شخصيات وازنة تدفع لعودة الاتصال بين تبون وماكرون

شخصيات وازنة تدفع لعودة الاتصال بين تبون وماكرون
شخصيات وازنة تدفع لعودة الاتصال بين تبون وماكرون

أفريقيا برس – الجزائر. تعيش العلاقات الجزائرية الفرنسية منذ أكثر من سنة حالة من التوتر السياسي والتباعد الدبلوماسي، تغذيها مواقف مرتبطة بقضايا الذاكرة والهجرة والملفات الإقليمية. ومع ذلك، تبرز في فرنسا أصوات سياسية ومجتمعية وازنة ترفض الخطاب التحريضي المتصاعد لدى اليمين المتطرف وتدعو إلى استعادة قنوات الحوار بين الرئيسين عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون.

وفي هذا السياق، سجلت تصريحات برونو فوكس، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية الفرنسية والناطق باسم حزب “مودام”، موقفا واضحا ضد مبادرة حزب التجمع الوطني (اليمين المتطرف) الرامية إلى تقديم لائحة لإلغاء اتفاق الهجرة المبرم بين الجزائر وفرنسا عام 1968.

وقد اعتبر فوكس أن الخطوة “استفزاز غير ضروري وضار”، موضحا أن الاتفاقات الثنائية لا يمكن تعديلها أو إلغاؤها من طرف واحد، بل يفترض أن تتم مراجعتها عبر التشاور المتبادل. وأكد أن الخطوة تقع ضمن لعبة سياسية داخلية لا تراعي حساسية العلاقات الثنائية ولا تراكمها التاريخي.

ورغم انتمائه إلى المعسكر الرئاسي، رفض فوكس الأطروحة التي قدمها نائبان من حزب الرئيس إيمانويل ماكرون بشأن التقديرات التي تتحدث عن “تكلفة” اتفاق 1968 والمقدرة بنحو ملياري يورو سنويا، واصفا تلك التقديرات بأنها “مجرد كلام فارغ”.

وأوضح أن التقرير نفسه يشير إلى استحالة تحديد رقم دقيق، كما أنه يتجاهل الفوائد الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي يجنيها البلدان من هذا الإطار القانوني المنظم لحركة الأشخاص. وشدد على أن العلاقات الفرنسية الجزائرية أعمق من سجالات ظرفية وأنها تقوم على تاريخ طويل ومجتمعين مرتبطين بثقافة مشتركة ومصالح مترابطة.

وفي تقييمه للأزمة الدبلوماسية الحالية، أكد فوكس أن إنهاء التوتر مسؤولية الرئيسين تبون وماكرون في المقام الأول، داعيا إلى فتح حوار مباشر يعيد الثقة ويضع أسسا عملية جديدة للتعاون. كما أشار إلى إمكانية حدوث لقاء بين الرئيسين على هامش قمة مجموعة العشرين المقبلة في جنوب إفريقيا، معتبرا أن ذلك يمكن أن يشكل فرصة لإعادة بعث مسار التهدئة إذا استند إلى رؤية واضحة وخطاب مسؤول.

بالتوازي مع هذه المواقف، عادت شخصيات سياسية فرنسية بارزة إلى الساحة لنقد الخطاب اليميني المتطرف تجاه الجزائر. فقد وصف رئيس الوزراء الأسبق دومينيك دو فيلبان القرار الذي تبناه البرلمان بشأن مقترح اليمين المتطرف لإلغاء اتفاق 1968 بأنه خطوة تتسم بـ”قسوة غير مسبوقة”.

وأوضح أن ما جرى يعرقل بوادر الانفراج التي بدأت تتضح من خلال بعض الإشارات الدبلوماسية، من بينها مشاركة السفير الفرنسي في ذكرى جرائم أكتوبر 1961 في باريس وتبادل الرسائل بين وزيري الداخلية في البلدين.

وشدد دو فيلبان على أن الحوار مع الجزائر ضروري لتجنب “دراما إنسانية” تمس عائلات وجامعيين وطلبة يعيشون بين البلدين، إضافة إلى أهمية التعاون في الساحل الذي يشهد وضعا أمنيا حساسا، مذكرا بأن “العلاقة مع الجزائر ليست تفصيلة سياسية بل مسألة جيوسياسية بامتياز”، مع الدعوة إلى استعادة القنوات الدبلوماسية الفاعلة.

بدورها انتقدت سيغولان رويال، المرشحة السابقة للرئاسيات، الدوافع التي يستند إليها اليمين المتطرف في حملة استهداف اتفاق 1968، وقالت إن الذين يتحدثون عن “تكلفة” الاتفاق يخفون حقائق تتعلق بما يجلبه عمل الجزائريين في فرنسا من قيمة مضافة للاقتصاد الفرنسي. وأضافت أن دعاة “الجزائر الفرنسية” يتجاهلون أن هذا الخيار التاريخي، لو استمر، كان سيجعل الجزائريين في وضع مساواة تامة في الحقوق داخل فرنسا، ما يسقط حججهم الحالية القائمة على التمييز والهويّة.

في سياق آخر لا يخلو من محاولات التقارب مع الجزائر، حاول وزير الداخلية الفرنسي الجديد لوران نونيز اعتماد خطاب يقطع مع عهد سلفه سيئ الذكر في الجزائر برونو روتايو، فقد كشف عن تلقيه دعوة رسمية من نظيره الجزائري لزيارة الجزائر، مشيرا إلى أن التعاون الأمني والعملياتي شهد تراجعا ملحوظا خلال الأشهر الماضية وأن استئناف هذا التعاون أمر ضروري بالنظر إلى طبيعة الملفات المشتركة، وأعرب عن أسفه للتصويت الذي جرى في الجمعية الوطنية حول لائحة إلغاء اتفاق 1968، مؤكدا أن مثل هذه الخطوات تعكس سجالات سياسية داخلية لا تصنع سياسة خارجية ناجعة.

لكن في مقابل هذه الأصوات، لا يزال خطاب اليمين المتطرف يسعى إلى التصعيد. فقد هاجم إريك زمور، زعيم حزب “استرداد” وأكثر الوجوه بذاءة في المشهد السياسي الفرنسي، وزير الداخلية الجديد، معتبرا أن تصريحاته تدل على أنه “سيخضع للجزائريين”، وفق تعبيره.

ودعا زمور إلى “قطع كل التأشيرات” و”منع العلاج” عن مسؤولين جزائريين في فرنسا، واعتبار الجزائر “بلدا عدوا”، بينما اعتبر نائب رئيس حزب التجمع الوطني، سيباستيان شونو، أن اتفاق 1968 يجب أن يستعمل كـ”ذراع ضغط” في مواجهة الجزائر.

ويكشف هذا التباين في المواقف خطا فاصلا داخل الساحة السياسية الفرنسية، يحد بين تيار يسعى لاستغلال العلاقة مع الجزائر في خطاب هوياتي وانتخابي وآخر يدرك ثقل العلاقة وتشابكها وضرورة إدارتها بعقلانية. وفي المقابل، يظهر أن ملفات الهجرة والذاكرة والتعاون الأمني ليست مجرد نقاط خلاف، بل هي مفاتيح لإعادة بناء الثقة إذا ما توفرت الإرادة السياسية.

المصدر: صحيفة الخبر

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here