أفريقيا برس – الجزائر. لم يكن امتناع الجزائر، الجمعة، عن التصويت على قرار مجلس الأمن رقم 2797 المتعلق بقضية الصحراء الغربية مجرد إجراء دبلوماسي روتيني، بل خطوة محسوبة بعناية حملت رسائل سياسية عميقة، كشفت – بحسب الناشط والحقوقي محمد قنديل – عن ذكاء دبلوماسي جزائري أربك حسابات القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا، اللتان حاولتا تمرير قرار يكرّس مقاربة “الواقعية السياسية” على حساب مبدأ “الشرعية الدولية”.
خطوة محسوبة لا حياد فيها
في قراءته التحليلية المنشورة على صفحته الخاصة بـ”الفيس بوك”، يرى قنديل أن امتناع الجزائر عن التصويت لا يمكن اعتباره حيادًا، بل هو موقف سيادي واعٍ عبّر عن رفض الجزائر الانخراط في مسار يفتقد للمصداقية. فبحسبه، القرار الأممي 2797 صيغ بلغة مزدوجة تُرضي الجميع لكنها لا تخدم أحدًا سوى القوى المتحكمة في خيوط اللعبة الدولية، تلك التي تسعى إلى إدامة النزاع لا حله.
ويضيف أن الجزائر قرأت بين سطور النص الأممي، الذي بدا متوازنًا ظاهريًا لكنه في جوهره “قرار مفخخ”، يلمّح لتقرير المصير دون أن يلتزم به، ويكرّس في المقابل مقترحات الحكم الذاتي المغربي باعتبارها “واقعية” دون وصفها بالنهائية.
القرار بلا وزن قانوني
من الزاوية القانونية، يؤكد الناشط المغربي أن القرار الجديد يكرر نفس الثغرات التاريخية التي رافقت قرارات مجلس الأمن السابقة، إذ صدر مجددًا تحت الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، ما يجعله غير ملزم قانونيًا ولا قابلًا للتنفيذ. كما خلا من أي إشارة واضحة إلى الاستفتاء، مكتفيًا بدعم غامض لـ”حلول واقعية” دون تحديد مرجعية واضحة.
ويرى قنديل أن هذه الصيغة المقصودة تهدف إلى إبقاء النزاع في حالة تجميد تسمح للدول الكبرى بالمناورة، والتحكم في إيقاع الأحداث، بما يخدم مصالحها الاقتصادية والأمنية في المنطقة المغاربية.
ضربة دبلوماسية للولايات المتحدة وفرنسا
من وجهة نظر قنديل، فإن الموقف الجزائري أربك واشنطن وباريس على السواء. فالأولى، بصفتها صاحبة القلم داخل مجلس الأمن، كانت تراهن على تمرير قرار يبدو متوازنًا لكنه في العمق يمنح المغرب تفوقًا سياسيًا جديدًا. أما فرنسا، الحليف التقليدي للمخزن، فقد فوجئت بما وصفه قنديل بـ”الصفعة الدبلوماسية الهادئة”، إذ أن امتناع الجزائر عن التصويت أفقد القرار وزنه الرمزي والسياسي، وسحب منه عنصر الإجماع الدولي الذي كانت الرباط تسعى لتوظيفه.
ويضيف أن الجزائر، بهذه الخطوة، أحبطت الصورة التي حاول المغرب تسويقها كنصر دبلوماسي، وأكدت أن الحل لا يمكن أن يُفرض دون مشاركتها الفعلية، لأنها تمثل طرفًا إقليميًا أساسيًا ومعنيًا باستقرار المنطقة ككل.
الموقف الجزائري.. فاعل لا شاهد زور
يصف قنديل هذا الموقف بأنه نقلة نوعية في سلوك الدبلوماسية الجزائرية، والتي انتقلت من مرحلة المتابعة الحذرة إلى مرحلة الفعل المؤثر. فالجزائر – وفق تحليله – رفضت أن تكون “شاهد زور” على مسار تفاوضي مبني على منطق الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، معتبرة أن هذا الطرح يتناقض جوهريًا مع مبدأ تقرير المصير، الذي يشكّل أساس النزاع وأحد مبادئ الشرعية الدولية الراسخة.
ويتابع أن الجزائر تدرك أن الانخراط في أي عملية سياسية تحت مظلة قرار كهذا يُعدّ اعترافًا ضمنيًا بمضمونه، وهو ما لن تقبله لا دبلوماسيًا ولا أخلاقيًا.
قراءة في الخطاب المغربي بعد القرار
يرى قنديل أن ردّ فعل المخزن جاء مرتبكًا، إذ سارع الإعلام الرسمي إلى تسويق القرار كـ”انتصار تاريخي”، في حين أن مضمونه لا يتضمن أي اعتراف بالسيادة المغربية على الإقليم. بل إن خطاب الملك محمد السادس الذي تلا القرار – بحسب قنديل – حمل نبرة دفاعية أقرب إلى التوسّل منها إلى الثقة، في محاولة لطمأنة الداخل المغربي وتغطية هشاشة المكسب الدبلوماسي المزعوم.
ويعتبر أن المغرب يعيش اليوم مأزقًا مزدوجًا: خارجيًا، بفقدان الدعم الصريح من مجلس الأمن، وداخليًا، بتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي لم تعد الخطابات قادرة على تغطيتها.
دبلوماسية الهدوء والذكاء… وتصحيح للمسار الأممي
من خلال هذا الامتناع، ترى الجزائر – كما يوضح قنديل – أنها لم تعرقل المسار الأممي، بل صححت اتجاهه، عبر إعادة التركيز على جوهر النزاع: حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره. فالقرار 2797، وفق التحليل، يفتقر إلى السند القانوني والسياسي، ويكرّس غموضًا متعمّدًا بين “الواقعية السياسية” و”الشرعية الدولية”، ما جعله أداة لإدامة الوضع القائم بدل حلّه.
وعليه، فإن الجزائر اختارت أن تقول “لا” حين اختار الآخرون التصفيق لـ“نعم” فارغة المضمون.
يختم قنديل تحليله بالتأكيد على أن الجزائر كسبت الجولة دبلوماسيًا بصمتها الذكي، لأن الامتناع الواعي كان أبلغ من التصويت الشكلي. ففي وقتٍ احتفت فيه الرباط بقرار رمادي لا يحمل أي أثر قانوني، نجحت الجزائر في تثبيت موقعها كقوة دبلوماسية مستقلة، ترفض الإملاءات وتصرّ على المرجعية الأممية الحقيقية للنزاع.
ويضيف أن “الوعي السياسي أحيانًا أقوى من القرار الأممي”، وأن الذكاء الدبلوماسي الجزائري في هذه المرحلة يكمن في قدرته على توظيف الصمت كأداة للتأثير، وعلى تحويل الموقف السلبي شكليًا إلى انتصار سياسي فعلي.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس
            




