تحذير القنوات الفرنسية من الإمعان في تجريم الاستعمار!

0
تحذير القنوات الفرنسية من الإمعان في تجريم الاستعمار!
تحذير القنوات الفرنسية من الإمعان في تجريم الاستعمار!

أفريقيا برس – الجزائر. يطبع الموقف الرسمي من قضية الماضي الاستعماري لفرنسا في الجزائر، تخبطا كبيرا، جسدته المواقف التي صدرت عن مؤسسات فرنسية، على غرار ما حصل مع هيئة تنظيم البث الإذاعي والتلفزيوني، والتي هدمت كل ما بناه ماكرون على صعيد الذاكرة، في لحظة من جنون الهروب إلى الأمام لكون الأمر يتعلق بالجزائر.

وبعد نحو شهرين ونصف من التصريحات الجريئة وغير المسبوقة التي صدرت عن الصحفي الفرنسي والباحث في التاريخ، جون ميشال أباتي، والتي شبه فيها جرائم فرنسا الاستعمارية في الجزائر بجرائم النازية، خرجت هيئة تنظيم البث الإذاعي والتلفزيوني في فرنسا، لتعبر عن رفضها لتلك التصريحات، وتحذر بالمقابل القنوات والإذاعات الفرنسية من السماح ببث تلك التوصيفات، في ضربة موجعة لحرية التعبير التي تدعي باريس أنها تقدسها.

وكان جون ميشال أباتي قد اتهم جيش الاحتلال الفرنسي بارتكاب فظائع في الجزائر، تفوق مئات المرات فظائع ألمانيا النازية في فرنسا، وكان يشير هنا إلى مجزرة “أورادور سير غلان”، التي أباد فيها الجيش النازي قرية فرنسية بأكملها. وقال الصحفي والمؤرخ على أمواج إذاعة “آر تي آل”، إن الجيش الفرنسي ارتكب مئات المجازر من أمثال “أورادور سير غلان” في الجزائر.

وبررت الهيئة قرارها هذا الذي رفع الستار عنه بعد يوم واحد فقط من تخليد الجزائر ذكرى مجازر الثامن من ماي 1945، بكون ذلك يعتبر “شكلا من أشكال إضفاء الطابع النسبي على النازية” (Relativisation du nazisme)، ويقصد به محاولة التقليل من خطورة جرائم النظام النازي، من خلال مقارنتها بجرائم أخرى أو تبريرها بتقديمها في سياق يخفي وحشيتها.

ويتضح من خلال بيان هيئة تنظيم البث الإذاعي والتلفزيوني الفرنسية أن السلطات الفرنسية في عهد إيمانويل ماكرون، ماضية في إنكار الجرائم الوحشية التي ارتكبها جيشها الاستعماري في الجزائر، في محاولة يائسة للهروب إلى الأمام، في سياق يطبعه تراجع الرجل الأول في قصر الإيليزي، عن الالتزامات التي قطعها على نفسه وصرح بها في سنة 2017 من الجزائر عندما كان مرشحا للانتخابات الرئاسية.

ويمكن قراءة بيان الهيئة (أركوم) كما يختصرها الفرنسيون، على أنه تمييز فاضح وعنصري بين دم البشر بغض النظر عن العرق والهوية، فما ارتكبه الجيش النازي بحق الفرنسيين، يعتبر جريمة وحشية لا تغتفر، لكن عندما يتعلق الأمر بجرائم فرنسا في الجزائر والتي فاقت وحشية النازية (نحو سبعة ملايين شهيد في 132 سنة)، تبقى أقل جرما ووحشية من جرائم النازية، في موقف يصب في خانة “الإنكار”، أو ما يسميها الفرنسيون “La negation”، ما يضع جدية الرئيس الفرنسي في الذهاب بعيدا في قضية الذاكرة، مجرد تسويق لا غير.

ما صدر عن هيئة ضبط السمعي البصري في فرنسا، ينسجم تماما مع تسريبات كانت قد أوردتها قبل أزيد من أسبوع صحيفة “ليبراسيون”، جاء فيها أن فرنسا قررت السير في خيار تعليق الاعتراف بمجازر الثامن من ماي 1945، بسبب الأزمة الدبلوماسية المتفاقمة بين البلدين، وهو ما تأكد، حيث لم تقدم باريس هذه السنة على أي مبادرة لتخليد هذه الذكرى، باستثناء زيارة قادت القائم بأعمال السفارة الفرنسية في الجزائر، إلى مكان الجريمة بسطيف، لوضع إكليل من الأزهار بالقرب من تمثال بوزيد سعال، الذي يعتبر أول شهيد ارتقى في تلك المجازر الوحشية.

السلطات الفرنسية وانطلاقا من قرار “أركوم” وتسريبات ليبراسيون، يتضح أنها تتعامل مع قضية الذاكرة الاستعمارية، من منطلق سياسي انتهازي وليس من منطلق إنساني وأخلاقي، وبانتهاجها سياسة الهروب إلى الأمام، فهي لن تستطيع تنظيف ساحتها من الجرائم الوحشية التي ارتكبتها في الجزائر، كما ستبقى الجزائر تطالب بضرورة تحمل باريس مسؤوليتها كاملة، مسببة لها إحراجا سيظل يرهقها إلى أن تقرر الاعتراف بجرائمها وتعتذر للجزائريين.

ومن شأن هذه التطورات أن تزيد من تعقيد مهمة لجنة الذاكرة التي تم تجميد نشاطها إلى إشعار آخر بعد تبادل طرد الدبلوماسيين من الجانبين، في أعقاب الاعتقال الاستعراضي للإطار القنصلي الجزائري بفرنسا قبل أزيد من شهر من الآن.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here