أفريقيا برس – الجزائر. في خطوة من شأنها أن ترفع منسوب التوتر بين الجزائر وباريس، أقدمت الشرطة الفرنسية، حسب برقية لوكالة الأنباء الجزائرية، على إيقاف الصحفي والمحلل في القناة الدولية، مهدي غزار، في باريس، مساء الثلاثاء، بداعي أنه مدرج في الملف “س”(S)، وكذلك في ملف الأشخاص المبحوث عنهم، وهما آليتان استثنائيتان مخصصتان للأشخاص الذين يعتبر أنهم قد يشكلون تهديدا خطيرا للأمن العمومي، على حد زعم الفرنسيين.
وكان مهدي غزار قد تم إبعاده من إذاعة “ار ام سي”(RMC)، حيث كان من بين الأصوات المسموعة بشكل واسع في برنامج (Les Grandes Gueules)، وذلك على خلفية مواقفه بشأن حرب الإبادة في غزة. ومنذ ذلك الحين بات غزار يشتكي من توقيفه المتكرر في كل مرة يعبر فيها مطارات باريس، سواء عند الدخول أو الخروج، وسط مناخ من التصعيد العدائي، وفق المصدر ذاته، الذي أكد أنه وعلى الرغم من رحيل وزير الداخلية الفرنسي السابق، برونو روتايو، فإنه لم يتغير شيء، بحيث لا تزال أساليبه راسخة داخل مؤسسات الجمهورية الفرنسية.
ويأتي هذا الاستفزاز مناقضا لرسائل التهدئة التي وجهها وزير الداخلية الفرنسي، لوران نونياز، تجاه الجزائر، حيث الوقائع على الأرض تبدو مغايرة تماما، والاستفزازات الفرنسية مستمرة تجاه الرعايا الجزائريين، لتؤكد بأن ما تعرض له الصحفي بقناة الجزائر الدولية، مهدي غزار، ما هي إلا الجزء الظاهر من جبل الجليد.
ومن سوء حظ خليفة برونو روتايو، في قصر “بوفو”، أن الجهة التي تورطت في عملية الاستفزاز الأخيرة بحق الصحفي الجزائري المقيم بطريقة قانونية على التراب الفرنسي، هي الشرطة الفرنسية، التي تقع وصايتها على عاتق وزير الداخلية، الذي تبنّى لغة تهدئة لافتة تجاه الجزائر، منذ توليه سدة قصر “بوفو” قبل أزيد من شهرين، وهو ما يؤشر على أن خيوط إدارة الأزمة السياسية والدبلوماسية المتفاقمة مع الجزائر، تتجاوز بكثير الداعين إلى المصالحة في دواليب الدولة الفرنسية، وعلى رأسهم وزير الداخلية.
واللافت في الأمر، هو أن لوران نونياز، كان قد صرح قبل أقل من أسبوع أنه لا يزال مستعدا لزيارة الجزائر، تلبية للدعوة التي قال إنها وجهت إليه من قبل نظيره الجزائري، سعيد سعيود، وقد جاءت هذه الحادثة التي تعتبر مجرد حلقة في مسلسل تعرض المسافرين الجزائريين لمعاملات تمييزية على مستوى المطارات والموانئ الفرنسية، لترفع من منسوب التساؤلات حول مصير تلك الزيارة، التي لم يحدد موعدها بعد، وذلك بالرغم من مرور أسابيع عن الكشف عنها.
ويتساءل الكثير من المراقبين للعلاقات الجزائرية الفرنسية عن مدى جدية الطرف الفرنسي في الحديث عن فتح صفحة جديدة مع الجزائر؟ فيما يذهب البعض الآخر إلى الحديث عن جيوب مقاومة داخل وزارة الداخلية على وجه الخصوص، لا تزال تدين بالولاء لوزير الداخلية السابق، برونو روتايو، المعروف بهوسه بكل ما له علاقة بالجزائر؟
وتشبه الحادثة الأخيرة التي تعرض لها الصحفي مهدي غزار، الاستفزاز الذي تعرضت له الجزائر، في حادثة الإطار القنصلي الجزائري في أفريل المنصرم بفرنسا، والذي تم اختطافه من قارعة الطريق في مشهد هوليودي تم القفز من خلاله على القوانين والأعراف القنصلية، مباشرة بعد الزيارة التي قام بها أنذاك، وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي، جون نويل بارو، إلى الجزائر، تجسيدا لحالة تهدئة إثر المكالمة الهاتفية التي بادر بها أنذاك الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، مع نظيره الجزائري، عبد المجيد تبون، وهي الحادثة التي تسببت كما هو معلوم، في رد فعل جزائري عنيف تمثل في طرد 12 إطارا قنصليا فرنسيا يعملون في السفارة الفرنسية بالجزائر.
وتشكل هذه الحادثة “نكسة” لخطاب وزير الداخلية الفرنسي، وهو المعروف بخلفيته الأمنية، فقد سبق له وأن كان على رأس المديرية العامة للأمن الداخلي الفرنسي (DSI)، كما أنه يعتبر الشرطي الأول في فرنسا، وهو ما يضعه في قلب دائرة مسؤولية هذه الحادثة، التي لا يستبعد أن تكون قد أفقدت خطابه حول الهدنة، أية مصداقية.
وكانت الأمينة العامة لوزارة الخارجية الفرنسية، آن ماري ديكو، قد زارت الجزائر في نهاية الشهر المنصرم، وعلى غير العادة فقد جاءت وغادرت من دون تناول إعلامي معهود للزيارة، كما لم تتسرب أي معلومات عن تلك الزيارة والملفات التي كانت محل نقاش، ما يؤشر على أن عودة العلاقات الثنائية إلى سابق عهدها، يبقى غير ممكن، وفق ما جاء على لسان، الخبير والمختص في العلاقات الجزائرية الفرنسية، بنجامان ستورا قبل أيام.
وبصرف النظر عن التصريحات الرسمية الفرنسية التي تتميز بلغة تنزع ظاهريا إلى الهدنة، فإن الوقائع على الأرض تذهب عكس ذلك، بحيث هناك شهادات متطابقة من مسافرين جزائريين، تشير إلى سوء استقبال وتركهم ينتظرون لفترات أطول دون سواهم في المطارات والموانئ الفرنسية، وقد كانت هذه المعاملة محل استنكار وتنديد من قبل وزارة الخارجية الجزائرية، إلا أن التجاوب معها بقي محدودا جدا، حسب شهادات المسافرين.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس





