خلاف لافت في قراءة النصوص القانونية في قضايا تتعلق بما يوصف بممتلكات الأقدام السوداء في الجزائر، على مستوى المحكمة العليا ومجلس الدولة، الأمر الذي أربك جهود الدولة في طي هذه القضية المعقدة، التي تفجرت بشكل مثير منذ وصول الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة إلى سدة الرئاسة.
وتتعلق هذه القضية بممتلكات عائلة أحد أكبر الأقدام السوداء في الجزائر، وهي عائلة التيراك، التي تملك العشرات من العقارات في شوارع الجزائر العاصمة الراقية وبومرداس. المحكمة العليا أصدرت أربعة قرارات ضد هذه الشركة، أكدت من خلالها أن المؤسسة مدعية الملكية ليس لها وجود قانوني منذ تأميمها في 1968، وكذا استنادا إلى العقد التوثيقي الذي أسسها، والذي يتحدث عن حلها التلقائي في العام 1988.
ومن بين القرارات التي صدرت عن المحكمة العليا التي أسقطت حقوق عائلة ألتيراك في التملك بالجزائر، واحد بتاريخ 23 مارس 2017 يحمل الرقم 00276/2017، صادر عن الغرفة المدنية، وآخر بالتاريخ ذاته وعن الغرفة ذاتها، يحمل الرقم 00254/2017، وقرار آخر في التاريخ ذاته وصادر عن الغرفة ذاتها، يحمل الرقم 00252/2017، وقرار رابع صادر بالتاريخ ذاته والغرفة ذاتها، يحمل الرقم 00253/2017.
غير أن الغرفة الرابعة، القسم الثالث على مستوى مجلس الدولة، ذهبت عكس اتجاه المحكمة العليا عندما أصدر قرارا يحمل الرقم 2015 / 00610، بتاريخ 31/12/ 2015، يعطي الحق لعائلة ألتيراك، الأمر الذي أربك ضحايا هذه العائلة، الذين ينتظرون من الغرفة الرابعة بمجلس الدولة البت في قضية أخرى تحمل الرقم 129906.
ويقول ضحايا عائلة ألتيراك، في شكوى بحوزة “الشروق”، إن الشركة “لا وجود لها من الناحية القانونية، إلا أن مجلس الدولة أصدر قرارات ضد كل من مديرية أملاك الدولة لولاية الجزائر، ومؤسسة نفطال، المطالبتان بتسديد مبالغ ضخمة في صورة إيجار لصالح “ألتيراك”، دون اعتبار الأمر رقم 68 /160 المتعلق بتأميم أملاك هذه الشركة، وكذا المادة 42 من قانون المالية 2010، التي حسمت نهائيا في أمر ما يوصف بممتلكات الأقدام السوداء”.
ويطالب محررو الشكوى السلطات المخولة بفتح تحقيق في إصدار أحد الموثقين بالحراش، عقدا جديدا للشركة، بناء على تصريحات من ملاك الشركة، التي انتهت برأي أصحاب الشكوى، بعد تأميم ممتلكاتها من جهة، وانتهاء الوجود الفعلي لها منذ سنة 1988، وذلك بناء على العقد التوثيقي المحرر من قبل الموثق بوعمرة من القليعة.
ومعلوم أن قضية ما يعرف بـ”ممتلكات الأقدام السوداء” في الجزائر، أخذت بعدا سياسيا بفعل تواطؤ نظام العصابة، حيث كانت القضية تطرح في كل مرة خلال الزيارات التي قادت عددا من المسؤولين الفرنسيين إلى الجزائر، على غرار زيارة لوران فابيوس، وزير الخارجية في عهد الرئيس الفرنسي السابق، فرانسوا هولاند، الذي أكد في ندوة صحفية رفقة وزير الداخلية الأسبق، دحو ولد قابلية، بالقاعة الشرفية بمطار هواري بومدي، أن ممتلكات الأقدام السوداء تمت مناقشتها خلال تلك الزيارة.
وقد شكلت تلك التصريحات استفزازا للجزائريين، بل قفزا على القانون، لأن الحكومة وبعد أن استفحلت قضية ممتلكات الأقدام السوداء في المحاكم الجزائرية، وتورطت أطراف قضائية في إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق، سنت مادة في قانون المالية 2010، أغلقت بموجبها هذه البؤرة، لكن يبدو أن أطرافا لا تزال تناور من أجل مساعدة بعض العائدين بحثا عن كنوز فقدوها في الجزائر.