري والأفريقي مبتكر ولا يحمل أي عقدة تجاه قارات أخرى، فمستقبلنا يكمن في شبابنا”.

شهادات ومواقف داعمة

من جانبه، أشاد رئيس نيجيريا الأسبق ورئيس المجلس الاستشاري للمعرض، أوليسيجون أوباسانجو، بالدور الذي أصبح يلعبه هذا المعرض كأبرز ملتقى للتجارة والاستثمار في أفريقيا، معتبرًا إياه رمزًا لنهضة اقتصادية تجمع مختلف القوى الاقتصادية بالقارة. وأوضح أن الطبعات الثلاث السابقة أسفرت عن صفقات تجارية واستثمارية تفوق 120 مليار دولار، معبرًا عن توقعه أن تحقق دورة الجزائر نتائج أكبر، خاصة مع مشاركة 48 دولة أفريقية، وهو أكبر عدد منذ انطلاق المعرض عام 2018. كما أعلن أن مدينة لاغوس النيجيرية ستحتضن الطبعة الخامسة سنة 2027.

أما رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد يونس المنفي، فقد شدد على أهمية المشاركة في هذا الحدث القاري، معتبرًا أن المشاريع التي تطلقها الجزائر في إطار المعرض ستعود بالفائدة على مجمل القارة، من خلال تعزيز الربط بين شمال القارة وجنوبها، بما يخدم التنمية والاستقرار.

يوم الجزائر والفرص الاستثمارية

يتضمن برنامج اليوم الأول من المعرض تنظيم “يوم الجزائر” من طرف الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، والذي يشمل جلسات مخصصة لاستعراض الإصلاحات الاقتصادية والفرص الاستثمارية المتاحة في الجزائر، وإبراز مكانتها في سلاسل القيمة الإقليمية والعالمية.

ويجري تنظيم هذا المعرض من قبل البنك الأفريقي للاستيراد والتصدير (أفريكسيم بنك) ومفوضية الاتحاد الأفريقي وأمانة منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (زليكاف)، تحت شعار “جسر نحو فرص جديدة”. وتشارك فيه وفود من 140 دولة وأكثر من 2000 شركة من أفريقيا وخارجها، من بينها نحو 200 مؤسسة جزائرية، مع توقع حضور 35 ألف زائر مهني وإبرام اتفاقيات تجارية واستثمارية تتجاوز قيمتها 44 مليار دولار.

نحو نظام عالمي أكثر عدلاً

واختتم تبون كلمته بالتأكيد على أن الإنسانية في حاجة إلى نظام عالمي جديد يقوم على العدالة والتضامن الإنساني والتعاون الحقيقي، ويضع حدًا للحروب والانقسامات. وقال: “القارة تزخر بكل الثروات، ولا بد أن نبني مقاربة جديدة بالنظر إلى الماضي واستخلاص العبر لبناء مستقبل تتشوق إليه كل الشعوب الأفريقية”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here