أفريقيا برس – الجزائر. شهد اليوم الخامس من جلسات محاكمة الفساد الانتخابي، مرافعات قوية من طرف هيئة الدفاع عن المتهمين الموقوفين في قضية الوساطة في جمع استمارات الترشح، وقد ركّز الدفاع خلال ذلك على تفنيد الركن المادي والمعنوي للتهم الموجهة، مؤكدين أن موكليهم لم يكونوا سوى أدوات لوجستية، أو أسماء تم الزج بها في الملف دون أدلة ملموسة.
وتوالت المرافعات التي استندت إلى قراءة النصوص القانونية، حيث شدّد المحامون على غياب “الركن الشرعي” للجريمة، معتبرين أن مجرد جمع توقيعات لا يرقى قانونا إلى مستوى التصويت الانتخابي أو الرشوة الانتخابية، كما دحضوا الادعاءات المتعلقة بتقديم أو تلقي هبات أو مزايا مقابل تلك التوقيعات.
دفاع نائب نغزة.. موكلي لم يقدم وعودا ولم يسلم هبات
قدمت هيئة الدفاع عن المتهم محمد بلحاج، وشقيقه زين الدين، مرافعة قانونية دافع فيها بقوة عن براءة موكليه، مؤكدة أن ملف المتابعة يفتقر إلى أي دليل مادي ملموس يربطهما بالتهم الموجهة إليهما، مستندة إلى قراءة دقيقة للنصوص القانونية المستند إليها من طرف النيابة، ومبرزا تناقض الوقائع مع القواعد القضائية السليمة.
المحامي نذير لخضاري، استهل مرافعته بالقول: “سيدي الرئيس موكلاي بلحاج محمد وشقيقه زين الدين متابعان في قضية ذات طابع سياسي، ما دام أنها متعلقة بالانتخابات الرئاسية لسنة 2024، لكن نحن كقانونيين سنواجه النيابة المحترمة وأمر الإحالة بالقانون، لأن ما يربطنا اليوم معكم هو قانون الإجراءات الجزائية لا غيره”.
وأضاف “لن أخوض خلال مرافعتي في التفاصيل السياسية لوقائع ملف الحال، فهو ليس من اختصاصي ولا علاقة لنا به، فالتحقيق الابتدائي الذي قامت به جهات التحقيق، كان يفترض أن أجد فيه المتهمين مضبوطين، في حالة تلبس بإعطاء أو تلقي الأموال فيما يخص ملء الاستمارات إلا أن قاضي التحقيق هو من أوقعه في التلبس وهذا لأنه جاء في أعباء اتهامه لموكلي على أساس أنهما علما بوجود مبلغ 600 مليون سنتيم، وهذا ما جاء أيضا في مرافعة النيابة، لكن استشهد أمامكم وأمام العالم بمحضر سماع موكلي وفي الموضوع، أين كنت شخصيا معه حين صرح وبعظمة لسانه أنه لم يعلم بوجود هذا المبلغ إلا عند مثوله أمام المحققين”.
واعتبر الأستاذ لخضاري أن ما يجري اليوم في حق موكليه إجحاف، خاصة أن موكله محمد بالحاج، لم يكن متواجدا أصلا في الجزائر، ولم يكن موافقا على فكرة ترشح سعيدة نغزة للانتخابات الرئاسية، بل ما قام بمجرد إعطائه رأيه فيما يخص هذه المسألة، وربط الاتصال بين المتهم “ب” والمترشحة، من أجل أن يقدموا لها فكرة، أو استشارات فيما يخص عمليه جمع الأصوات ما دام أنها أول تجربه تخوضها ومدام كذلك المتهم بلحاج محمد بعيدا كل البعد عن السياسة وعن المحافل الانتخابية.
وواصل الدفاع مرافعته “سيدي الرئيس يجب أن نعلم، وأن يعلم الجميع، أن القانون المنظم للانتخابات في مادتيه 87 و86 وفي الشق المتعلق بالتمويل يجيز التبرعات حتى من طرف الأشخاص الطبيعيين، لأن المشرع الجزائري يذهب أبعد من ذلك، ويضع سقف 600,000 دينار جزائري فيما يخص تبرعات المواطنين والأشخاص الطبيعيين للمرشح للانتخابات الرئاسية، هذه الأموال التي تتكلمون عنها والزهيدة جدا، حيث لا تتجاوز 5000 دينار بغض النظر عن وجودها من عدمه، فإنه لا يوجد نص قانوني صريح يجرمها، وأمام قرينه البراءة ولا عقوبة ولا إجراء إلا بنص، لا يمكننا تسليط أي عقوبة على وقائع قضية الحال.
وعرّج المحامي لخضاري إلى بقية المتهمين حينما قال “تصور سيدي الرئيس أكثر من 84 متهما في قضيه الحال.. تعتبر مأساة حقيقية، فهم ليسوا بمجرمين وإنما هم منتخبون اختارهم الشعب، بل الأكثر من ذلك لا يوجد أي دليل ضدهم يثبت أنه تم ملء الاستمارات بمقابل مالي وإن تم ذلك فعلا، فلا يوجد نص يدين هذه الأفعال أو يجرمها، باعتبار أن جمع الاستمارات ليس تصويتا الذي نصت عليها المادة 300، شتان بين هذا وذاك، كل الزملاء الذين سبقوني في المرافعة بينوا الفرق بين استمارات التزكية والأصوات المعبر عنها يوم الاقتراع”.
وعلى هذا الأساس، يضيف نذير لخضاري، فإن موكله ليس له أي ذنب في ملف الحال، لأنه فقط قام بإيصال أحد المتهمين إلى مكتب الحملة الانتخابية المتعلقة بالمتهمة سعيد نغزة.. سيدي الرئيس لن أفصل في أبجدية القانون التي تفقهونها، إلا أننا نطلب منكم أن تنظروا إلى هؤلاء المتهمين جميعا دون استثناء من نفس الزاوية، التي ننظر منها نحن الدفاع فهؤلاء جميعهم ينحدرون من عائلات معوزة وفقيرة، كما يفتقدون ذويهم دون علمهم وفلذات أكبادهم واليوم يناشدونكم وهم في قفص الاتهام وبعد 10 أشهر أمضوها في السجن بالتطبيق السليم للنصوص القانونية بعيدا عن كل التأويلات والحسابات لأن القضاء يعلو ولا يعلى عليه، وتبرئتهم من التهم الموجهة إليهم.
المحامي عبدي.. موكلي لم يكن متواجدا بالجزائر لحظة الوقائع
وشاطره الرأي المحامي أحسن عبدي، الذي افتتح مرافعته بالتأكيد على أن موكليه “لا ناقة لهما ولا جمل في هذه القضية”، متسائلا كيف يتم إيداعهما الحبس المؤقت: “هل من المعقول في سنة 2025 أن نؤسس إدانة المواطن على مجرد تصريحات دون وجود دليل مادي؟ هل يمكن اعتبار توقيع على استمارة دعم، بمثابة تصويت انتخابي؟”.
وفي هذا السياق، شدد الأستاذ عبدي على أن المادة 300 الفقرة 1 من القانون العضوي للانتخابات التي تتابع بها النيابة العامة موكليه، لا تنطبق على هذه الوقائع، حيث أوضح أن هذه المادة تنظم عملية الاقتراع، والتي تتم في يوم واحد، بمكاتب تصويت محددة، وتخص عملية التصويت الرسمية، بينما الوقائع الحالية تتعلق بجمع توقيعات دعم الترشح، وهي إجراءات أولية قبل العملية الانتخابية ولا ترقى إلى التصويت، وعليه، فإن الركن المادي للجريمة المنصوص عليها في المادة 300 غير متوفر.
وفي ما يخص المادة 25 الفقرة 2 من قانون مكافحة الفساد، التي تخص تقديم مزايا أو هبات للحصول على أصوات انتخابية، أو مقابل تنفيذ فعل مخالف للواجبات، فقد أشار الدفاع أن النيابة لم تقدم أي دليل مادي يثبت تسلم موكليه لمبلغ مالي مقابل جمع الاستمارات.
وأضاف عبدي أن موكله محمد بلحاج لم يكن حتى متواجدا بالجزائر خلال عملية تسليم الاستمارات، بل كان سافر حينها إلى تركيا، وبالتالي فإن الركن المعنوي والقصد الإجرامي منعدم تماما على حد قوله.
أما بخصوص شقيقه زين الدين، فقد شدد الدفاع على أنه لم يقم بأي تصرف يربطه بالواقعة من قريب أو بعيد، ولا يوجد أي دليل مادي يثبت تواصله أو تدخله في جمع الاستمارات مقابل المال، بل تمت الاستعانة به من أجل إيصال المدعو “ف.بلال” بسيارته وهو الفعل الذي جره إلى السجن دون وجه حق.
وبالمقابل، فإن المحامي نور الدين مولوجي، اعتبر أن ملف الحال بني على تصريحات دون إجراء تحريات تقنية معمقة، مثل تفتيش الهواتف، أو فحص التحويلات المالية، أو مراجعة الاتصالات الهاتفية التي كان يمكن أن تثبت أو تنفي الواقعة بشكل قطعي.
وشدد الأستاذ مولوجي، أن النصوص القانونية التي استندت إليها النيابة لا تنطبق على الوقائع محل المتابعة، وصرح قائلا “لا يوجد أي هبات، لا وعود، لا تسليم مال، ولا علاقة لموكلي بهذه القضية من أي زاوية قانونية”، وطالب المحكمة بإفادة موكله بالبراءة ويتعلق الأمر بمحمد بلحاج وزين الدين بلحاج، باعتبار أن المتابعة لا تستند إلى وقائع ثابتة، ولا إلى أركان قانونية مكتملة وفقًا لقانون مكافحة الفساد أو قانون الانتخابات.
لا مزية ولا رشوة في غياب “الركن الشرعي”
في مرافعة قانونية حملت أبعادا إنسانية وقانونية، قدّمت محامية المنتخبين المحليين المتهمين بالتواطؤ لصالح أحد المترشحين، وعلى رأسهم رياحي سليمان، دفوعا قوية أمام المحكمة، مطالبة بطي الملف بالبراءة، أو على الأقل بالحكم بعقوبة موقوفة النفاذ وخدمة للنفع العام، مراعاة لوضعية المتهمين الاجتماعية والمهنية.
المحامية شددت على غياب “الركن الشرعي” للجريمة، مؤكدة أن التوقيعات التي جمعها المنتخبون لا ترقى لأن تُصنف كأصوات انتخابية ولا تمثل فعلا انتخابيا عن طريق الاقتراع، وذكّرت في هذا السياق أن المادة 300 من القانون العضوي المتعلق بالانتخابات تتعلق بالتصويت المباشر عن طريق الانتخابات، وليس بجمع التوقيعات التي تُعد، حسب تعبيرها، وسيلة أو دعم إداري يضعه المنتخب في متناول الناخبين، من دون أن يرتّب عليه أي مزية غير مستحقة.
وذهب الدفاع إلى أبعد من ذلك، بالتأكيد على أن المنتخبين، ومنهم رياحي سليمان، لم يتلقوا أي رشوة أو هبة، كما لم يقدم جميع المترشحين أي وعود لأي من المنتخبين مقابل التوقيعات، مشيرة إلى أنهم تعرّضوا لضغط نفسي كبير خلال التحقيق، خاصة وأن معظمهم يعيش أوضاعا اجتماعية صعبة، ويقطنون في بيوت قصديرية ولا يملكون حتى سكنات خاصة، متسائلة عن السبب الذي يدفعهم إلى الحصول على رشوة مقابل توقيع، قائلة أن من بين المتهمين مثقفين ومتقاعدين من الجيش وإطارات كانوا ينتظرون فقط فرصة الحصول على سكن اجتماعي، وليس امتيازات انتخابية مشبوهة.
كما استغرب الدفاع سبب عدم فتح تحقيقات حول ممتلكات هؤلاء المتهمين للتأكد من عدم تلقيهم أي مزايا من طرف المترشحين، وتساءل الدفاع، كيف للمتهمة سعيدة نغزة التي “جلبت مليارا” للجزائر، وحمادي الذي كان يزود بعض مناطق الوطن بأقنعة وأدوية وقارورات الأوكسجين خلال أزمة كورونا أن يقوموا بأفعال مثل هذه من خلال تزوير التوقيعات وشراء الذمم مقابل المال.
وتمسكت محامية المتهمين بالعودة إلى القانون، الذي يمنح للقاضي سلطة التقدير في غياب الدليل القطعي، وألحّت على أن التوقيع على استمارة لا يُعد جريمة ولا يدل على تواطؤ، بل يدخل في إطار العمل السياسي العادي ضمن صلاحيات المنتخب المحلي.
دفاع دحماني: “موكلي مقعد… فكيف يُدان بجرم لا قدرة له على تنفيذه؟”
من جهته التمس، المحامي محمد عمران الموكل في حق المتهم دحماني، في مرافعته، من هيئة المحكمة النطق بالبراءة، مؤكدا أن ملف موكله “خال تماما من أي دليل مادي أو قانوني يثبت التهم الثقيلة المنسوبة إليه”، خاصة في ظل حالته الصحية الحرجة التي لا تسمح له بالحركة أو القيام بأي دور في ما سُمي بـ”شراء الاستمارات الانتخابية”.
وخلال مرافعته، استغرب المحامي تضارب الروايات، مبرزا أن “النيابة تحدثت عن مبلغ 600 مليون دينار زُعم أن دحماني تسلمه وسلمه، في حين جاءت تصريحات أخرى تشير إلى أن المدعو “ف.بلال” هو من استلم المبلغ من سعيدة نغزة”، واعتبر أن “الحديث عن دور الوساطة يفترض وجود تخطيط وتحركات واتصالات، وهي أمور كان يمكن إثباتها بسهولة لو تم اللجوء لسجل المكالمات أو مراقبة تحركات المعني، لكن ذلك لم يحدث”.
وأضاف دفاع دحماني “لا يوجد أي دليل على أن موكلي أثّر على ناخب واحد أو تواصل مع أي طرف بهدف التأثير، كل ما ورد في الملف هو مجرد استنتاجات لا ترتقي إلى مستوى الإدانة، لاسيما وأن الخبرة التقنية لم تُثبت أي علاقة له بالمتهمين الآخرين”.
وتابع المحامي عمران: “موكلي رجل مقعد، يعاني من ظروف صحية قاسية، ومن غير المنطقي عقلا أو قانونا إصدار حكم بالسجن ضده بناء على فرضيات لا أساس لها، وملف خال من الأدلة القاطعة”، مضيفا: “كل شيء واضح… لا وجود لأي قرينة مادية تؤكد ما نسب إليه”.
والتمس الدفاع من المحكمة “التمحيص في الوقائع بعيدا عن الشبهات والظنون، وإعلان البراءة الكاملة لموكله، الذي لا يستحق أن يُدان وهو في وضع صحي وإنساني صعب”.
المحامي بهلولي.. الجرم المنسوب للناخب يكون بعد العملية الانتخابية
ومن جهته، فإن محامي الدفاع عن العضو المنتخب بولاية البليدة “م” الأستاذ ابراهيم بهلولي ركز في مرافعته على المادة 300 التي تتحدث على أن الجرم المنسوب للناخب يكون بعد العملية الانتخابية، أي بعد انتهاء الحملة الانتخابية والصمت الانتخابي.
وقال الأستاذ بهلولي “سيدي الرئيس، في متابعة الحال لا يوجد أي نص شرعي ينطبق على المادة 300، فموكلي عضو منتخب، لا تنطبق عليه شروط الموظف العمومي، لأنه لا يملك سلطة اتخاذ القرار ولاسيما ملأها بصفة شخصية وليس كمنتخب، بل الأكثر من ذلك فهو لم يطلب الاستمارة، بل هم من منحوه إياها.. سيدي الرئيس، هؤلاء قضوا أزيد من 10 أشهر في السجن من دون أن يصل قاضي التحقيق إلى أي دليل مادي يثبت إدانته خاصة واقعة استلام وتسليم الأموال”.
وواصل قائلا: “قاضي التحقيق اعتمد على التصريحات الواردة في محاضر الأمن الداخلي، ثم تم التراجع عنها في التحقيق ويوم المحاكمة استنادا إلى المادة 212 من قانون الإجراءات الجزائية، وعلى هذا الأساس نلتمس من هيئة المحكمة الموقرة تبرئة ساحة موكلي من كل التهم الموجهة له “.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس