جاليتنا هي الأكبر بفرنسا.. لكن تأثيرها محدود!

5
جاليتنا هي الأكبر بفرنسا.. لكن تأثيرها محدود!
جاليتنا هي الأكبر بفرنسا.. لكن تأثيرها محدود!

أفريقيا برس – الجزائر. رغم أن الجالية الجزائرية في فرنسا تعد الأكبر عددا بين الجاليات الأجنبية، إلا أن حضورها يبقى محدود التأثير على الساحة السياسية والإعلامية الفرنسية، وهذا خصوصا مع تصاعد حملات اليمين المتطرف التي تستهدفها. هذه الوضعية تجعل الحاجة ملحّة إلى تأطير هذه الجالية وبروز ناطقين شرعيين باسمها يدافعون عنها وعن مصالحها.

وفي هذا السياق، أطلق أبناء الجالية الجزائرية بفرنسا مؤخرا عدة مبادرات تسعى لتحويل هذه الجالية من مجرد كتلة سكانية إلى فاعل مؤثر، من بينها “حلقة الأمير عبد القادر” والتي تضم أعضاء من نخبة الجالية الجزائرية بفرنسا، وتحمل اسم مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة، والتي تريد “بناء جسور سلام بين ضفتي المتوسط”.

في هذا الحوار مع “الشروق“، يتحدث رفيق تمغاري، نائب رئيس بلدية مدينة رواي مالميزون في ضاحية باريس، ورئيس “حلقة الأمير عبد القادر”، عن واقع الجالية الجزائرية في فرنسا، والتحديات التي تواجهها، وسبل تحويلها إلى قوة اقتراح وتأثير في المشهد الفرنسي.

برأيكم، لماذا تبقى الجالية الجزائرية في فرنسا محدودة التأثير بالرغم من أنها تعد الجالية الأكبر؟

الجالية الجزائرية في فرنسا، رغم كونها الأكبر، فتُعتبر أول جالية أجنبية من خارج الاتحاد الأوروبي، تبقى محدودة التأثير لعدة أسباب.

أولا، هناك عامل تاريخي وسياسي: العلاقات بين فرنسا والجزائر ظلت لفترة طويلة تحمل ثقل الماضي الاستعماري، مما ساهم في الإبقاء على نوع من انعدام الثقة المتبادل، والريبة وأحيانا الوصم. وهذا أعاق بروز تمثيل سياسي قوي وواضح.

ثانياً، هناك مسألة الانقسام الداخلي. فالجالية الجزائرية في فرنسا متنوعة: من حيث الأجيال، فهناك المهاجرون الأوائل، والجيل الثاني، والجيل الثالث، ومن حيث المسارات الاجتماعية، والحساسيات السياسية والثقافية. هذه التعددية، رغم أنها ثراء، تجعل من الصعب أحيانا بلورة صوت موحد.

كما يجب التنويه إلى غياب قنوات مؤثرة داخل المؤسسات السياسية الفرنسية. فعلى عكس جاليات أخرى مثل الإيطالية، البرتغالية، الأرمنية، اليهودية وأخرى، لم يتمكن الفرنسيون من أصول جزائرية من بناء لوبي حقيقي مؤثر، سواء على المستوى البرلماني أو الاقتصادي أو الثقافي.

وأخيرا، هناك مشكلة في مسألة التمثيل والثقة: فالكثير من الشباب من أصول جزائرية، رغم أنهم مندمجون وموهوبون، يشعرون بأنهم غير ممثلين أو مُقصَون من النقاش العام. وهذا يولّد شعورا بالابتعاد عن السياسة، وبالتالي ضعف التمثيل.

كيف يمكن برأيكم تجاوز هذا الوضع وتشجيع النخبة الفرنسية-الجزائرية على لعب دورها كاملا، فخصوصا مع الأزمة الحالية بين الجزائر وباريس، تجد الجالية الجزائرية نفسها في قلب النقاشات السياسية والإعلامية في فرنسا، ومع ذلك تبقى الأصوات التي تمثلها وتدافع عن مصالحها قليلة؟

الأزمة الحالية بين الجزائر وباريس وضعت الجالية الجزائرية في صلب النقاشات، لكن غالبا دون أن تتمكن من التعبير عن نفسها بشكل مباشر. لتجاوز هذا الوضع، يجب التحرك على عدة مستويات.

أولا، من الضروري تشجيع بروز ناطقين شرعيين باسم الجالية. وهذا يمر عبر إبراز شخصيات من عالم الأكاديميا، الثقافة، الاقتصاد أو السياسة، قادرة على الدفاع عن مصالح الجالية بمصداقية واستقلالية. كثيرا ما يتم تهميش هذه الأصوات أو استغلالها.

ثانيا، من المهم بناء شبكة تأثير منظمة. النخب الفرنسية-الجزائرية موجودة، لكنها تعمل غالبا بشكل فردي. خلق فضاءات للتشاور، مراكز تفكير، أو جمعيات بحثية يمكن أن يحوّل هذه القوة الفردية إلى قوة جماعية.

النقطة الثالثة هي الاستثمار في الشباب. الأجيال الجديدة متعلمة، مبدعة، ومتمكنة تماما من الثقافتين. وإذا وُجدت لهم فضاءات اعتراف ورعاية من قِبل موجهين، يمكن أن يصبحوا حملة خطاب هادئ وبنّاء.

كما يقع جزء من المسؤولية على المؤسسات الفرنسية والجزائرية لمنح هذه النخب مكانة فعلية. طالما يُنظر إلى الجالية فقط من زاوية أمنية أو هوياتية أو صراعية، فإن ممثليها سيبقون مهمشين. بينما يمكن أن يشكّل إسهام الفرنسيين من أصل جزائري رافعة حقيقية للتقارب بين البلدين.

في السنوات الأخيرة، ظهرت عدة مبادرات، مثل “حلقة الأمير عبد القادر”، أطلقها فرنسيون من أصل جزائري. ما تقييمكم لهذه المبادرات، وما أبرز العراقيل التي تواجهها؟

هذه المبادرات، مثل “حلقة الأمير عبد القادر”، تلعب دورا أساسيا لأنها تنخرط في مسار إيجابي ثقافي وذاكرتي، بعيدا عن خطابات الصدام أو الانغلاق. فهي تذكّر بشخصيات تاريخية عالمية مثل الأمير عبد القادر، الذي جسّد المقاومة والحوار بين الأديان والسلام. وهذا يساهم في تقديم صورة أعدل وأرقى عن الجالية الفرنسية-الجزائرية.

لكن هذه المبادرات تصطدم بعدة عراقيل. أولها نقص الدعم المؤسسي والمالي، إذ تعتمد غالبا على الجهود التطوعية لقلة من الأشخاص، مما يحد من انتشارها. ثانيها ضعف الحضور الإعلامي، إذ نادرا ما تجد القضايا الإيجابية صدى في الفضاء العام الذي تهيمن عليه السجالات الهوياتية. وثالثها صعوبة التعبئة: فكثير من الفرنسيين من أصل جزائري يشاركون هذه القيم، لكنهم يترددون في الانخراط العلني خوفا من الوصم أو الاستغلال.

هذه المبادرات واعدة وضرورية، لكنها ستكون أكثر فعالية إذا حظيت بمزيد من الهيكلة والدعم والربط فيما بينها. فهي تمثل مسارا جديا لتحويل الإرث التاريخي إلى رافعة للتقارب والإشعاع.

فعليا، ماذا يمكن أن تقوم به الجزائر لدعم جاليتها وجمعياتها هذه في فرنسا؟

يمكن للجزائر أن تلعب دورا أكثر فاعلية في دعم جاليتها في فرنسا. أولا، عبر تعزيز الرابط المؤسسي: إنشاء هياكل قريبة على مستوى القنصليات لمرافقة الجمعيات، مساعدتها على التنظيم، وإتاحة وصولها إلى تمويلات شفافة.

ثانيا، من المفيد إبراز كفاءات الجالية. فالكثير من الفرنسيين من أصل جزائري يحققون نجاحات في مجالات أكاديمية واقتصادية وثقافية وعلمية، لكنهم غير مدمجين بما يكفي في استراتيجيات التعاون بين البلدين. يمكن للجزائر أن تنشئ برامج لإشراكهم بشكل مباشر في تنميتها، كما تفعل دول أخرى مع جالياتها.

ثالثا، دعم المبادرات الثقافية والتربوية: مثل مساعدة الجمعيات التي تروج للتاريخ المشترك، للغة العربية والأمازيغية، وللثقافة الجزائرية، بما يعزز نقل القيم بين الأجيال ويحد من فقدان الهوية.

وأخيرا، من الضروري أن تطور الجزائر خطابا حديثا وشاملا تجاه جاليتها. ينبغي اعتبارها شريكا استراتيجيا حقيقيا، قادرا على بناء جسور بين الضفتين.

المصدر: الشروق

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here