أفريقيا برس – الجزائر. يتحدث عبد الحفيظ خيط، في هذا الحوار مع “الشروق” عن مركز الأمير عبد القادر للدراسات بمدينة كاتانيا بجزيرة صقلية الإيطالية، الذي أطلق مؤخرا بقيادة جزائرية، بهدف جعل إرث الأمير عبد القادر الإنساني مثالا لتحقيق السلام في حوض البحر الأبيض المتوسط، وجسرًا ثقافيًا وأخلاقيًا بين ضفتي المتوسط، إضافة إلى مسيرته التي قادته من الميلية إلى جامعة سطيف وصولا إلى الجنوب الايطالي ثم عمله التطوعي كإمام للجالية المسلمة وعضويته في عدة أكاديميات وهيئات دينية.
بداية، نودّ أن تعرّف بنفسك للقراء. من هو عبد الحفيظ خيط؟ وما أبرز المحطات التي شكّلت مسارك الشخصي والمهني؟
عبد الحفيظ خيط، أصيل قرية أولاد علي بمدينة الميلية بولاية جيجل، من مواليد 1968. من أهم المحطات التي شكّلت مساري، بعد حصولي على شهادة البكالوريا وتخرّجي من جامعة سطيف تخصص علوم اقتصادية وأدائي لواجب الخدمة الوطنية، انتقلت إلى إيطاليا لغرض إتمام مساري الأكاديمي سنة 1993.
هناك انخرطت مباشرة في العمل الجمعوي في المركز الإسلامي للجالية الإسلامية في صقلية، ولم تمضِ سنتان حتى أصبحت إمامًا متطوعًا، ثم رئيسًا للجمعية، في ظروف كانت غاية في التعقيد، سواء مما كان يحدث في الجزائر خلال العشرية السوداء، أو في العالم الإسلامي عمومًا ممّا كان يؤثر على علاقاتنا في المجتمع الذي نعيش فيه.
لكن كان هناك إصرار على المضيّ قدمًا والحفاظ على هويتنا وعقيدتنا الإسلامية. ومع بدايات الألفية الثانية اقتنعنا بضرورة الانفتاح على المجتمع، وبدأنا في تنظيم لقاءات ومؤتمرات كان لها أثر كبير في تعزيز الاندماج الإيجابي للجالية المسلمة. وأذكر على سبيل المثال أول مؤتمر إسلامي ينظّم على مستوى جزيرة صقلية تحت عنوان: الإسلام دين العلم والأدب، بحضور الدكتور وهبة الزحيلي رحمه الله، والدكتور أبو جرة سلطاني. ومنذ ذلك الحين أصبحت مؤتمرات الجالية الإسلامية في صقلية من أهم الأنشطة الدينية والثقافية حتى على مستوى أوروبا، وكان ذلك بمثابة رد طبيعي خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر.
لهذا كان تفكيرنا منصبًّا على تأسيس مسجد ومركز إسلامي، وتم ذلك بالفعل، حيث جرى شراء أكبر مسجد في جنوب إيطاليا، وأصبح منارة للدعوة والحوار. وإلى اليوم تم تأسيس وشراء عدة مراكز إسلامية سواء في صقلية أو باقي البر الإيطالي.
إلى جانب ذلك واصلت مساري الأكاديمي، فحصلت على شهادة الدراسات العليا تخصص تاريخ وسياسة وعلاقات دولية، ثم شهادة الماجستير تخصص تاريخ وثقافة دول البحر الأبيض المتوسط، وأنا بصدد مناقشة ماجستير تخصص سوسيولوجيا الشبكات والمعلوماتية والتجديد، ودكتوراه بحثية تخصص علوم سياسية، بالإضافة إلى عضويتي في عدة مؤسسات بحثية دولية، وكذا عضويتي في عدة مؤسسات إسلامية كنائب لرئيس اتحاد الهيئات الإسلامية في إيطاليا، وعضو مجلس أمناء الجمعية الإيطالية للأئمة، وعضو مؤسس لمجلس أمناء الهيئة الإيطالية للقرآن الكريم، وعضو مؤسس لتنسيقية الأديان.
كيف أثّر الانتماء العائلي والمناطقي في رؤيتكم الفكرية والدينية، وفي اختياركم لمسار العمل في الجالية الجزائرية بالخارج؟
الإنسان وليد محيطه؛ فانتمائي لعائلة ثورية ومنطقة محافظة أثّر إيجابًا في مساري، والفضل في ذلك يعود إلى والدي رحمه الله الذي غرس فينا حب الوطن وخدمة الصالح العام. كما أن وجودي وسط أسرة كبيرة مكوّنة من خمسة أفراد، درسنا وتخرجنا جميعًا من الجامعات الجزائرية، كان له أثر إيجابي عليّ.
كيف كانت رحلتكم نحو إيطاليا؟ وما الظروف التي قادتكم للاستقرار في كاتانيا تحديدًا؟
هي كرحلة أي شاب في مقتبل العمر يبحث عن تحصيل علمي أفضل. أما مدينة كاتانيا بالتحديد، فالقدر هو الذي جعلني أستقر فيها، رغم أنّ الوجهة كانت مدينة أخرى للالتحاق بزميل الدراسة. وكان لزامًا عليّ تغيير القطار، فكان أن بقيت في هذه المدينة 32 سنة، وأسست فيها أكبر مسجد وهو مسجد الرحمة.
ما أبرز التحديات التي واجهتموها في بداياتكم هناك، سواء على المستوى الاجتماعي أم المؤسساتي، وكيف تعاملتم معها؟
التحديات كانت عديدة، فعلى المستوى الاجتماعي كنت أتعامل مع جالية متعددة الأعراق يجمعها الإسلام، لكن لكل فئة خصوصياتها وتقاليدها. لم يكن من السهل جمع الجميع على مشروع واحد، والحمد لله وفقنا إلى حد بعيد، فمسجد الرحمة وجمعية الجالية الإسلامية في صقلية يضمّان اليوم عدة مراكز إسلامية على مستوى الجزيرة، الجالية الجزائرية في كاتانيا قليلة وتعدّ على الأصابع.
إلى جانب ذلك، هناك تحدي الوجود داخل مجتمع إيطالي له تقاليده وثقافته ودينه، خصوصًا مع ضرورة مواجهة الإعلام وإبراز الصورة الحقيقية للإسلام والحدّ من الإسلاموفوبيا بخطاب وسطي معتدل.
وهنا أشير إلى أنني أصبحت بمثابة الإمام المسلم الذي يتكلم باسم كل الأديان في المدينة، من خلال مشاركتي في مسيرة السلام بطلب من أسقف المدينة، وفي تقديم تنسيقية الأديان خلال المؤتمر الوطني للأساقفة الذي انعقد مؤخرًا في كاتانيا.
كيف بدأت فكرة إنشاء مركز الأمير عبد القادر للدراسات في كاتانيا؟ ومن هم الأشخاص أو الجهات التي ساهمت في بلورة هذه الفكرة؟
فكرة إنشاء مركز دراسات وأبحاث علمية متخصصة كانت تراودني دائمًا، ومنذ تأسيس المركز الإسلامي كان في مخططنا إنشاء مركز للدراسات. وتعود الفكرة لعدة أسباب، منها عضويتي في مراكز بحثية، ووجودي في جامعة كاتانيا، وما جرى من تقديم للمركز والإعلان عنه في مقر عمادة الجامعة، وهو دليل على الاهتمام بمثل هذه المشاريع.
ومن بين الأشخاص الذين ساعدوا حقيقة في إطلاقه البروفيسور عيسى معيزة، الذي لم يدّخر جهدًا في الدفع بهذا الاتجاه. وكانت الحاجة ملحة لطرح شخصية بحجم الأمير عبد القادر. وقد تأثرت بما قاله لي مفتي البوسنة سابقًا: “لديكم شخصية فذّة أعتبرها الأفضل في العالم، ولو كانت تنتمي للمجتمع الغربي لكان لها شأن كبير؛ فهم يحسنون تقديم ما عندهم، لكن نحن المسلمين للأسف لا نقدّر ما نملك”.
ما الدوافع الرئيسية وراء تأسيس المركز، وهل كان هناك حدث أو حاجة محددة دفعكم لإطلاقه في هذا التوقيت؟
الدافع الأكبر كان إكرامًا لوالدي رحمه الله، الذي كان يسعده أي عمل يتعلق بالجزائر أو بالصالح العام. إضافة إلى غياب أي كتاب باللغة الإيطالية يتناول حياة الأمير عبد القادر وقيمه الإنسانية. وأنا كجزائري، الأمير عبد القادر رمز تشبّعنا به منذ الصغر، من النقود التي كانت تحمل صورته إلى الكتب والصور. وكل بلد يحتفي بأبطاله، والأمير عبد القادر أحد أعظم رموز الجزائر.
هل واجهتم أي تحديات في أثناء مراحل التأسيس، سواء على المستوى الإداري أم الأكاديمي أم الثقافي؟
في الحقيقة، مرحلة التأسيس كانت سلسة جدًا، والجميع تقبّل الفكرة، خصوصًا الأكاديميين والباحثين الإيطاليين، حتى إن الكثيرين اليوم يرغبون في أن يكونوا أعضاء. وأفضل مثال وزير الداخلية الإيطالي سابقًا، الذي لم يتردد حين عرضت عليه الفكرة، وفعل المستحيل لحضور حفل التأسيس.
كما حظينا بدعم كبير من ممثلياتنا الدبلوماسية والقنصلية في إيطاليا، وأخص بالذكر سعادة السفير محمد خليفي، وسعادة القنصل العام في نابولي شوقي شمّام.
ما الرسالة التي كنتم تسعون لإيصالها للمجتمع الجزائري والإيطالي والمتوسطي من خلال هذا المركز؟
أردنا أن نجعل من إرث الأمير عبد القادر الإنساني مثالًا لتحقيق السلام في حوض البحر الأبيض المتوسط، وأن يكون المركز جسرًا ثقافيًا وأخلاقيًا بين ضفتي المتوسط.
كيف تم اختيار اسم الأمير عبد القادر للمركز، وما الدلالات التاريخية والثقافية التي يحملها هذا الاسم؟
الاختيار كان مقصودًا؛ فالمركز مبادرة وطنية جزائرية بامتياز، والأمير عبد القادر شخصية محلّ إجماع، وله مكانته الكبيرة. والجميل أن بعض الأعضاء بدأ بالفعل في دراسة هذه الشخصية الفذة والتعرّف عليها بشكل أعمق.
ما الدلالة الرمزية لقيادة المركز من طرف جزائريين على أرض صقلية الإيطالية في تعزيز الحضور الثقافي والفكري للجزائر في أوروبا؟
نحن فاعلون على أرض الواقع في صقلية، التي تزخر بكفاءات جزائرية متميزة. ونسعى من خلال المركز إلى حشد الجهود لخدمة وطننا المفدّى وخدمة الصالح العام.
ما الأهداف الأساسية لمركز الأمير عبد القادر للدراسات؟ وكيف تترجمون هذه الأهداف إلى برامج عملية؟
نهدف إلى أن يصبح المركز مرجعًا أكاديميًا واستراتيجيًا إقليميًا ودوليًا لدراسات البحر المتوسط، وأن يعزز ثقافة السلام والحوار والاحترام المتبادل بين الأديان والحضارات والثقافات. كما نسعى ليكون منصة للتأثير الإيجابي على السياسات العامة، من خلال منهج علمي متعدد التخصصات، مستلهمًا القيم الإنسانية للأمير عبد القادر لتعزيز الحوار القيمي بين ضفتي المتوسط.
كيف يسهم المركز في تعزيز الحوار الثقافي والديني بين ضفتي المتوسط، وخاصة بين الجزائر وإيطاليا؟
يمكن للمركز أن يكون جسرًا ثقافيًا بين ضفتي المتوسط، خاصة بين الجزائر وإيطاليا. ولعل تقديمه رسميًا في روما بالتنسيق مع معهد العلاقات الإيطالية–الأفريقية في مقر الموسوعة الإيطالية تريكاني هو دليل على رؤية مستقبلية لعمله. إذ يسعى المركز إلى التعاون في مجالات بحثية علمية وثقافية واقتصادية واجتماعية، خصوصًا في قضايا السلام والمشاكل الاجتماعية والهجرة والبيئة.
ما أهم المشاريع البحثية أو العلمية التي يعتزم المركز إطلاقها في المرحلة المقبلة؟
ابتداء من 5 ديسمبر سنقوم بعرض كتاب لأحد مؤسسي المركز بمدينة “إِنّا” بصقلية، يليه مباشرة مؤتمر بمدينة كاتانيا حول المرأة، بالشراكة مع مركز الدراسات القانونية والاجتماعية “جاك ماريتان”.
وفي يوم 6 ديسمبر، سيُنظّم ملتقى حول المرأة في الإسلام والمسيحية بالتنسيق مع مركز الدراسات والبحوث الإستراتيجية “جاك ماريتان” في مكتبة بمدينة كاتانيا.
أما الموعد الأهم برأيي فسيكون المؤتمر الدولي الذي سيحمل عنوان: “نحو سلام عادل ودائم في البحر الأبيض المتوسط”، والذي سيقام بمقر برلمان جمهورية مالطا.
المصدر: الشروق
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس





