استدعت الجزائر سفيرها بباريس للتشاور، وذلك في أعقاب إقدام قنوات تلفزيونية عمومية فرنسية على بث وثائقيات مستفزة للجزائر، وهي الظاهرة التي باتت تتكرر من حين إلى آخر في الأشهر الأخيرة.
المسألة أصبحت لافتة، لأن فيها الكثير من الإمعان في الإساءة للجزائر والجزائريين، ومن ثم للعلاقات الثنائية التي لم تنعم بالاستقرار، منذ ما يقارب السنة والنصف، وهي المعاينة التي يقف عليها الكثير من المراقبين، والتي لم تشهد مثيلا لها على مدار فترة حكم الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، المتهم بكونه حول الجزائر إلى حديقة خلفية للمستعمرة السابقة.
استدعاء سفير الجزائر بباريس، سبقه وثائقيان، الأول بثته قناة فرانس ٥ العمومية، وقد أمعنت من خلاله في الإساءة لرموز الدولة، مثل “جبهة التحرير التاريخية” التي تحولت إلى عقدة للدولة الفرنسية، باعتبارها كانت سببا في طردها بعد قرن و٣٢ سنة من احتلال استيطاني بغيض، أما الثانية فهي قناة “آل سي إي” البرلمانية، التي بثت وثائقيا آخر، ركز بشكل قبيح واستفزازي على منطقة القبائل، محاولا إبراز خصوصيتها، إمعانا في تكريس سياسة فرنسا التفريقية الضارة بالوحدة الترابية للبلاد.
ما أقدمت عليه الخارجية الجزائرية يعد الثاني من نوعه في ظرف أقل من شهرين، ففي بداية شهر أفريل المنصرم، استدعت الخارجية السفير الفرنسي بالجزائر، كسافيي دريانكور، لتبلغه احتجاج الجزائر الرسمي على حوار بثته قناة فرانس 24، التابعة للخارجية الفرنسية، يسيء لمؤسسات الدولة الجزائرية، ممثلة في رئاسة الجمهورية ومؤسسة الجيش، عند استضافتها لأحد الباحثين المزعومين، المعروفين بحقدهم على الجزائر منذ سنوات، المعروف باسم فرانسيس غياس، وهو ما بدا وكأن الأمر كان مخططا له بإحكام، من قبل هذه القناة التي تتلقى التوجيهات من الكيدورسي “الخارجية الفرنسية”.
كل الإساءات على الصعيد الإعلامي التي تعرضت لها الجزائر على مدار نحو سنة ونصف، كان مصدرها الإعلام العمومي الفرنسي، وهو ما يدفع إلى قناعة بأن من يحرك خيوط اللعبة هم السياسيون الرسميون، وأن الأمر لا يتعلق بمجرد اجتهاد رجال إعلام مدفوعين بمكسب حرية التعبير الذي يتحدث عنه الفرنسيون.
القضية هذه المرة تبدو أكبر، فالجزائر انتقلت من استدعاء السفير الفرنسي في الجزائر، إلى سحب سفيرها من باريس، وهي الدرجة الثانية في سلم الاحتجاج الدبلوماسي بين دولتين توجد علاقاتهما في حالة تدهور، وقد يتطور الأمر في المرحلة المقبلة، إذا لم تكف باريس ألسنة أبواقها، إلى إعلان السفير الفرنسي بالجزائر، شخصية غير مرغوب فيها، وفق الأعراف الدبلوماسية.
ويرى مراقبون أن العلاقات بين الجزائر وباريس سوف لن تنزلق إلى مستوى طرد السفير الفرنسي بالجزائر، لأن فرنسا سوف تسارع إلى الجنوح إلى التهدئة، كما فعلت في بداية أفريل المنصرم، عندما أعقبت حوارها المسيء للجزائر، بتقرير فيه الكثير من “الشيتة” للجهة التي ذمتها قبل ذلك بأيام قليلة.
غير أن تكرار مثل هذه الإساءات من شأنه أن يخلق حالة من العداء المستحكم بين الطرفين، وهو ما يصعب من إصلاح ما تم إفساده، لأن المسألة قد تخرج عن السيطرة، وخاصة بعدما دخلت على الخط، أطراف حزبية وجمعوية في دعم الموقف الرسمي المتذمر من الاستفزازات الفرنسية التي تأبى التوقف.
ما يصدر من حين إلى آخر عن واجهة فرنسا الإعلامية بشأن استعداء الجزائر، يوحي بما لا يدع مجالا للشك، أن المستعمرة السابقة تكون قد خسرت امتيازا أو شيئا ثمينا منذ ما يزيد عن السنة والنصف، ولذلك هي تحاول من حين إلى آخر، تحسيس الطرف الآخر ممثلا في الجزائر، عله يراجع حساباته، وهو الأمر الذي لا يتوقع حدوثه في التغيرات الكبيرة التي حصلت على رأس السلطات في الجزائر والقيادة الجديدة وتوجهاتها المعلنة، والتي يرجح أن تظهر في شكل تكتلات جديدة قريبا.