أفريقيا برس – الجزائر. تضمن مشروع القانون الأساسي للقضاء، جملة من الإجراءات الرامية إلى تجسيد مبدأ الاستقلال المؤسساتي للمجلس الأعلى للقضاء وتدعيم حقوق القضاة مع إيلاء أهمية قصوى لوضعيتهم الاجتماعية، خاصة فيما يتعلق بامتيازات التقاعد والسكن، مع تكريس ضمانات المتابعة التأديبية العادلة لهذه الفئة وضمان حماية أمنية وقضائية للقاضي وأسرته من جميع التهديدات والاعتداءات والإهانات.
فيما تم استحداث “الإنذار” بصفته عقوبة من الدرجة الثانية، كما شدّد المشروع على وجوب إخضاع القاضي المتخرج لفترة تربص ميداني قبل تسلّم مهامه لضمان تكوين عملي يواكب متطلبات العدالة الحديثة.
وفي هذا الصدد، وفّى رئيس الجمهورية، رئيس المجلس الأعلى للقضاء، في أقل من أسبوع، بالوعد الذي قطعه على نفسه، والقاضي بصدور القانون الأساسي للقضاء قبل نهاية سنة 2025، وهذا خلال إشرافه على مراسيم افتتاح السنة القضائية الجديدة، حيث وافق مجلس الوزراء، الأحد 19 أكتوبر الجاري، على مشروع القانون العضوي المتضمن القانون الأساسي.
وبالرجوع إلى مشروع القانون المعدل والمتمم للقانون العضوي رقم 04-11 المؤرخ في 6 سبتمبر 2004 والمتضمن القانون الأساسي للقضاء، فإن هذا الأخير يتضمن تعديلات جوهرية تتوزع على 110 مادة تحمل نصوصا جديدة تتلاءم مع أحكام الدستور، بما يضمن أداء قضائيا راقيا وعصريا، يستجيب لتطلعات المجتمع إلى عدالة قوية وفعالة وقادرة على حماية الحقوق والحريات من كل اشكال التعدي مهما كان مصدرها، كما يتضمن القانون الجديد حقوق القضاة وواجباتهم وتنظيم سير مهنتهم، ويهدف أساسا إلى تعزيز استقلالية القاضي وصون شرف القضاء وتحسين مؤهلات القضاة وتسيير أفضل لمهنتهم.
امتيازات اجتماعية وحصانة أمنية… والحق النقابي مضمون
وفي التفاصيل، فقد اقترح المشروع في شقه المعنون بـ”تجسيد مبدأ الاستقلال المؤسساتي للمجلس الأعلى للقضاء”، وتطبيقا للأحكام الدستورية الجديدة، التجسيد الحقيقي لمبدأ الاستقلال المؤسساتي للسلطة القضائية، من خلال تكليف المجلس الأعلى للقضاء، حصريا، بتسيير المسار المهني للقاضي، ابتداء من تعيينه إلى غاية إحالته على التقاعد، كما يصبح مختصا بمنح مختلف التراخيص للقاضي قبل القيام ببعض النشاطات والأعمال، وتلقيه مختلف التصريحات والإخطارات عند وجود القاضي في وضعيات معينة.
ودعّم مشروع النص الجديد حقوق القاضي، من خلال ضبط معايير نقله، بما يضمن تحقيق التوازن بين المصلحة العامة لمرفق القضاء والمصلحة الخاصة للقاضي، حيث يقر، تطبيقا لأحكام المادة 172 من الدستور، مبدأ أن قاضي الحكم غير قابل للنقل، وكاستثناء عن المبدأ، يقترح إمكانية نقل القاضي من قبل المجلس الأعلى للقضاء، بموجب قرار معلل متى توفرت شروط ضرورة المصلحة وحسن سير مرفق القضاء، بما سيسمح بتجسيد تداول عادل بين جميع القضاة على المستوى الوطني.
ويحق لكل قاض بعد مضي خمس سنوات عمل فعلية بإحدى الجهات القضائية، طلب النقل في إطار الحركة السنوية للقضاة، كما يحق له قبل هذه المدة، طلب النقل كذلك، لأسباب واقعية ويجوز للقاضي المعني بالحركة السنوية، تقديم تظلم أمام المجلس الأعلى للقضاء، في أجل خمسة أيام من تاريخ تنصيبه، ويفصل المجلس في أجل شهر من تاريخ الإيداع بقرار معلل.
وإلى ذلك، يتقاضى القاضي أجرة تجعله في منأى عن الاحتياج وتتلاءم مع مهنته بما يضمن كرامته وحمايته، وتتضمن المرتب والتعويضات المتمثلة في تعويض التمثيل وتعويض المسؤولية وتعويض واجب التحفظ وتعويض السيادة والتعويض الخاص عن الوظيفة وتعويض تمديد الخدمة والتعويض الخاص بالتوثيق ودعم التكوين والبحث، على ألا يقل الأجر الصافي للقاضي المبتدئ في كل الأحوال عن سبع مرات الأجر الوطني الأدنى المضمون، وتحدد أجرة القاضي بموجب مرسوم رئاسي بناء على اقتراح من المجلس الأعلى للقضاء.
في حين، وحسب ما تضمنته المادة 14 من القانون الجديد، يستفيد القضاة المعينون في الأقطاب القضائية وفي الجهات القضائية المتخصصة من تعويض يتلاءم مع المهام المسندة إليهم، في حين تضمن الدولة استفادة القاضي من كل الآليات والقروض والتسهيلات للحصول على سكن شخصي وفقا للمادة 15 من ذات القانون.
ويؤكد المشروع التمهيدي للقانون الأساسي للقضاء، في مادته 17، أنه علاوة عن الحماية المرتبطة بتطبيق أحكام قانون العقوبات والقوانين الخاصة، يتعين على الدولة أن توفر للقاضي وأفراد أسرته الحماية، الأمنية والقضائية، من التهديدات أو الاعتداءات والإهانات أيا كانت طبيعتها، وكذا السب أو القذف والتي يمكن أن يتعرض لها أثناء قيامه بوظائفه أو بمناسبتها أو بسببها، حتى بعد الإحالة على التقاعد، وتقوم الدولة بتعويض الضرر المباشر الناتج عن ذلك.
وعلى شاكلة القانون الساري المفعول، فإن الحق النقابي بما في ذلك ممارسة حق الإضراب، معترف به للقاضي وفقا لأحكام القانون وأحكام الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجزائر، إلا أن النص التشريعي يشترط أن يسلك القضاة دائما عند ممارسة حقهم النقابي، مسلكا يحفظ هيبة وشرف ونزاهة واستقلالية القضاء، ويضمن استمرارية المرفق، لاسيما متطلبات الحد الأدنى من الخدمة.
وجاء الشق المتعلق بانضباط القضاة حازما، في مواد القانون الأساسي للقضاء، إذ تعتبر أخطاء تأديبية جسيمة عدم التصريح بالممتلكات بعد الإعذار والتصريح الكاذب بالممتلكات، وخرق واجب التحفظ من طرف القاضي المعروضة عليه القضية بربط علاقات بينة مع أحد أطرافها يظهر منها افتراض قوي لانحيازه، وكذا ممارسة وظيفة عمومية أو خاصة مربحة خارج الحالات الخاضعة للترخيص المنصوص عليه قانونا والقيام بأي عمل فردي أو جماعي غير شرعي من شأنه أن يؤدي إلى توقيف أو عرقلة سير العمل القضائي إلى جانب رفض العمل أو نقص الكفاءة المهنية بكيفية يستشف منها عدم الدراية بالقانون أو الانتماء لحزب سياسي أو إفشاء سر المداولات أو إنكار العدالة.
هكذا يتم توزيع القضاة الجدد.. وحصرية التكوين للمجلس الأعلى للقضاء
وبالمقابل، ينص المشروع الجديد على ضرورة مراجعة الأحكام المتعلقة بتعيين وتكوين القضاة وهذا من خلال منح صلاحية توزيع القضاة الجدد على مستوى الجهات القضائية لمكتب المجلس الأعلى للقضاء بالتنسيق مع وزارة العدل، لكون مهام التكوين من صلاحيات السلطات العمومية، كما لا يمكن التعيين الأول للقضاة في الجهات القضائية المتخصصة وكذا في الجهات القضائية المحددة عن طريق التنظيم وعلى عدم إمكانية التعيين في بعض الوظائف القضائية النوعية إلا إذا توفرت في القاضي الرتبة والأقدمية المطلوبتين لشغل الوظيفة المعنية.
في حين يحوز المجلس الأعلى للقضاء حصرية المصادقة على برامج التكوين المستمر والتكوين المتخصص للقاضي التي تعدها وزارة العدل وتعمل على تنفيذها، كما أن ضبط معايير الترقية والتسجيل في قوائم التأهيل، سيكون بموجب مداولة للمجلس الأعلى للقضاء، مما سيسمح لهذه الهيئة الدستورية من تقنين اجتهادها عبر مداولاتها.
وإلى ذلك، فإن النص التشريعي الجديد تضمن إمكانية تعيين قضاة الحكم للعمل بالمحكمة العليا ومجلس الدولة، كقضاة مساعدين، مما يسمح بتحقيق هدفين رئيسيين، يتمثل الأول في تدعيم هاتين الجهتين القضائيتين اللتين تعرفان تزايدا متصاعدا للملفات المعروضة عليهما وبالتالي تخفيف العبء على المستشارين قصد التركيز على الارتقاء بنوعية الاجتهاد القضائي، ويتمثل الثاني في إعداد القضاة وتأهيلهم للعمل مستقبلا بالمحكمة العليا أو مجلس الدولة.
كما يحدد المشروع كيفيات التعيين في الوظائف القضائية النوعية ويأخذ بعين الاعتبار طبيعة هذه الوظائف والأحكام الدستورية ذات الصلة ومقتضيات العمل القضائي وكذا مقتضيات السياسة الجزائية للحكومة.
هكذا يتم ضبط وتحديد الأخطاء المهنية وعزل القاضي
مشروع النص الجديد في شقه المتعلق بتكريس ضمانات المتابعة التأديبية العادلة للقاضي، جسد الفقرة الثانية للمادة 172 من الدستور، حيث ضمن حق القاضي في عدم توقيع أي عقوبة تأديبية عليه إلا من قبل المجلس الأعلى للقضاء، ومن هذا المنطلق يقترح المشروع ضبط وتحديد الأخطاء المهنية وتحديد ضوابط وشروط عزل القاضي، حيث يشترط موافقة أغلبية أعضاء المجلس الأعلى للقضاء لتوقي التوقيع هذه العقوبة.
كما يقترح المشروع ضبط إجراءات توقيف القاضي ومتابعته تأديبيا أو جزائيا وهذا بمنح المفتشية العامة لوزارة العدل صلاحية مباشرة الدعوى التأديبية ضد القضاة، باسم وزير العدل حافظ الأختام، من خلال تحويل سلطة إيقاف القاضي للمجلس الأعلى للقضاء، استحداث عقوبة الإنذار، كعقوبة من الدرجة الثانية، ضبط إجراءات إهمال المنصب باقتراح إجراءات بسيطة وواضحة وأجال محددة بدقة، بداية من إعذار المعني إلى غاية إحالته على الهيئة التأديبية للمجلس الأعلى للقضاء، إلى جانب تحديد الأخطاء المهنية الجسيمة التي يترتب عليها العزل على سبيل الحصر.
تمديد الخدمة بعد سن التقاعد إلى 70 سنة
ويشير النص القانوني الجديد على إشراف وزير العدل، حافظ الأختام على قضاة النيابة ومحافظة الدولة والقضاة الممارسين وظائف ادارية، من خلال وضع قضاة النيابة وقضاة محافظة الدولة، تحت السلطة السلمية المباشرة لوزير العدل، الذي يحوز على صلاحية نقل قضاة النيابة وقضاة محافظة الدولة والقضاة العاملين في الإدارة المركزية لوزارة العدل ومصالحها الخارجية وفي مؤسسات التكوين والبحث التابعة لوزارة العدل والمؤسسات الأخرى تحت الوصاية وتعيينهم في مناصب إدارية أخرى.
أما في الشق المتعلق بالتقاعد، فقد حمل مشروع القانون العضوي المتضمن القانون الأساسي للقضاء ضوابط محكمة تتعلق بحصر شروط التقاعد في شرطين مجتمعين، الأول مرتبط بالسن، حيث حددها المشروع بـ60 سنة كاملة للقضاة الرجال و55 سنة بالنسبة للقضاة النساء، على غرار ما هو منصوص عليه حاليا، والثاني مرتبط بمدة ممارسة مهنة والمتمثلة في 25 سنة خدمة فعلية للاستفادة من نظام التقاعد المطبق على الإطارات السامية للدولة.
وسمح القانون الجديد بتمديد الخدمة بعد بلوغ سن التقاعد، حيث يسمح المشروع للقضاة الذين بلغوا سن التقاعد من مواصلة نشاطهم، من خلال النص على إمكانية تمديد الحد الأقصى للخدمة ليكون 65 سنة بالنسبة لقضاة المجالس القضائية والمحاكم الإدارية للاستئناف، و70 سنة بالنسبة لقضاة المحكمة العليا ومجلس الدولة، وفقا لما هو مكرس حاليا.
كما ينص المشروع على إمكانية الاستفادة من خبرتهم عن طريق التعاقد، وان هذا الاجراء يسمح بالحفاظ على الكفاءات من ذوي الخبرة المؤكدة، والاستفادة من معارفهم وتجاربهم المحصل عليها خلال سنوات نشاطهم المهني، وأن القوانين المقارنة اتجهت في هذا المجال، نحو الرفع من سن التقاعد وبعضها أبقى المدة مفتوحة بعد بلوغ السن القانونية للتقاعد، إن لم يبد القاضي رغبته في إنهاء خدمته.
وبالمقابل يتضمن المشروع حكما انتقاليا ينص على أن يبقى قضاة المحاكم الإدارية يتمتعون بجميع حقوقهم المكتسبة قبل صدور هذا القانون العضوي، كما ينص على الغاء القانون العضوي رقم 04-11 المؤرخ في 21 رجب عام 1425 الموافق 6 سبتمبر 2004 والمتضمن القانون الأساسي للقضاء وعلى بقاء نصوصه التطبيقية سارية المفعول إلى حين صدور النصوص التطبيقية لهذا القانون العضوي، باستثناء ما يتعارض منها مع أحكامه.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس