حزب ماكرون يلتحق باليمين المتطرف في استفزاز الجزائر

0
حزب ماكرون يلتحق باليمين المتطرف في استفزاز الجزائر
حزب ماكرون يلتحق باليمين المتطرف في استفزاز الجزائر

أفريقيا برس – الجزائر. تتجه العلاقات الجزائرية الفرنسية، نحو نقطة تصعيد إضافي من بوابة اتفاقية الهجرة لسنة 1968 التي كانت لعقود أحد الأعمدة القانونية المنظمة لوضع الجالية الجزائرية في فرنسا وباتت اليوم محل مراجعة حقيقية، ليس فقط من قبل المعارضة اليمينية المتطرفة، بل من داخل حزب “النهضة” الحاكم نفسه الذي أسسه ويقوده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

في تطور لافت، يعمل نواب من حزب “النهضة” على إعداد تقرير داخلي يقيّم ما يسمونه “الأعباء المالية والاقتصادية” الناتجة عن الاتفاقية، معتبرين أن النظام الخاص الذي تتمتع به الجالية الجزائرية – دون غيرها من الجاليات المغاربية أو الإفريقية – لم يعد مبرّرا في السياق الحالي. هذا التقرير، المنتظر رفعه إلى الحكومة خلال الأسابيع المقبلة، يفتح الباب أمام إمكانية تعديل شامل، وربما مراجعة جذرية لبنود الاتفاق، خصوصا تلك المتعلقة بتسهيلات الإقامة، العمل، لمّ الشمل العائلي والاستفادة من الضمان الاجتماعي الفرنسي.

ويشار أن هذا التوجه ليس معزولا عن السياق السياسي الداخلي في فرنسا، فمع تصاعد شعبية اليمين المتطرف والمطالبات المتزايدة بتشديد قوانين الهجرة، يجد حزب ماكرون نفسه مضطرا للتقاطع مع خطاب المتطرفين وتقديم تنازلات انتخابية لمنع مزيد من التآكل في رصيده السياسي. وهكذا تتحول اتفاقية 1968 من وثيقة قانونية إلى ورقة سياسية بامتياز، توضع على طاولة المزايدات الانتخابية باسم “استعادة السيادة” و”حماية النموذج الاجتماعي الفرنسي”.

واللافت أن هذا التوجه التصعيدي لا يقتصر على هذه الاتفاقية وحدها، بل يندرج ضمن سلسلة خطوات أحادية انتهجتها باريس في الأشهر الأخيرة، تمثلت في تعليق عدد من آليات التعاون القنصلي دون إشعار الجزائر وتشديد إجراءات منح التأشيرات بشكل غير معلن رغم وجود اتفاقيات تعاون قنصلي وتنقّل موقّعة بين الطرفين، كما رحلت فرنسا جزائريين مقيمين بصفة قانونية أو شبه قانونية دون إبلاغ القنصليات الجزائرية، وهو ما يخالف البروتوكولات القنصلية المشتركة، وخاصة اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لعام 1963.

كما اعتقلت السلطات الفرنسية موظفا قنصليا في ظروف غامضة ودون إخطار مسبق للسلطات الجزائرية أو إشراك القنصلية، كما يفرضه العرف الدبلوماسي في خرق لاتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لعام 1963، التي تنص على احترام المهام القنصلية وضرورة التنسيق مع الدولة المعنية في حال وجود شبهات أو دعاوى قانونية ضد أحد أفراد طاقمها. وفي عدة مناسبات، حاولت السلطات الفرنسية إدراج تعديلات في قانون الهجرة الداخلي تناقض ما تنص عليه الاتفاقيات الثنائية وكأنها تسعى عمليا إلى إفراغها من محتواها دون إعلان الخروج منها رسميا، وهو ما تعتبره الجزائر انتهاكا صريحا لمبدأ احترام الالتزامات الدولية.

وتعتبر الجزائر الاتفاقية امتدادا لتوازنات ما بعد الاستعمار، وضمانا قانونيا لوضع الجالية الجزائرية في فرنسا التي ما تزال ترتبط وجدانيا وسياسيا ببلدها الأم، وأي مساس أحادي بهذه الاتفاقية سيقرأ كخطوة عدائية وقد يدفع إلى الرد بمراجعة ملفات تعاون أخرى تتجاوز الهجرة إلى مجالات الأمن، الاقتصاد، والتنسيق الإقليمي، لا سيما في منطقة الساحل.

وقد سبق للجزائر أن عبّرت في مناسبات سابقة، عن تحفظها على أي محاولة لتعديل الاتفاق دون مفاوضات ثنائية، بل إنها ترفض من حيث المبدأ أن تتحول الاتفاقية إلى مجرد أداة سياسية داخلية فرنسية، في حين أنها تلزم الطرفين بتعهدات واضحة. وهي تدرك أن المراجعة إن تمت على نحو أحادي، فستؤسس لسابقة خطيرة تضرب في العمق مبدأ احترام الاتفاقيات الدولية وتُضعف جسور الثقة الهشة بين البلدين.

ومن جانبها تتابع الجالية الجزائرية المقيمة في فرنسا، والتي يتجاوز عددها 6 ملايين بقلق هذا المسار التصاعدي، إذ أن أي تعديل في الاتفاقية قد يغيّر جوهريا من شروط إقامتها وتنقلها ويضع أجيالا كاملة في مواجهة مصير قانوني غامض. كما أن تسييس هذا الملف من قبل الحكومة الفرنسية لا يخلو من تغذية خطاب الكراهية والتمييز، خاصة في ظل تصاعد العنصرية التي تستهدف بشكل مباشر المهاجرين من أصول جزائرية.

رغم أن باريس لم تعلن رسميا نيتها إلغاء الاتفاقية أو تعديلها، إلا أن تسريب معلومات عن التقرير المرتقب لحزب النهضة والتصريحات التي تصدر تباعا من مسؤولين فرنسيين حول “عدم تكافؤ الامتيازات”، تشي بأن فرنسا تسير نحو مراجعة حتمية، حتى وإن تمت عبر خطوات تدريجية.

في المقابل، قد تجبر الجزائر على الخروج من صمتها، خصوصا إذا تبيّن أن التقرير ليس مجرد مقترح نقاش داخلي، بل خطوة تمهيدية لتعديل أحادي. عندها ستكون الأزمة أكثر من مجرد خلاف دبلوماسي، بل تصعيد سياسي ستكون له تداعيات تتجاوز الجالية وتمتد إلى طبيعة العلاقة المستقبلية بين الجزائر وفرنسا.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here