هل سرّعت الضغوط الجزائرية قرار سحب قوات فاغنر من مالي؟

1
هل سرّعت الضغوط الجزائرية قرار سحب قوات فاغنر من مالي؟
هل سرّعت الضغوط الجزائرية قرار سحب قوات فاغنر من مالي؟

أفريقيا برس – الجزائر. أنهى قرار موسكو سحب مجموعة فاغنر العسكرية الخاصة من مالي، هاجساً أمنياً وسياسياً بالنسبة للجزائر، التي كانت عبّرت في أكثر من مناسبة عن رفضها الصارم لوجود فاغنر على حدودها الجنوبية في شمال مالي، كما يُرجَّح أن تكون الضغوط الجزائرية على موسكو لإنهاء وجود هذه القوات، جزءاً من الدوافع والأسباب التي دفعت روسيا إلى سحب فاغنر من مالي.

وبخلاف ما يزعم بيان مجموعة الفيلق الأفريقي (فاغنر)، بأن قرار الانسحاب من مالي مرتبط باستكمال المجموعة لمهمتها “بنجاح” في مالي، بعد مساعدة الجيش المالي في استرجاع عدد من المناطق إلى سيطرته، فإنّ الواقع الأمني في مالي وفي علاقة بالتطوّرات القائمة على الأرض، تؤكد عكس ذلك تماماً، إذ يتراجع الجيش المالي في الفترة الأخيرة، ويخسر الكثير من مناطق السيطرة وثكنات حيوية، كما قد تفاقمت التهديدات الأمنية والهجمات التي تتعرض لها مصالح وتمركزات الجيش المالي، بما فيها وصول المسلحين الموالين للقاعدة، (تنظيم أنصار الإسلام، وكتائب ماسينا)، إلى ضواحي العاصمة بماكو، واستيلائهم على الأسلحة والعتاد ومبالغ مالية كبيرة.

وفي 13 مايو/ أيار الماضي، ظهر الجنرال سيرغي سوروفيكين في الجزائر، ولم تعرف مهمته التي لم تكن معلنة على نحوٍ رسمي، لا من الجزائر ولا من موسكو، لكن طبيعة الوظيفة التي يشغلها المسؤول الروسي، إذ كان عضو لجنة الدفاع بمجلس الدوما (النواب) الروسي فيكتور سوبوليف قد كشف، في فبراير/ شباط الماضي، أن سوروفيكين يعمل مستشاراً عسكرياً في أفريقيا، تدفع إلى الاعتقاد أنه وبحكم عمله وصلته بـ”فاغنر”، كان بصدد إعادة تقييم وضع قوات الفيلق الأفريقي في مالي تحديداً، ومناقشة ذلك مع الجانب الجزائري، وقد تكون هذه المهمة الرئيسة التي يمكن أن تبرر وجوده في الجزائر.

وقبل سوروفيكين، كان عدد من المسؤولين العسكريين والسياسيين الروس قد زاروا الجزائر في الفترة الماضية، على غرار نائب رئيس لجنة الدفاع والأمن الروسية يوري فاليائيف، كما كانت قد حدثت خمس لقاءات جزائرية روسية على المستوى السياسي والعسكري، منذ شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إذ زار نائب وزير الدفاع الروسي الفريق ألكسندر فومين الجزائر، أعقبه لقاء في نوفمبر/ تشرين الثاني بين وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف ونظيره الروسي سيرغي لافروف، ثم زيارة لنائب وزير الشؤون الخارجية ميخائيل بوغدانوف إلى الجزائر، برفقة نائب وزير الدفاع الروسي إيونوس بيك إيفيكوروف.

وفي السياق، يؤكّد محلل الشؤون الأمنية عابد خليف، أنّ “ملف وجود قوات فاغنر في مناطق قريبة من الجزائر، في كل ليبيا ومالي، وقيامها بعمليات عسكرية لصالح الجيش المالي في شمال البلاد، حيث تتمركز قوات حركات الأزواد، ظل منذ فترة أحد الملفات التي طرحت للنقاش، خاصة بين المسؤولين العسكريين في كل من الجزائر وموسكو، إذ كانت الجزائر قد أبدت تحفظات بالغة ضد وجود فاغنر في عمقها الأمني والحيوي، بل إن الخطاب الرسمي الجزائري كان يصفهم بالمرتزقة”، ويعيد خليف التذكير بأن “الجزائر كانت قد ذهبت إلى حد المطالبة بمحاسبتهم داخل مجلس الأمن، ففي 27 أغسطس/ آب الماضي، دعت إلى تحرك دولي لملاحقة الجيوش الخاصة (المرتزقة) التي تستعين بها بعض الدول، (في إشارة إلى قوات فاغنر الروسية)، ومحاسبة دولية للأطراف التي نفذت هجوماً بطائرة مسيّرة، قصفت مدنيين في منطقة تين زواتين المالية، على مقربة أمتار من الحدود بين مالي والجزائر، ما تسبب في مقتل 20 مدنياً مالياً”.

وربما كان وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف قد عبّر عن موقف جزائري أكثر وضوحاً، عندما أعلن في شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، رفض وجود قوات فاغنر وعملها العسكري ضد حركات الأزواد، وقال في مؤتمر صحافي “أكدنا للأصدقاء الروس أننا كجزائريين لن نسمح ولن نقبل بأن تُحوَّل حركات سياسية (الحركات الأزواد في شمال مالي) كانت طرفاً موقعاً على اتفاق الجزائر للسلم في ‎مالي، إلى جماعات إرهابية، وأن الجزائر أرادت إقناع الصديق الروسي بالبديهيات التي عالجت بها الجزائر، من خلال تجربتها الطويلة، الملفات في منطقة ‎الساحل على مدى عقود، وأن الحل العسكري غير ممكن، وجُرّب ثلاث مرات ولم ينجح”.

وبرأي الكثير من المراقبين، فإن وجود فاغنر في مالي خاصة، وبما يتسبب به من خلخلة ما يصفونه بالبنية الأمنية التقليدية للمنطقة، كان أحد أسباب الخلافات السياسية الصامتة بين الجزائر وموسكو، وهي خلافات عبّرت عنها حكومتا البلدَين، بالسعي لوضع إطار لحل المسائل والمشكلات التي تعترض العلاقات بين البلدَين، إذ جرى، في يناير الماضي، التوصل إلى تفاهمات تقضي بعقد اجتماع ثنائي كل ثلاثة أشهر لقطاعات الخارجية والأمن والدفاع، يتيح مناقشة وحل بعض القضايا الخلافية بين البلدَين، خاصّة تلك التي تخصّ منطقة الساحل وليبيا، وعُقدت في العاشر من إبريل/ نيسان الماضي في موسكو جولة مباحثات سياسية لمناقشة قضايا تخصّ التطورات الإقليمية في منطقة الساحل، قادها عن الجانب الجزائري الأمين العام للخارجية لوناس ماقرامان، على رأس وفد عسكري وأمني، ومن الجانب الروسي نائب وزير الشؤون الخارجية والممثل الخاص للرئيس الروسي لأفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط، ميخائيل بوغدانوف، وهو الإطار الذي يُعتقد أن يكون سمح للجزائر بإقناع موسكو بضرورة سحب قوات فاغنر من مالي.

ويخلص الباحث المتخصّص في شؤون منطقة الساحل، حسايم آغ عيسى، إلى أنه “وفقاً للكثير من المعطيات، فإن الضغوط الجزائرية تُعدّ عاملاً مهماً، إن لم يكن عاملاً مركزياً، في دفع موسكو إلى سحب فاغنر من مالي، وثمة على الأقل اعتباران أساسيان، الأول يتعلق بالخسائر المتتالية لـ”فاغنر” في مالي، وتفاقم الضغط الميداني والسياسي بشأن وجودهم في مالي، والثاني أن موسكو على سبيل الموازنة، لا تريد خسارة علاقاتها مع الجزائر بوصفها شريكاً مهماً في المنطقة تفوق أهميته العلاقة مع مالي”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here