أفريقيا برس – الجزائر. نشر معهد ستراتفور الأمريكي المتخصص في تقديم تكهنات جيوسياسية تقريرا عن الجزائر قال فيه إنها خرجت من عزلتها لكن اقتصادها وسياستها الخارجية سيؤثران على التغير.
وجاء في التقرير أن الجزائر تبنت استراتيجية جديدة للتواصل الدولي في وقت تحاول فيه تحديث اقتصادها، مع أنها تواصل اعتمادها على موارد الطاقة الهيدروكربونية ولم تغير مواقفها الثابتة من التنافسات الجيوسياسية بما فيها تعاملها مع إسرائيل وروسيا بشكل سيحد من تحولاتها.
فمنذ بداية عهد عبد المجيد تبون في كانون الأول/ديسمبر 2019 حاول الرئيس إخراج الجزائر من عزلتها في السياسة الخارجية التي تميزت بها خلال العقد الأول من القرن الحالي والعقد الأخير من القرن العشرين.
وفي 2022، قامت وزارة الخارجية الجزائرية بعدد من التحركات بشكل أكدت جهود مشاركة هذا البلد في شمال أفريقيا وبشكل ناشط في الشؤون العالمية والإقليمية. واستضافت الجزائر القمة العربية في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، بعدما عملت على تقوية علاقاتها مع العالم العربي وخلال سلسلة من اللقاءات الثنائية.
وعقدت الجزائر لقاءات مع الجارة تونس التي أدت لتحول تونسي في الموقف من القضية الحساسة وهي الصحراء الغربية، وكذلك استضافت فصائل فلسطينية في محاولة لبناء تفاهم بينها. وفي 2022، عبرت وزارة الخارجية الجزائرية وبشكل مستمر عن رغبة في الانضمام لمجموعة بريكس ( البرازيل، الهند، روسيا وجنوب أفريقيا).
ويرى التقرير أن العزلة الطويلة التي فرضتها الجزائر على نفسها تعود إلى حرب الاستقلال الدامية عن فرنسا، والتي أدت لتشدد مواقف الثورة من الغرب وعدم الثقة به وقربتها إلى حركة عدم الانحياز.
ووصل تبون إلى السلطة بعد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي حكم طويلا وعرف عنه قيادته خروج البلد من الحرب الأهلية الطويلة التي استمرت عشرة أعوام 1990-1999، وهو وضع تطلب التركيز على الداخل وحكم الجزائر عبر اسلوب شمولي ديكتاتوري.
وتشهد الجزائر اليوم قدرا من الاستقرار السياسي وقوة اقتصادية تعطيها مجالا للتحرك في المجالات الدولية والإقليمية. فمن الناحية السياسية ستعيش الجزائر التي لن تشهد انتخابات رئاسية حتى عام 2024 قدرا من الاستقرار السياسي، مما سيمنح الحكومة المجال للتركيز على قضايا السياسة الخارجية.
وتلقى اقتصاد الجزائر دفعة بسبب الموارد العالية من الطاقة في عام 2022، وبات الغاز الطبيعي الجزائري مطلوبا بشدة بسبب تنويع الدول الأوروبية مصادرها من الطاقة والامتناع عن النفط والغاز من روسيا، نظرا لغزو موسكو أوكرانيا.
ويشير التقرير إلى أن ميزانية الجزائر لعام 2023 هي الأكبر التي تقدمها منذ مدة طويلة، مما يعكس الكيفية التي استفادت منها الجزائر التي تعتمد على موارد الطاقة من ارتفاع أسعارها عام 2022.
كل هذا سيمنح الحكومة من تجيير الموارد هذه إلى الشعب على شكل منافع ودعم، ويقلل بالتالي من حدوث احتجاجات بسبب الأوضاع الاقتصادية.
وتبدو الجزائر مستقرة من الناحية السياسية، فالتوازن السياسي الحساس بين الجيش القوي والرئاسة والأوليغارش، الذين يؤثرون من خلف الستار، قائم ولم تظهر إشارات على تصدعه على المستقبل القريب.
وبالنسبة للحراك الذي أسهم في نهاية حكم بوتفليقة فقد تراجع نتيجة كوفيد-19 والقيود على التجمع والقمع الحكومي المتزايد إلى جانب تحسين الدولة أوضاع المعيشة وإن بشكل قليل. ومع ذلك تظل المخاطر قائمة على الحكومة وخططها التقدم للأمام، وحدوث احتجاجات مرتبطة بالحركة، ومع ذلك فهي لا تمثل خطرا قويا، نظرا لتحسن الظروف الاجتماعية- الاقتصادية وزيادة قدرة الحكومة على وقف الاحتجاجات في السنوات الأخيرة. ولو حدثت تظاهرات في 2023، فلن تكون مهمة.
ومن المتوقع استخدام الجزائر الأرباح من الطاقة لرفع موقعها الإقليمي وتخفيف الظروف المعيشية. وعقد الجزائريون محادثات مع تونس وليبيا بشأن تصدير الكهرباء للبلدين وبأسعار مخفضة. وتعاني كل من تونس وليبيا من الحصول على الطاقة الكهربائية، في وقت ترغب فيه الجزائر بتأمين استقرار جارتيها في الشرق ومنع الاضطرابات فيهما من الانتشار إلى داخل أراضيها.
وستواصل الجزائر جهودها في تحقيق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، حماس وفتح والجماعات الأخرى. وكذا العمل على إخراجها من مأزقها وبناء جبهة مضادة للحكومة الإسرائيلية. وهو ما سيحقق التزاما جزائريا رئيسيا لدعم حركة عدم الانحياز، وهي حركة ما بعد الاستقلال، التي رفضت التحالف مع القوى العظمى في الحرب الباردة. إلى جانب مواجهة الحكومة الإسرائيلية في المنطقة وموضعة الجزائر نفسها كصوت قوي مع الوسطاء في منطقة المتوسط مثل مصر وتركيا.
وربما استخدمت الجزائر بعضا من المساعدات الاقتصادية وإقناع الدول الأفريقية الأخرى والإقليمية التي لم توقع بعد على اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل (اتفاقيات إبراهيم) ولأسباب محلية.
وفي عام 2020 مررت الجزائر تعديلا للدستور سمح بنشر قواتها في الخارج، في تغيير للعقيدة العسكرية الجزائرية الملتزمة بالدفاع عن الوطن وحدوده. وسيظل السؤال قائما حول استخدام الجزائر جيشها ونشره في دول المحيط مثل مالي وليبيا مع تصاعد صوتها الدبلوماسي الإقليمي. وهو احتمال يظل ضئيلا في الوقت الحالي إلا أنه ممكن في ظل انتشار الحركات الجهادية في مالي وليبيا اللتين تعتبران تهديدا قويا في توسيع المدى الجهادي للجزائر.
ورغم النظرة قصيرة ومتوسطة المدى حول اقتصاد الجزائر إلا أن النظرة غير الواضحة على المدى البعيد تظل قائمة في وقت ستحاول فيه الجزائر جذب الاستثمارات الخارجية من أجل دعم جهود تحديثه.
وباتت إمكانية توسيع منافع المعاش والتقاعد والرواتب العامة في الجزائر عام 2023 قائمة بسبب زيادة موارد الطاقة التي حصلت عليها الجزائر عام 2022، وهو ما يؤكد استمرار اعتماد البلد على الهيدروكربونات. وهذا يعني أن أي تراجع في الوارادت النفطية سيؤثر على الميزانية.
ولكن التشريع الذي مررته حكومة تبون، يسمح باجتذاب الاستثمارات الأجنبية وفي القطاع الخاص وغير النفطي وأكثر من الماضي. وسواء جاء المستثمرون وقبلوا العروض أمر بانتظار حدوثه. وبناء على قانون الاستثمار الأجنبي عام 2022، فقد شمل على تخفيف قيود الاستثمار وخاصة قانون 49/51 بالمئة من ملكية المصلحة التجارية بالجزائر لصالح الجزائريين وتحديد قدرة المستثمرين الأجانب للحصول على رأس المال والتمويل من خارج النظام البنكي الجزائري. ويحذر التقرير من تعرض الجزائر للمخاطر الأمنية كلما حاولت فيه تحويل سياستها الخارجية.
ومن المحتمل أن تعود الخلافات الإقليمية وبخاصة من منافسها القديم المغرب، في حال حاولت الجزائر تعزيز دعمها لدول الصحراء وشمال أفريقيا. وتواجه الجزائر الخطر الأكبر وبخاصة فيما يتعلق بالصحراء الغربية حيث تدعم دعاة الاستقلال، جبهة البوليساريو. وفي حال نشر الجزائر قواتها في الخارج فإنها ستفتح الباب على نفسها للهجمات من الجماعات الإرهابية المرتبطة بأي محور من هذه المحاور. وربما طلبت الجزائر من تونس الدعم السياسي لمواجهة المغرب في الصحراء الغربية، وحولت تونس من موقفها في نهاية 2022 بعدما تلقت الدعم الاقتصادي من الجزائر.
كما وتظل علاقة الجزائر مع روسيا فرصة وإن قليلة لفرض العقوبات عليها، مما سيحد من شهية المستثمرين الأجانب. وسيظل الاحتمال بعيدا، نظرا لحاجة الغرب للغاز الجزائري مما يعني تقديم الدول الغربية أولوية علاقات جيدة مع الجزائر على خلق مشاكل لها. وكان تعميق علاقات الجزائر مع روسيا واحدا من الأهداف بشكل جعلها أكبر مستورد للسلاح الروسي، حسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلاح.
ومع مواصلة روسيا حربها في أوكرانيا فمن المتوقع تعبير دول مثل أمريكا والاتحاد الأوروبي عن القلق من بلد ينفق كثيرا على السلاح الروسي. إلا ان الحاجة للغاز الطبيعي تعني الحفاظ بعلاقات إيجابية وبراغماتية مع الجزائر. وبحسب الصحف الجزائرية عام 2022، تخطط الحكومة لزيادة شرائها السلاح الروسي هذا العام، بما في ذلك مقاتلات وأنظمة دفاع صاروخية.
وتداعت الأصوات في الفترة الأخيرة بكل من أمريكا والاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات على الجزائر بسبب علاقتها العسكرية مع روسيا، ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2022 دعت مجموعة برلمانية رئيسة المفوضية الأوروبية أورسلا فوندر لين للرد على اعتماد الجزائر المتزايد على السلاح الروسي. وأرسلت في الوقت نفسه مجموعة مكونة من 27 عضوا في الكونغرس رسالة للبيت الأبيض دعت فيها إدارة بايدن فرض عقوبات على الجزائر وبناء على قانون مواجنة أعداء أمريكا من خلال العقوبات.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس