على عهد نوفمبر باقون

25
على عهد نوفمبر باقون
على عهد نوفمبر باقون

افريقيا برسالجزائر. عاشت الجزائر الأحد، حدثا هاما في مشوارها السياسي الديمقراطي، حيث وجهت إلى الشعب دعوات للتصويت في الاستفتاء على مشروع تعديل الدستور، فبين منتخب ومقاطع مر الفاتح نوفمبر الموافق لاندلاع الثورة التحريرية الكبرى، بردا وسلاما على الجزائر وسط إجراءات أمنية مشددة شاركت فيها جميع قوات الأمن المشتركة والأسلاك النظامية، ففي الوقت الذي اتجه فيه عدد كبير من المواطنين صوب مراكز ومكاتب الاقتراع، ليدلوا بأصواتهم، فضل آخرون المقاطعة بطريقة أضافت إلى الجزائر صورة جديدة من صور الديمقراطية .

من الأحياء الراقية بسيدي يحيى في حيدرة إلى أرقى أحياء المرادية واسطاوالي والقبة وسيدي فرج، إلى الأحياء الشعبية في باب الوادي وساحة الشهداء وباش جراح والحراش، يلتقي الجزائريون عند كلمة واحدة وموحدة وهي “مصلحة الجزائر فوق كل اعتبار”، وهي العبارة التي سمعناها طيلة تنقلنا بين مختلف ومكاتب مراكز الاقتراع، أين تحول فيها المواطنون إلى أستاذة في العلوم السياسية وإلى محللين، فالكل يفتي في مضمون الدستور، بل إن العديد منهم أصبحوا ينتقدون بعض مواده.

الساعة كانت تشير إلى الثامنة و20 دقيقة عندما، انطلقنا في جولتنا نحو عدد من أحياء العاصمة لتغطية “الحدث الهام”، حيث سجلنا شوارع خالية على عروشها، اللهم إلا بعض السيارات والمارة، مما جعلنا نتخيل أن مكاتب ومراكز الاقتراع تكون على نفس الشاكلة خالية هي أيضا، خاصة أن الطريق الرابط بين القبة، حسين داي ووسط الجزائر، كان يوحي بذلك لقلة الحركة، إلا أن ذلك بدأ يتلاشى رويدا رويدا، عندما بدأنا نلج إلى شارع أعرق الأحياء في عاصمة البلاد وهو حي باب الوادي، أين لاحظنا جموعا غفيرة من المواطنين يتسوقون، وآخرون يبيعون ويشترون، شبابا وشيوخا، نساء وأطفالا يصولون ويجولون، كأن الأمر لا يعنيهم تماما وهو ما تبين بعد ذلك من خلال دردشتنا مع أحدهم قائلا “على واش نفوطي… أنا ضائع لا سكن.. لا خدمة.. لا زواج”.

أما رشيد وهو شاب في الأربعينات من عمره التقينا به بمدخل السوق الشعبي لحي باب الوادي، فقد حسم أمره ولن يتوجه إلى مكتب الاقتراع وليست هذه المرة الأولى التي يمتنع فيها عن التصويت بل هو لم يصوت أبدا في حياته، يقول هذا المواطن الذي أخفى المعاناة التي تظهر على وجهه بنظارات سوداء لـ”الشروق”، “مستحيل أن أصوت، لا أستطيع أن أضيع ولو خمس دقائق من حياتي من أجل التصويت، وأنا حقي في هذه “البلاد ضاع”.. وحتى “الطابلة لي نسترزق بها ..جي لا بوليس يقومون برميها.. أين هو حقي”.

من جهته، فإن محمد الذي تجاوز عمره الـ50 سنة، أب لثلاثة أولاد، هو أيضا يريد التغيير نحو الأفضل، لكنه رفض التصويت، قائلا “20 سنة من حكم عبد العزيز بوتفليقة ولم يتغير شيء في حياتي، لا أملك عملا ولا منزلا وما زلت أعيش في منزل والدي في القصبة، لقد أودعت عدة ملفات من أجل الاستفادة من مسكن، لكن لا حياة لمن تنادي.. فأنا فقدت الأمل في حياة سعيدة”، وأضاف بنوع من الخجل: “لا أستطيع حتى أن أعالج زوجتي. كل زيارة إلى طبيب النساء تكلفني 2500 دينار”.

وصلنا إلى أول مركز اقتراع وهو “كمال أبركان” بحي باب الواد المخصص للرجال فقط، أين سجلنا توافدا للمواطنين للإدلاء بأصواتهم، خاصة الشيوخ والمسنين الذين عزموا على “الانتخاب” وفاء لتضحيات الشهداء ولسان عمي عبد الله الذي تجاوز 78 سنة وهو مجاهد يقول لـ”الشروق”، “نحن على العهد باقون”، رغم أنه لم يطلع أو بالأحرى لا يعرف ما يتضمنه مشروع الدستور الجديد، إلا أنه أصر على وضع ورقة “نعم” في الصندوق وهو يؤكد أنه يضع الثقة الكاملة في “الرئيس تبون”، قائلا “أنا “نفوتي” و”بلادنا خير من البلدان” و”ربي يشفي تبون ويرجع لينا”.

وإلى ذلك رفع عمي حسين سعدي المجاهد الذي التقيناه في مركز الاقتراع “بورمودي”، يديه إلى السماء وهو يردد وعيناه مغرورقتان بالدموع “اللهم اشف الرئيس تبون وأرجعه إلى الجزائر سالما غانما”، وأضاف “لم أطلع على الدستور ولكنني أصوت لأنني أثق في تبون… ربي يشفيه ويشفي كل المرضى”، وعاد بنا إلى ذكريات نضاله وكفاحه ضد المستعمر الغاشم، قائلا “في مثل هذا اليوم من 54 رفعنا السلاح ضد المستعمر الفرنسي واليوم نرفع الورقة للتصدي لأعداء الجزائر”.

ونفس الشيء سجلناه بالنسبة لمركز الاقتراع “متوسطة سمية” المخصص للنساء فقط، أين أجمع العديد منهن على أن “الانتخاب واجب وطني” لا نقاش فيه، في حين شددت المجاهدة خالتي جميلة لـ”الشروق”، على ضرورة قطع الطريق على المتربصين وأعداء الجزائر، من خلال الرد عليهم بالتصويت وبقوة وعلى هذا الأساس قدمت اليوم إلى مكتب الاقتراع للإدلاء بصوتها، فيما أكدت فوزية وهي ابنة شهيد أن اليوم هو بمثابة عيد الاستقلال وقالت “ربي ينصر بلادنا ويعلي علامنا ويوحد أولادنا..”.

وإلى ذلك، فإن المشاركة بدت ضعيفة في الساعات الأولى بعد فتح بقية المراكز كما في تكميلية باستور بوسط العاصمة أو مدرسة محمد زكال في حي بلكور أو ومدرسة محمد مادة بساحة أول ماي.

وما لفت انتباهنا خلال تجولنا طيلة نهار الانتخاب بشوارع الجزائر وبين مراكز الانتخاب، فمن باب الوادي، وساحة الشهداء، إلى شارع باستور بالجزائر وسط، مرورا بساحة أول ماي وبلوزداد وحسين داي وصولا إلى الحراش وباش جراح وغيرها من أحياء العاصمة، هو تقسيم فترات الانتخاب حسب الفئات العمرية للناخبين، حيث كان الشيوخ والمسنون هم أول من افتتح عملية الاقتراع، حيث توافد المسنون ومعظمهم من الرجال على صناديق الاقتراع، وفضلوا عدم التأخر عن الانتخاب، وبعدها التفرغ للواجبات اليومية كالتسوق، أما ربات البيوت والشابات فيفضلن فترة ما بعد الظهر بعد الانتهاء من الواجبات المنزلية وإعداد وجبة الغداء، من أجل الخروج لأداء الانتخاب، فيما يختار الشباب الفترة المسائية أو ساعات قليلة قبل غلق مراكز ومكاتب الاقتراع بشكل جماعي وفردي، للإدلاء بصوتهم.

“جئت لأدلي بصوتي من أجل بلادي أولا، وثانيا لأن الانتخاب حق وواجب”، هي القناعة التي اتفق حولها العديد من الشباب الذين صوتوا في بلدية باش جراح بالجزائر العاصمة، وحملت في مضمونها معاني عميقة ودلائل قوية أكدت مدى وعي الشباب الجزائري وغيرته على هذا الوطن والذي يستحق الأفضل، حيث صنع شباب هذا الحي الشعبي الحدث، عندما تقدم عدد من الناخبين أغلبهم من الشباب، للإدلاء بأصواتهم في أكبر مكتب انتخاب في البلدية، حيث طلب الشباب الذين التقينا بهم من رئيس الجمهورية الجديد، تسوية وضعيتهم تجاه الخدمة الوطنية مع تخفيض مدتها إلى 6 أشهر، إلا أن البعض منهم اختار أن ينتخب من أجل أن يظفر بسكن محترم وهي حالة المدعو “مصطفى” الذي قال لـ”الشروق” “أنا نفوطي.. لربما يقولوا جيب الكارطة تع الفوط باش نمدولك سكنى”، يقول هذه العبارات وهو كله أمل بالظفر بسكن يليق بأسرته وقد تجاوز الخمسين من العمر ويقطن في غرفة واحدة مع والديه وزوجته وابنيه”.

وفي بلدية القبة فضل العديد من المواطنين التوجه إلى صناديق الاقتراع، للإدلاء بصوتهم وبالتالي المساهمة في بناء جمهورية جديدة، وتفويت الفرصة على المتربصين باستقرار وأمن الوطن، حيث عبر أحدهم قائلا “جئت لأدلي بصوتي من أجل بلادي أولا، وثانيا لأن الانتخاب حق”.

أما الأحياء الجديدة أو ما أطلق عليها “الأحياء الخضراء”، فقد كانت لـ”الشروق”، جولة خفيفة لها والمفاجأة التي وقفنا عليها هو توافد كبير لمواطني هذه الأحياء على غرار مركز 2160 مسكن بسيدي أمحمد ببئر توتة الذي عرف إقبالا كبيرا للرجال والنساء والشيوخ والذين أدلوا بأصواتهم في الساعات مبكرة، مؤكدين أن الدولة حققت حلمهم المتمثل في منحهم سقفا يأويهم في إطار برنامج إعادة الإسكان، مرددين “نحن نثق في الدولة وفي دستور تبون”، وهي نفس الأجواء التي سجلناه في كل من مركز فروخي أحمد وسي لخضر بسيدي أمحمد، أين أجمع المواطنون هناك على ضرورة تأدية الواجب الوطني وتبرئة الذمة، لأن المقاطعة لا تأتي بأي نتيجة بل بالعكس ستعقد الأمور أكثر فأكثر.

ولأن الجزائر بلد الجميع، فضلنا أن نقيس مدى اهتمام سكان الأحياء الراقية بهذا الحدث، ولم ننتظر طويلا، حتى تجلت لنا الحقيقة كاملة، حيث كانت وجهتنا في حدود الساعة العاشرة والنصف منطقة بوشاوي غرب العاصمة، أين سينتخب رئيس الدولة والوزير الأول وعدد من وزرائه وكذا إطارات الدولة وشخصيات معروفة، إلى جانب المترشحين للرئاسيات، وفي طريقنا إلى هناك سجلنا إجراءات أمنية مشددة، إلا أن مركز أحمد عروة عرف إنزالا أمنيا استثنائيا لقوات الأمن، وكذا الشرطة والدرك بمختلف تشكيلاتهما من فرق البحث والتحري وعناصر المفرزة الخاصة للدرك الوطني، فضلا عن أعوان وإطارات الأمن المنتشرة في عين المكان بالزي المدني وهذا لقربها من إقامة الدولة “نادي الصنوبر”.

وكان أول من أدى الواجب الانتخابي في مركز “أحمد عروة” هي حرم رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون التي أدلت بصوت زوجها الغائب عن استفتاء أمس، بسبب مرضه، بالوكالة، وبعد أقل من 5 دقائق خرجت من المكتب وهي محاطة بحراسة أمنية مشددة، ولم تصرح ولو بكلمة، كما أدلى وزير الخارجية صبري بوقادوم بصوته الانتخابي وهو عازم حسب ما أكده خروج الدولة الجزائرية من الأزمة الحالية، وقاطعا كل السبل والطرق أمام المتربصين بهذا الوطن، وقال في تصريح لوسائل الإعلام “الدستور الجديد يعتبر انطلاقة جديدة”، موضحا العالم يشهد تحديات كبيرة، والتعديل الدستوري جاء للتصدي لأي مكروه يمكن أن يلحق بالجزائر”.

كما أدى العداء العالمي وكاتب الدولة السابق للرياضة النخبة، نور الدين مرسلي واجبه الانتخابي من خلال الإدلاء بصوته في مشروع تعديل الدستور بنفس المركز “أحمد عروة” ببوشاوي، وعلى الهامش صرح للصحافة أنه أدى واجبه كجزائري، قائلا “أتمنى أن نتحد جميعا لما فيه صلاح لبلدنا الجزائر وأغتنم هذه الفرصة لأعبر عن تمنياتي بالشفاء العاجل لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون”.

ومن جهته، فإن السعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي بدوره أدى واجبه الانتخابي حول استفتاء تعديل الدستور، في ابتدائية واد قريش بالجزائر العاصمة، التي عرفت إنزالا أمنيا كبيرا بالزي المدني والرسمي.

أعلنت السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات أمس الأحد، أنه بإمكان الناخبين ممارسة حقهم الانتخابي ببطاقة الهوية الوطنية أو رخصة السياقة أو جواز السفر. وأوضح بيان السلطة، أمس الأحد، أنه تم إلغاء بطاقة الناخب ويمكن تعويضها ببطاقة الهوية الوطنية أو رخصة السياقة أو جواز السفر، عبر مكاتب التصويت، مرفقة ببطاقة الناخب إن توفرت.

وأضاف المصدر ذاته، أنه بغية التعرف على مراكز ومكتب التصويت المسجل به، يمكن للناخب التحقق من تسجيل اسمه في القائمة الانتخابية الخاصة ببلديته من خلال الولوج إلى المنصة الإلكترونية للسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات “أين ينتخب”.

شهدت مكاتب التصويت بولاية بومرداس نهار أمس الأحد، إقبالا متباينا للناخبين، بين الفترتين، الصباحية والمسائية، حيث بدأت جموع الناخبين تتزايد بشكل ملحوظ في غالبية المكاتب في فترة ما بعد الظهيرة، حسبما لوحظ في العديد منها عبر بلديات الولاية بومرداس، وبالأخص الغربية منها التي عرفت نسبة مشاركة قوية لاسيما في الوسط النسوي. وبعاصمة الولاية، شهدت مختلف مراكز الاقتراع إقبالا متفاوتا من قبل الناخبين، حيث عرفت غالبية مكاتب التصويت منحى تصاعديا في الإقبال، على غرار مكاتب التصويت الشهيد بن سعيد سعدو والشهيد محمد كرشو وعلي حمدان وفرانتز فانون.

كما عرفت مكاتب تصويت أخرى على غرار مدرسة غزالي مسعود ببلدية بودواو البحري، ومدرسة ولد العمري ببلدية قورصو، وكذا بعض المكاتب ببلديات أخرى، مشاركة مقبولة للناخبين خلال الفترة المسائية مقارنة بالفترة الصباحية. وبلغت نسبة المشاركة بولاية بومرداس في حدود الساعة 11 صباحا 3.39 بالمائة بمجموع 17794 ناخب، فيما ارتفعت نسبة المشاركة بعد الظهيرة وفي حدود الساعة الثانية بعد الزوال، إلى 8.07 بالمائة بمجموع 42358 ناخب، من أصل 524718 مسجل.

والجدير بالذكر في هذا السياق أن عددا من مراكز التصويت في كل من الناصرية، شعبة العامر، تيمزريت واعفير، تم غلقها صباحا في أعقاب أحداث شغب، وقعت في هذه البلديات، فيما أعيد افتتاحها بعد ذلك بالموازاة مع حالة الهدوء وعودة المياه إلى مجاريها. وعقب الإدلاء بصوته في مركز الاقتراع بمدرسة ولد العمري بقورصو، عبر السيد حميد الحر، من مواليد بلدية قدارة بوزقزة (74 سنة)، عن أمله في أن يكون هذا الاستحقاق “بداية مسار في بناء جزائر جديدة كما حلم بها الشهداء”، واعتبرت السيدة “زينب . ن” وهي أكبر مسنة من بودواو أدت واجبها الانتخابي بمركز التصويت، بمدرسة موكور، أن مشاركتها في هذا الاستحقاق تعد “أكثر من واجب بحكم الوضع الذي تعيشه البلاد”، داعية إلى مشاركة قوية للشعب لاسيما الشباب لضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة”، كما اعتبرت أن هذه الانتخابات “وسيلة لتلبية مطالب غالبية الشعب الجزائري، بل وهي المخرج الأمن للأزمة السياسية التي تعيشها البلاد بهدف تقوية الجبهة الداخلية وتحسين ظروف كافة أبناء الجزائر”.

فضّل، الأحد، كبار السن بولاية سطيف التبكير في التوافد على مراكز الانتخاب، في خطوة توحي باهتمامهم الكبير بمثل هذه المواعيد التي تعني بداية مرحلة جديدة.

عمي عيسى، شيخ اقترب من الثمانين من العمر شاهدناه أمس، وهو قادم بخطى متثاقلة نحو مركز الانتخاب احمد سالم بوزناد بحي 300 مسكن بسطيف، والغريب أنه وصل إلى المركز في حدود الساعة السابعة والنصف، حيث يقول إنه صلى الفجر في المنزل ولم يعد إلى الفراش بل فضل أن يهيئ نفسه لهذا الموعد الانتخابي، فلبس أجود ما يملك لأن الموعد عنده يشبه يوم العيد. وكان من الأوائل الذين خرجوا من ديارهم، مع العلم أنه حضر بطاقة الانتخاب منذ أسبوع، حيث استخرجها من الخزانة ووضعها في جيبه رفقة بطاقة التعريف. وبمجرد أن وصل إلى المركز لم يجد إلا الشرطي الذي أخبره بأن المركز لن يفتح قبل الثامنة ما جعله ينزوي عند المدخل بكل اهتمام.

وبمجرد أن فتح الباب كان أول من دخل المركز فاستقبل بالمعقم وكمامة مهداة من موظفة تجلس أمام طاولة بفناء المدرسة. حاول المؤطر توجيهه فوجده مُلما بكل شيء، إنه يعرف المكتب الذي اعتاد على التصويت فيه، ورغم أنه في الطابق العلوي، إلا أن الشيخ لم يبد أي ضجر بل تدرج السلم بحماس بعدما تلقى المساعدة من طرف أحد المؤطرين، وبكل ثقة أدلى بصوته. وعند الخروج من المكتب صرح لنا بأنه لم يتأخر عن أي موعد انتخابي، “وهذه الانتخابات لها أهمية كبيرة في حياتي لأنها قد تكون الأخيرة بالنسبة إلي بالنظر لحالتي الصحية لكنني جد متفائل بأن هناك مستقبلا زاهرا ينتظر بلادنا فلا ينبغي أن نتأخر عن أداء الواجب تجاه هذا البلد الذي كافحنا من أجله في الصغر وحفظنا في الكبر، إن شاء الله، -يواصل عمي عيسى- بلادنا دوما بخير وأتمنى الشفاء العاجل لرئيسنا عبد المجيد تبون وأن يواصل مهامه على أحسن ما يرام، وأتمنى كل الخير لشبابنا وعليهم أن يعلموا أن مستقبل البلاد بأيديهم أما نحن الكبار فكل آت مرحب به”، يقول عمي عيسى.

ودعنا عمي عيسى لكن لاحظنا أن أغلبية المبكرين من فئة كبار السن، هؤلاء الذين توافدوا منذ الدقائق الأولى بل أغلبيتهم وصلوا قبل فتح المركز في صورة تعكس إيمانهم بأهمية الموعد، وفي نظرهم هي قضية مصرية لا يمكنهم أن يـتأخروا عنها ولا يمكن لأي شخص أن يقنعهم بعكس ذلك. وفيهم من يرى في التبكير بركة واستعجالا للتغيير، والعملية الانتخابية تعني مرحلة جديدة تزدهر فيها البلاد. وحتى إن كانوا من الفقراء والمعوزين ووضعيتهم المعيشية في أسوأ حال فتجد الواحد منهم يعيش في منزل بسيط يعول جيشا من الأولاد والأحفاد ولا يكاد يضمن قوت يومه ولا يعرف من الكماليات إلا قميصه وعصاه التي يتوكأ عليها ورغم ذلك لا يتأخر عن موعد التصويت، وهي استجابة فيها مزيج من الانضباط والاحترام للثورة والشهداء وللدولة أيضا، والانتخاب عنده عملية مقدسة بل عقيدة نابعة من حب الوطن والتخلي عنها يشبه التولي يوم الزحف، ولأجل ذلك تجد الكبار يفضلون التبكير ويستبشرون دوما بالخير.

شهدت، نهار الأحد، بعض البلديات الشرقية لولاية البويرة على غرار مشدالة وحيزر وبشلول، بعض أعمال التخريب التي مست مراكز انتخاب. مع عزوف عن الإقبال عليها، فيما شهدت باقي بلديات الولاية مشاركة عادية وهدوءا تاما. وكان الإقبال على مراكز الاقتراع منذ الصباح الباكر متواضعا بمختلف البلديات، حيث وصلت نسبة المشاركة 4 % فقط عند الساعة الحادية عشرة غير أن الهدوء والتنظيم المحكم هو ما ميز تلك المراكز لاسيما فيما يخص احترام البروتوكول الصحي، وهو الوضع الذي كان معاكسا بالنسبة لبعض البلديات والمناطق الأخرى كحيزر وتاغزوت وتاقربوست وأهل القصر، حيث داهم بعض الشباب مراكز انتخابية وقاموا بتكسير الصناديق ورمي أوراق التصويت خارجا، وقد عرفت تلك المراكز إغلاقا كليا في الصبيحة نظرا للوضع الذي كان سائدا في تلك الفترة، وهو ما قد يفسر نسبة المشاركة الضئيلة بها، فيما كان التواجد الأمني حاضرا قصد التعامل مع الأحداث، ومحاولة إعادة فتح المراكز المغلقة رغم المناوشات التي كانت حاصلة مع بعض الشباب.

اضطرت الأحد السلطات المعنية إلى غلق مكاتب الاقتراع في البلديات الأربع التي افتتحت فيها من أصل 67 بلدية بالولاية، وذلك بعد المواجهات العنيفة بين شباب المدينة ومصالح الأمن، حيث تم تخريب بعض المكاتب لتغلق المفتوحة منها تفاديا لانزلاق الأوضاع حسب ما أكده رئيس السلطة المستقلة للانتخابات بتيزي وزو.

لم تمر عملية الاقتراع على التعديل الدستوري المجرى يوم أمس في هدوء بولاية تيزي وزو، حيث انطلقت المناوشات منذ صبيحة السبت واستمرت ليلا بأحياء المدينة العليا، ومدن أخرى على غرار ذراع بن خدة، رجاونة، حيث دخل عدد من الشباب في مواجهات مع مصالح مكافحة الشغب، حيث عرفت مدينة تيزي وزو تطويقا أمنيا كثيفا رافقه غلق اغلب المحلات التجارية، الاحتقان استمر يوم أمس بعدة مناطق عبر الولاية، ما تطلب إلغاء العملية الانتخابية عبر 63 بلدية وفتحت مكاتب الاقتراع في 4 بلديات منها تيزي وزو عاصمة الولاية، اقني قغران، بني زمنزر، ذراع الميزان، حيث بلغ عدد المكاتب المفتوحة في البلديات الأربع 42 مكتبا، 28 منها بدائرة تيزي وزو، قبل أن يتم غلقها في حدود الحادية عشرة صباحا في البلديات الأخرى عدا مدينة تيزي وزو، وذلك تفاديا لانزلاق الأوضاع وبعد حدوث مواجهات بين قوات الدرك الوطني وشباب بدائرة بوغني جنوب الولاية.

كما أغلقت 6 مكاتب في قرى بلدية تيزي وزو، ووصف الإقبال على المكاتب المفتوحة بالمحتشم، حيث كانت المقاطعة الانتخابية في الموعد. أعلن مكتب السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات عن اختتام عملية التصويت على مشروع تعديل الدستور بولاية بجاية على الساعة منتصف النهار إلا ربع، بنسبة مشاركة قدرها 0.28 بالمائة. وقد تم يوم الاقتراع فتح مكتب واحد على مستوى كامل إقليم الولاية وذلك على مستوى بلدية بوخليفة، فيما لم تتمكن باقي المكاتب من فتح أبوابها، جراء أعمال التخريب التي أتت على صناديق الاقتراع عشية يوم التصويت، فيما وصل ببعض البلديات إلى حد حرق سجلات وبطاقات الناحبين. وقد تم تسجيل إلى غاية الساعة الحادية عشرة، انتخاب 1610 منتخب من أصل 566 ألف و282 مسجل أي بنسبة مشاركة قدرها 0.28 بالمائة وذلك قبل أن يتم الإعلان عن انتهاء الاستفتاء على مشروع تعديل الدستور بهذه الولاية قبل الأوان. وقد تفادت المصالح الأمنية الاحتكاك مع المتظاهرين تفاديا لانحراف الوضع جراء حالة الغليان التي شهدتها الولاية في اليومين الأخيرين.

تميّز الفاتح من نوفمبر، بخروج الكثير من النساء، خاصة المتقدمات في السن وبعضهن لم تطأ أقدامهن الشارع منذ منتصف شهر مارس الماضي بعد انتشار وباء كورونا، وكن مصطحبات من طرف الأبناء والأحفاد في أجواء لا تختلف عن العيد، خاصة أن الكثير من النساء الطاعنات في السن والتي قاربن وتجاوزن قرنا من العمر، لا تفرطن في الاقتراع مهما كانت الأسباب، فما بالك أن يعني الدستور الجديد الذي سيكون فأل سعادة لأبنائهن وأحفادهن وأيضا الجو الربيعي الذي بلغت فيه درجة الحرارة نهار أمس في يوم الاقتراع، العشرين وأكثر في غالبية ولايات الوطن.

وكانت الظروف الوبائية قد حرمت الكثير من العجائز من الخروج بعد أن شهد العيدان الماضيان الفطر والأضحى أجواء الحجر، كما أغلقت المساجد التي كن يتوجهن إليها أبوابها، خلال صلاة الجمعة وخاصة صلاة التراويح وصلاة العيدين، وهو ما حرمهن من الخروج إلى الشارع لتفادي الوباء، وأيضا في غياب الدافع للخروج بعد أن قررت الكثير من العائلات تأجيل الولائم والأعراس أو إقامتهن بحضور مختصر للمدعوين والمدعوات، ومنع العجائز من حضور الجنائز كما كانت عليه العادة.

ففي قسنطينة خرجت الحاجة يونسي لويزة البالغة من العمر قرنا وسنتين لأداء واجبها الانتخابي وبالرغم من أن عائلتها غيرت مسكنها من وسط مدينة قسنطينة إلى المدينة الجديدة علي منجلي، إلا أن الحاجة لويزة أصرت على التوجه إلى مركز الاقتراع لأداء واجبها فتم حملها من طرف حفيدين لها وخرجت سعيدة بالمشهد وبأجواء الاقتراع التي تعيشها منذ الاستقلال بنفس الحماس وهي التي لم تر الشارع منذ شهر مارس الماضي، وحتى الطبيب توقفت عن زيارته منذ أن ظهرت كورونا، أما في ولاية قالمة فمازالت المعمّرة سلمى خديجة تصنع الحدث في كل اقتراع في قرية قصر العازب ببلدية عين رقادة بولاية قالمة، الحاجة من مواليد 1888 أي أن سنها قرن و32 سنة حسب بطاقة تعريفها، وقال أبناؤها الذين قاربوا القرن وأحفادها بأن الحاجة خديجة بإمكانها أن تفرط في أي شيء إلا في أداء واجبها الانتخابي مادامت قادرة على رفع يدها ووضع ورقة التصويت في الصندوق، وكل مسنة كانت مرفقة ببناتها وحفيداتها وحتى ببنات الحفيدات في أجواء عيد، بعد أن أفسدت كورونا أجواء العيدين السابقين الفطر والأضحى.

شهدت العديد من مراكز الاقتراع بولاية ميلة، المقدر عددها بـ 377 مركز بهيئة ناخبة تتجاوز النصف مليون ناخب، خروج المئات من الناخبين، وخاصة الذين يعانون من أمراض مزمنة، وإعاقات حركية رفقة أبنائهم، وهم يكابدون عناء ومشقة الوصول إلى مكاتب التصويت للإدلاء بأصواتهم، ورغم أن هذه الفئة من الأشخاص تعتبر الأكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا، إلا أن ذلك لم يمنعهم من أداء واجبهم الانتخابي.

وقد لاحظت “الشروق” منذ الصباح الباكر، أبناء رافقوا آباءهم سواء على كراسي متحركة أو يستعينون بعكازات طبية وعصي، وهم يسارعون للإدلاء بأصواتهم من نساء وشيوخ وعجائز ، حيث اقتربت “الشروق” من احد المسنين المدعو عمي الطيب في العقد التاسع من العمر وسألته لماذا لم يكلف احد أبنائه للتصويت مكانه، خاصة مع تفشي وباء كوفيد 19 فقال “أنا منذ عشرات السنين وأنا انتخب لوحدي واختار ما أراه مناسبا للبلاد ولو لم أكن مقعدا لكنت أول السباقين للإدلاء بصوتي حول مشروع تعديل الدستور الذي اقره رئيس الجمهورية ربي يشفيه إن شاء الله”، مضيفا “الأمر الذي يحز في نفسي أنه في الانتخابات السابقة كانت ترافقني زوجتي إلا أنه هذا العام أصوت لوحدي بعد وفاتها مؤخرا والحمد لله المهم أن البلاد تبقى بخير”، وهي نفس الصورة التي لاحظناها في العديد من مراكز الاقتراع.

تفاجأ الكثير من الناخبين عبر العديد من مراكز الاقتراع عبر بلديات ولاية المسيلة، من إسقاط أسمائهم من القوائم، رغم أداء البعض منهم واجبهم الانتخابي في الاستحقاقات السابقة.

وبحسب ما استقته الشروق اليومي، في جولة قادتنا صبيحة الأحد، ووفق ما أكده مؤطرون، فإن البعض لم يجدوا أسماءهم بعد رحلة بحث في السجلات والسجل الإلكتروني الموضوع في كل المراكز وبقوا تائهين، لأسباب لا تزال غامضة، مما ولد حالة من التذمر والاستياء، خصوصا لدى كبار السن الذين تنقلوا فرادى وجماعات، إلا أن ذلك يخص حالات قليلة.

وأرجع عارفون بخبايا الانتخابات الأمر، إلى عدم إدخال تحيينات على التطبيقة المعمول بها، فضلا عن وجود أخطاء في الأسماء والألقاب وتواريخ الميلاد وهو ما شكل صعوبة لدى المؤطرين الذين واجهوا الناخبين وحاولوا إقناعهم، بضرورة التنقل إلى غاية مقرات البلديات للمزيد من المعلومات والبحث عن الأسباب، وفي السياق ذاته، وجد المؤطرون صعوبات في إقناع المواطنين، الذين لم يتقبلوا ذلك مطالبين بالمزيد من التوضيحات.

كما حملت السجلات عددا من المتوفين الذين لم يتم شطبهم، في ظل عدم التنسيق بين مصالح الحالة المدنية ومكاتب الانتخاب في البلديات، فضلا عن إدراج أسماء نساء في مكاتب الرجال، وهي العينة التي وقفت عليها الشروق في أحد المراكز بمدينة حمام الضلعة.

وأرجع أحد المكلفين بتسيير مكتب الانتخاب في رده على أسباب هذه الوضعيات، بأنها مجرد أخطاء، يتم تسجيلها في مثل هذه المواعيد الانتخابية، فضلا عن شطب أسماء دون علم المعنيين بها، بفعل وجود نقص في المعلومات الشخصية من اسم ولقب وتاريخ الميلاد وهو ما يستدعي حسب التعليمات الصادرة عن الوصاية إدراجهم ضمن الناخبين غير المعروفين ومنه شطبهم آليا

وفي السياق ذاته، وبحسب الأصداء الواردة، فإن نسبة التصويت إلى غاية أمسية أمس، وقبيل ساعات من غلق المراكز ضعيفة ودون المتوسط، مع تباين في الآراء ووجهات النظر لدى الناخبين وانقسامهم ما بين تزكية مشروع تعديل الدستور أو رفضها، إلا أنها تبقى مجرد استطلاعات.

وبصفة عامة شهدت جل المراكز التي تناهز 450 أجواء عادية دون تسجيل أي مشاكل أو صراعات على عكس المواعيد السابقة بفعل خصوصية هذا الاستحقاق، للإشارة، فإن المسيلة تحصي أزيد من 690 ألف مسجل في القوائم الانتخابية، يتوزعون على 488 مركز و1897 مكتب، كما تم تسجيل أزيد من 9 آلاف ناخب جديد وشطب 7890 من القوائم.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here