أفريقيا برس – الجزائر. بعد مهلة من الهدوء غير المعلن بين الجزائر وفرنسا، تشير تطورات جديدة إلى عودة التوتر العالي بين العاصمتين في مؤشر جديد على فشل كل محاولات التهدئة، واللافت في الأمر هو أن الطرف الفرنسي، وكما جرت العادة، دائما ما يكون المبادر بالتصعيد، طمعا منه في تحقيق مكاسب عبر الضغط السياسي، وهو الأسلوب الذي تبيّن أنه غير مجد على مدار نحو 11 شهرا من الأزمة السياسية والدبلوماسية المتفاقمة.
والمثير أكثر في هذه القضية، هو أن النافخين في نار الأزمة، لم يقتصروا على اليمين المتطرف أو شخص مهووس بالجزائر مثل وزير الداخلية، برونو روتايو، وإنما ينتمون إلى المعسكر الرئاسي، وبالضبط إلى حزب “رونيسونس”، الذي أسسه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون وركبه للوصول إلى قصر الإيليزي.
وفي هذا السياق، أعد النائبان عن الحزب الحاكم، ماثيو لوفيفر، وشارل رودفيل، تقريرا بشأن “تقييم تكلفة اتفاقية 1968” المتعلقة بالهجرة بين الجزائر وفرنسا، سيتم عرضه على البرلمان الفرنسي في بداية شهر جويلية المقبل، في تطور من شأنه أن يفجر المزيد من الجدل ويزيد من رفع منسوب التوتر بين البلدين.
وتعتبر اتفاقية 1968 من الملفات الحساسة التي كانت سببا في توتير الأجواء بين الجزائر وباريس، وقد جعل منها اليمين المتطرف الفرنسي ومنظرهم الجديد، السفير الأسبق بالجزائر على مرتين، كزافييه دريانكور، حصان طروادة في الضغط على حكومات ماكرون المتتالية، من أجل إلغائها، بداعي أنها تقدم امتيازات حصرية للرعايا الجزائريين، على صعيد الإقامة والعمل والدراسة وممارسة الأنشطة الحرة، وهي توصيفات لم تعد تستند إلى أي مصداقية في ظل التعديلات التي أدخلت عليها بداية من منتصف ثمانينيات القرن الماضي وإلى غاية بداية الألفية الثالثة. واستنادا إلى ما أوردته صحيفة “لوباريزيان” الفرنسية، فإن النائب شارل رودفيل يصر على أن الهدف من هذا التقرير، هو تسليط الضوء على ما يعتبرها “التجاوزات المالية، لا سيما في مجالي المساعدة الاجتماعية والحماية الصحية، والتي تؤثر أيضا على أمن الفرنسيين، حيث لا يزال بعض المواطنين الجزائريين المرحَّلين موجودين على الأراضي الفرنسية حتى اليوم”، وهو يتحدث هنا عن المصاريف التي تصرفها بلاده على المهاجرين الذين صدرت بحقهم قرارات طرد ورفضت الجزائر استقبالهم بسبب عدم احتكام الجانب الفرنسي للإجراءات والقنوات الدبلوماسية المعهودة في مثل هذه الحالات.
ووفق النائب ماثيو لوفيفر، فإن الهدف من هذا التقرير أيضا، هو إحياء النقاش حول هذه القضية، وذلك بعدما اختفى عن المشهد، منذ أن قرر الرئيس الفرنسي، ايمانويل ماكرون، غلقه في مارس المنصرم، ردا على مطالب وزير داخليته، برنو روتايو، المتكررة حول هذا الملف، حيث أكد بأن اتفاقية 1968، تبقى من الصلاحيات الحصرية لقصر الإيليزي (الرئاسة الفرنسية) ووزارة الخارجية، بقيادة جون نويل بارو.
ويشكل انتماء النائبين اللذين أعدا التقرير حول اتفاقية 1968 لحزب الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، معطى قويا على أن استهداف الجزائر ومصالحها الحيوية في فرنسا، لم يعد مقتصرا على الأطراف المتعودة على ذلك في صورة اليمين التقليدي واليمين المتطرف، وإنما أصبح عاما بالنسبة للطبقة السياسية في فرنسا، باستثناء التيار اليساري المنضوي تحت “الجبهة الوطنية الجديدة”، وهو تطور خطير ينذر بتعميق الأزمة السياسية والدبلوماسية المتفاقمة، والتي تقترب من اكتمال عامها الأول.
ومن شأن إعادة إثارة النقاش على مستوى البرلمان الفرنسي حول اتفاقية الهجرة لسنة 1968، أن تحدث انزلاقات خطيرة تستهدف الجالية الجزائرية في فرنسا، التي تعد بالملايين، وحينها سيتحمل المعسكر الرئاسي ممثلا في حزب “رونيسونس” (النهضة)، كامل المسؤولية، لأن التوترات السابقة عادة ما تنسب لليمين المتطرف، المعروف بعداوته الشديدة للجزائر وجاليتها.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس