أفريقيا برس – الجزائر. اتهم وزير الداخلية الفرنسي السابق وزعيم حزب “الجمهوريون” اليميني، برونو روتايو، الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بأنه جلب الإهانة لبلاده، بسبب استمراره في “الخضوع” للجزائر في الأزمة المتفاقمة التي تضرب العلاقات الثنائية منذ أزيد من سنة، وأبان عن نوع من الحسرة وهو يتحدث عن تصدي كل من قصر الإيليزي ووزارة الخارجية (الكيدورسي)، لسياسة “القبضة الحديدية”، التي حاول فرضها على حكومة فرانسوا بايرو السابقة.
وسئل برونو روتايو، السبت السادس من ديسمبر الجاري، في برنامج حواري لقناة “بي آف آم تي في”، إن كان ماكرون قد تعرض للإهانة من قبل الجزائر، فرد قائلا: “إن فرنسا هي التي تعرضت للإهانة”، محملا كامل المسؤولية للرئيس الفرنسي، الذي عجز كما قال، عن إرساء توازن قوى في العلاقات المتأزمة مع الجزائر، طالما أنها تحاول في كل مرة تقديم فرنسا على أنها “قربان” في ظل الأزمة القائمة.
وقال زعيم حزب “الجمهوريون” اليميني: “هناك اختلال كبير في العلاقات الجزائرية الفرنسية. منذ مدة وفرنسا تبدو خاضعة للجزائر”، ومع ذلك يبقى الرئيس الفرنسي عاجزا عن تصحيح الوضع، وذلك بالرغم من أن الجزائر هي التي بحاجة إلى فرنسا، وليس فرنسا هي التي بحاجة إلى الجزائر، وأوضح: “ليس هناك ما ننتظره من الجزائر. هم الذين ينتظرون منا الكثير”.
وأضاف برونو روتايو: “هناك كراهية كبيرة لفرنسا من قبل السلطات الجزائرية. إنهم ينسجون الكراهية ضد فرنسا. لا بد من الخروج من هذه العلاقة المريضة وإرساء علاقات متكافئة. عندما لا تريد الجزائر تطبيق الاتفاقيات الثنائية، فإنه يجب علينا عدم تطبيقها من جانبنا أيضا، وعلى رأسها اتفاقية 1968 التي تفرد امتيازات حصرية لصالح الرعايا الجزائريين”.
كما اتهم السلطات الفرنسية بالتفريط في الصحفي الرياضي كريستوف غليز، المدان في الجزائر بسبع سنوات سجنا نافذا، وأوضح: “لقد قال لي أخوه، إن العائلة احترمت التوجيهات وكانوا حذرين منذ البداية ولم يتحركوا وأحجموا عن التصريحات ورفضوا إنشاء لجنة مساندة، ثم ماذا كانت النتيجة؟”، التي كانت في النهاية تثبيت الحكم المستأنف بسبع سنوات سجنا.
وتحسّر وزير الداخلية الفرنسي السابق عن الوضع الذي آلت إليه المصالح الفرنسية في المستعمرة السابقة، على الصعيد الثقافي والاقتصادي خاصة، وقال: “لقد أقصيت اللغة الفرنسية في الجزائر” من المشهد التربوي في إشارة إلى القرارات التي اتخذتها وزارة التربية والتي صبت في صالح ترقية اللغة الإنجليزية في المدارس، كما تم وضع الشركات الفرنسية في القائمة السوداء، بحرمانها من الصفقات والمشاريع، وإقصاء القمح الفرنسي من المناقصات التي يطرحها الديوان الوطني المهني للحبوب.
وبرأي وزير الداخلية السابق، فإن وراء الموقف الفرنسي الضعيف أمام الجزائر، عدة أسباب غير ظاهرة، وعلى رأسها خوف الرئيس الفرنسي من سكان الأحياء، وقال إن ماكرون يخشى من ردود فعل سكان الأحياء، في إشارة إلى الجالية الجزائرية القوية التي تقطن في ضواحي المدن الفرنسية الكبيرة.
وربما استحضر برونو روتايو، موقف زعيمه اليميني السابق، نيكولا ساركوزي، عندما كان وزيرا للداخلية في سنة 2004، الذي كان عنصريا في تصريحاته حينها، حيث وصف سكان الضواحي بـ”الحثالة”، ما تسبب في واحدة من أكثر القلاقل الأمنية، حيث انتفض الآلاف من أبناء الضواحي ضد تلك التصريحات، واشتبكت مع مصالح الأمن والدرك الفرنسية وخلفت خسائر كبيرة في الممتلكات خاصة.
وحاول روتايو تبرئة ساحته من الفشل الذي تكبدته فرنسا في الأزمة المتفاقمة مع الجزائر، باعتباره كان وزيرا في أعنف مرحلة من هذه الأزمة، بحيث كان وزيرا للداخلية لأزيد من سنة، وقال إن “سياسة الحزم التي دعوت لانتهاجها لم أتمكن من تجسيدها، لأن قصر الإيليزي ووزارة الخارجية عارضاها”، متجاهلا أن الكثير من القرارات التي اقترحها ودعا إليها وجدت طريقها إلى التجسيد، وعلى رأسها تخفيض التأشيرات، ومع ذلك لم يتمكنوا من تحقيق أي شيء يذكر.
واستطرد زعيم حزب “الجمهوريون” منتقدا الانقلاب على موقفه داخل الحكومة “من غير المعقول أن نمنحهم (الجزائريون) 250 ألف تأشيرة في الوقت الذي لا يصدرون التصاريح القنصلية لاستقبال رعاياهم، وقد تحدثت مع وزراء الداخلية في الاتحاد الأوروبي من أجل ربط هذا بذاك”، وهو ما نفته السلطات الجزائرية في أكثر من مرة، وأكدت بأن الطرف الفرنسي لا يحترم القوانين والاتفاقيات القنصلية التي تربط البلدين.
ويستهدف روتايو من وراء خطابه العدائي تجاه الجزائر إعادة تأهيل موقفه الذي تضرر بفشله في عدم تحقيق أي انجاز في الصراع مع الجرائر، والقاء اللوم على الرئاسة الفرنسية، كما حاول استغلال تثبيت القرار القضائي بحق كريستوف غليز، لإعادة التسويق لسياسة “القبضة الحديدية” مع الجزائر، والتي قال انه لم يتمكن من تجسيدها بسبب معارضة قصري الإيليزي والكيدورسي.
ويعكس هذا الخطاب التحريضي ضد الجزائر استماتة اليمين المتطرف في قطع الطريق أمام أي أفق ممكن للخروج من الأزمة بين البلدين، حيث كلما لاحت بوادر لإنهاء التوتر تكفل التيار العدائي، لحسابات سياسوية انتخابية، بمهمة صب الزيت على النار، لتأليب الرأي العام والضغط من خلاله على القرار الرسمي.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس





