استعجال الحوار في الجزائر.. قلق داخلي أو مخاوف خارجية؟

6
استعجال الحوار في الجزائر.. قلق داخلي أو مخاوف خارجية؟
استعجال الحوار في الجزائر.. قلق داخلي أو مخاوف خارجية؟

عثمان لحياني

أفريقيا برس – الجزائر. بعد ثلاثة أشهر فقط من الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الجزائر، ومباشرة الرئيس عبد المجيد تبون ولايته الرئاسية الثانية، تشهد الساحة السياسية تزايد الدعوات لإجراء حوار وطني، وترتفع بشكل حاد المطالبات بضرورة فتح حوار سياسي موسع. يطرح ذلك أكثر من سؤال حول الدوافع التي تقف وراء مطالب عقد هذا الحوار في الجزائر والخلفيات التي تؤسس لتلك المطالب السياسية، وما إذا كان سببها قلقاً داخلياً أم مخاوف من ضغوط خارجية، خصوصاً أن أحزاباً موالية لتبون ومشاركة في الحكومة باتت تتبنى هذه المطالبات أيضاً وتستعجل الحوار.

وأرجأ تبون التعليق على المطالبات السياسية بإطلاق مسار حوار وطني إلى الخطاب السنوي الذي سيلقيه في 29 ديسمبر/كانون الأول الحالي أمام البرلمان، بعدما تجاوز في الخطاب الذي ألقاه، الثلاثاء الماضي، خلال مؤتمر الحكومة وحكام الولايات، سلسلة دعوات متزايدة من قبل قادة الأحزاب السياسية المعارضة والموالية لإطلاق الحوار في الجزائر. وتشير تلك الدعوات إلى ضرورة تشارك كل القوى في حوار وطني حول القضايا السياسية ومسائل النشاط والحريات والسياسات الاقتصادية والاجتماعية، والتطورات الإقليمية، خصوصاً بعد التحولات المتسارعة في سورية، ومدى تأثيراتها على الداخل، وتحقيق توافقات تسهم في تحصين الجبهة الداخلية.

أحزاب السلطة تؤيد الحوار في الجزائر

المفاجئ بالنسبة لمتابعي الشأن السياسي في الجزائر ليس مطالبة أحزاب معارضة بإطلاق مسار حوار سياسي، بل إعلان أحزاب الحزام الرئاسي والحكومي استعجالها الحوار في الجزائر. وقال الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي (يعد أبرز أحزاب السلطة) مصطفى ياحي، السبت الماضي، في لقاء مع قيادات الحزب، إن “التجمع يرى أن طبيعة التحولات والتطورات المتسارعة على المستوى الإقليمي والدولي، بأبعادها الجيوسياسية والأمنية ومخاطرها المباشرة على أمن واستقرار بلادنا، تفرض علينا العمل معاً من أجل حوار وطني شامل”. ودعا ياحي الرئيس الجزائري لـ”تقديم موعد الحوار الوطني”.

قبل ذلك، كان رئيس حركة البناء الوطني (من الحزام الحكومي) عبد القادر بن قرينة قد دعا إلى التعجيل بالحوار قائلاً في تصريحات بداية الشهر الحالي: “ننتظر الحوار الاستراتيجي الذي وعد به الرئيس، وندعو إلى حوارات أخرى مستعجلة متعلقة بتحصين مؤسسات الدولة والمجتمع، وإلى حوار سياسي مسؤول بين الأحزاب السياسية”. بينما كانت قوى المعارضة، حركة مجتمع السلم وجبهة القوى الاشتراكية وحزب العمال والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وجيل جديد وحركة النهضة وغيرها، قد طالبت بحوار وطني يؤسس لإصلاح سياسي ومؤسساتي يقوم على شراكة سياسية واسعة ورؤية وطنية جامعة، تستهدف تكريس الحريات وتثبيت السكينة الاجتماعية ومعالجة الاختلالات الاقتصادية، وتحد مما وصفه السكرتير الأول للقوى الاشتراكية يوسف أوشيش بـ”التسيير الأمني” للشأن العام.

كانت المطالبات بإجراء هذا الحوار في الجزائر قد انطلقت من نتائج الانتخابات الرئاسية في سبتمبر/ أيلول الماضي، والتي أظهرت عزوف 13 مليون ناخب من بين 24 مليون ناخب عن التصويت، على الرغم من كل الحشد والتعبئة السياسية والانتخابية خلال الحملة الانتخابية، ما فُسر سياسياً بأن هناك عدم اقتناع شعبي بالمسارات والسياسات التي انتهجت خلال الولاية الرئاسية الأولى لتبون.

ارتباك سياسي

لكن هذا العزوف بات يُفسر في الظرف الحالي بوجود عدم اطمئنان وحالة قلق سياسي على الجبهة الداخلية، ومخاوف من توترات نتيجة بعض الارتباك في السياسات الحكومية في عدد من المجالات السياسية نتيجة ما تعتبره المعارضة تضييقاً على الحريات والإعلام وعلى هوامش النشاط السياسي والمدني، وخلل هيكلي في تسيير القطاعات الاقتصادية والاجتماعية وإدارة الشأن العام. يأتي ذلك وسط مشكلات تموين السوق المحلية ببعض المواد الاستهلاكية، واستمرار بعض الأزمات، كأزمة السيارات وقطع الغيار وغيرها.

في هذا الصدد، أكد نائب رئيس حركة مجتمع السلم، كبرى القوى الإسلامية في الجزائر، أحمد صادوق، هذه التقديرات، مشيراً إلى أن دعوة الحركة إلى ضرورة التعجيل بإجراء الحوار في الجزائر تعود لعدة اعتبارات “أهمها وجود انحباس واحتباس وركود سياسي كبير بعدما كنا ننتظر أن تكون بعد الانتخابات الرئاسية ديناميكية”. ولكن لفت إلى أن الحركة لاحظت “ركوداً وتصاعد مشكلات محيطة بالجزائر من الداخل والخارج”، معتبراً أن “هذا الاحتقان والضغط، خصوصاً في إدارة القضايا، له علاقة بجوارنا الإقليمي وفي منطقة الشرق الأوسط وتوتر العلاقات مع فرنسا ومن خلال التحرشات، خصوصاً بعدما انكشفت لعبة المحاور، لا سيما بعد ما حدث في سورية”.

وأضاف أن “الجزائر بحاجة لتمتين الجبهة الداخلية والتعاون سلطة وشعباً، والاعتماد على أنفسنا للالتقاء حول ما يفيد بلدنا وتخفيف الضغط على المواطن للعيش بكرامة وبحرية”. وفي إشارة إلى الحوار في الجزائر، لفت إلى “وجود حاجة ماسة لاجتماع السلطة والقوى السياسية لصياغة فكرة مركزية حول الجزائر، والتوافق على المنطلقات الأساسية”. ونبّه في هذا الإطار من “أن السلطة في الجزائر للأسف تتعاطى بقلة تقدير حيال هذا الضاغط، وتتعامل بالمقاربات الأمنية التي تحاول الضغط والمنع، بدلاً من فتح مساحات الحرية، خصوصاً في الفضاءات العامة، وإتاحة النقاش الاجتماعي الذي يسهم في امتصاص الاحتقان”.

على صعيد آخر، تعتقد بعض التقديرات السياسية أن إعلان الرئيس تبون رغبته في إجراء حوار وطني نهاية العام 2025، بعد الفراغ من صياغة حزمة القوانين الناظمة لمؤسسات الحكم المحلي والأحزاب والجمعيات والانتخابات وغيرها، ربما يكون قد أشعر الأحزاب السياسية جميعها، المعارضة والموالية، بأنها ستكون خارج أي مساهمة في صياغة هذه القوانين التي تعنيها. كما أنه سيفرغ الحوار في الجزائر من أي معنى في حال جرى بعد إقرار هذه القوانين، التي تعتقد الأحزاب أنها تتعين أن تكون جزءاً من مستخلصات الحوار الوطني. لكن تجارب حوارات سياسية سابقة أجراها تبون في ولايته الأولى مع قادة الأحزاب، بشكل منفرد أو مشترك، تعيد مخاوف من جدوى حوار وطني بالصيغة التي تتبناها السلطة، والذي لا يؤدي إلى وضع تصورات مشتركة، وهو ما دفع قوى معارضة إلى التحفظ على إقامة حوار صوري مستقبلاً.

وقال القيادي في حزب جيل جديد حبيب براهمية، إن قضية الحوار في الجزائر “مرآة لمدى غرابة الوضع السياسي في البلاد خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة”، موضحاً أنه “كنا نعتقد أن إعلان رئيس الجمهورية في سبتمبر الماضي إطلاق حوار خطوة لاحتواء النتائج المخيبة من حيث نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية، وتفهّم رسالة 80% من الكتلة التي لم تصوّت في الانتخابات”. وتابع: “لكننا فوجئنا لاحقاً بإعلان تأجيل الحوار إلى ما بعد 2025، أي إلى ما بعد حلحلة كل المشاكل، التي هي في حدّ ذاتها تستدعي حواراً وتوافقاً، وهذا أمر غير منطقي وغير مقبول تماماً”.

وعن طبيعة الحوار في الجزائر، أضاف براهمية: “نرى أنه من المهم الذهاب إلى حوار شامل وحقيقي والخروج من ديمقراطية الشعارات وبناء دولة قانون حقيقية، لكننا سنتعامل بحذر شديد مع هذا الحوار”. وعزا ذلك إلى أنه “لا يمكن أن نستعمل وتستعمل مصداقية أحزاب المعارضة من أجل تمرير برامج غير مقبولة شعبياً أو خارج تطلعات الشعب”. وشدّد على أنه “قبل أن يكون أي حوار، سنعاين فحوى وآليات الحوار الذي نريده حواراً شاملاً، تشارك فيه كل المكونات ويجمع بين المكونات الأساسية من أجل الذهاب إلى حلول شاملة، خصوصاً في مسائل الحريات وحرية الإعلام والمسائل الاقتصادية والاجتماعية، وتوافق لتقوية الجبهة الداخلية”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here